اصبحت مشكلة كل مسئول.. البحث عن مسئول قادر علي تولي المناصب القيادية باختلاف مواقع العمل.. وزراء.. رؤساء هيئات ومصالح.. وحتي في تولي شئون كرة القدم. هذه القضية تكشفها العديد من الأحداث التي شهدتها مصر في الفترة القريبة الماضية وطوال عام مضي في أكثر من قطاع، وتحاول "الأسبوعي" في هذا التقرير مناقشة اسباب ظهور هذه "المشكلة" وتسأل: ما أسبابها.. وهل نستطيع انشاء "حضانات" وآليات لتفريخ الوزراء والقيادات؟ طرحنا السؤال علي العديد من الخبراء.. وأصحاب التجارب.. وكانت هذه هي الإجابات. يشدد المفكر د. ميلاد حنا علي أن الديمقراطية داخل المجتمع هي الطريق الوحيد لاعداد الشخصيات التي تستطيع تولي المناصب السياسية والتنفيذية لقيادة المجتمع والبلاد، ويوضح أن النظام الديمقراطي يصنع الطموح لدي اعضاء الأحزاب، وذلك وفقا لما حدث في العديد من الدول التي تقدمت وأخذت طريقها الي الأمام، بالإضافة الي الهند التي يضعها د. ميلاد في مرتبة بعيدة عن الدول النامية. ويتفق معه في ذلك جمال الناظر رئيس جمعية رجال الأعمال ويؤكد أن النظام الديمقراطي الصحيح هو الذي يجعل الأحزاب قادرة علي "تفريخ" شخصيات متعددة تستطيع تبوؤ المناصب الوزارية، حيث تقوم تلك الأحزاب بتشكيل ما يعرف باسم حكومة الظل. ويشدد الناظر علي أهمية وجود حزب سياسي قوي ينافس الحزب الوطني يتم من خلاله تفعيل مبدأ تداول السلطة وتنمية الوعي السياسي لدي جميع طوائف المجتمع، ويشمل ذلك السماح بممارسة السياسة في المدارس والجامعات لخلق كوادر لديها انتماءات سياسية وليس أي شيء آخر وبالتحديد "التيار الديني". ومن جانبه يشير المستشار عادل عبد الباقي وزير الدولة للتنمية الادارية الأسبق أن الحزب الوطني يتحمل مهمة صعبة في هذا المجال، وتتمثل في إعداد أجيال جديدة لتصلح لتولي المناصب في جميع التخصصات، ويتم الاستعانة في ذلك بالخبراء والمستشارين من أعضاء الحزب الكبار، ويختلف "عبد الباقي" بشأن ضرورة وجود حزب سياسي جديد قوي لمنافسة "الوطني" ويؤكد أن مصر بها أحزاب متعددة وموجودة علي أرض الواقع، ويمكنها إعداد كوادرها لتولي هذه المسئوليات، مشيرا الي ان المشكلة في أن هذه الأحزاب ينقصها تدريب ورعاية وإعداد كوادرها والتواجد القوي في الشارع المصري. أما السفير د. عبد الله الاشعل مساعد وزير الخارجية الاسبق فيطرح أمامنا التجربة الفرنسية المتمثلة في معهدها للادارة العليا، والذي يقوم بمهمة تخريج دفعات متخصصة من السياسيين وكبار رجال الدولة، وابرزهم الرئيس الفرنسي الحالي، جاك شيراك، ولا تتجاوز مدة الدراسة في ذلك المعهد سنة واحدة، ويتولي خريجوه مسئوليات في المحافظات والمحليات لاكتساب الخبرات يمكن بعدها انتقالهم للعمل في الوزارات أو توليها. ويدعو د. الاشعل الي تطبيق نموذج ذلك المعهد من خلال افتتاح معاهد لتأهيل الخريجين الجامعيين، تكون مدة الدراسة فيها سنة أو سنتين علي الأكثر، ويتم الاستفادة من هذه الكوادر التي تم تدريبها علي أحدث الاتجاهات العالمية وعن طريق مسئولين ووزراء حاليين في أماكن العمل المتعددة لصقل خبراتهم، ومن ثم المناصب القيادية. وعلي الجانب الآخر يشدد الدكتور حسن أبو طلب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي، والخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، علي ضرورة أن يتم أولا تأهيل الفكر وأسلوب العمل بالاقتصاد الليبرالي الحر، ويلفت الي أن مصر مازالت تعمل في إطار "خليط" من الاقتصادين الموجه والحر، وتقع في المنتصف بين الاتجاهين. كما يلفت الي أنه من الضروري قبل الحديث عن ايجاد حصانة لتأهيل وإعداد الشخصيات القادرة علي تولي المناصب القيادية والوزارية، أن يتم حسم الاتجاه الاقتصادي للدولة علي أرض الواقع، ويؤكد أن ذلك الحسم مهم في تحديد مهام ومحاسبة المسئولين وتقييم عملهم بما في ذلك إعداد الكوادر. ويدعو الي ضرورة "ضبط الرؤية" أولا وإرساء النظام الليبرالي الحر وذلك خلال فترة زمنية محددة، يتم فيها ارساء نظام حزبي حقيقي تكون فيه الرؤية واضحة تحميها منظومة ليبرالية، متكاملة من الجانبين السياسي والاقتصادي، ويؤكد إنه عند هذه النقطة سيكون من السهل الحصول علي الكوادر القادرة علي تحمل المسئوليات القيادية وتعدد الاختيار من بينها. وعلي الجانب الآخر من الأراء السابقة يؤكد الكيميائي عبد الهادي قنديل وزير البترول الاسبق ان مصر كان لديها حضانات لصناعة الوزراء في الفترات السابقة في إطار نظام محدد، ويشير الي نفسه باعتباره كان أحد أبناء هذه الحضانات من خلال الاتحاد الاشتراكي الذي كان يقوم بإعداد كوادره ويتيح لها فرصة التواصل مع جميع قيادات البلد وفي جميع القطاعات. كما يلفت ايضا الي ان قطاع البترول الناجح في كل مراحله التاريخية نجح في تفريخ وانجاب افضل الخبراء والقيادات، ويمثل تجربة ناجحة في إعداد القيادات، ويؤكد أنه حتي في عصر الاتحاد الاشتراكي والحزب الواحد، كان يدار بالأسلوب العالمي الليبرالي وهو أسلوب يتيح المجال لكل الابداعات والكفاءات أن تأخذ طريقها للخروج الي النور. ويري قنديل ان هذا الهدف لا يرتبط بوجود حزب قديم أو جديد، أو باختفاء أو ظهور القطاع العام لأن المهم هو مناخ الابداع والمناقشة في جميع مؤسسات المجتمع. ويدعو عبد الهادي قنديل الي ضرورة التربية السياسية للأجيال الجديدة من الشباب منذ دخولها المدارس، وكان ذلك هو مفتاح ايجاد جيل قيادي وطني من الفترات السابقة من تاريخ مصر، ويلفت الي دول عديدة سقطت في حروبها مثل المانيا وفرنسا واليابان، ولكنها نجحت في أن تصنع ملحمة من النجاح الاقتصادي والسياسي، ولم تكتف بالغناء والاحتفاليات.