انتهت سنة 2005 بكل ما لها وما عليها.. وليس من المبالغة القول بأن الحراك السياسي الذي افرزته احداث هذه السنة سوف تكون له تداعيات عديدة ومؤثرة علي الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر خلال الاعوام القليلة القادمة. ونحن هنا لسنا في موقف يسمح لنا بتحليل هذه الاحداث تحليلا علميا محايدا حيث ان ذلك يتطلب بالضرورة فترة زمنية مناسبة تتغير خلالها الظروف الحالية التي نعيش فيها والتي تداخلت وتشابكت فيها الحقائق والمبالغات واختلطت فيها الوقائع مع الاماني الي درجة يصعب معها التحليل الموضوعي الصادق لهذه الاحداث. ورغم كل ذلك فان عام 2006 ما هو الا امتداد طبيعي ومنطقي لاحداث العام المنصرم وليس من الصعب الاجتهاد ببعض التداعيات المنطقية التي لابد ان تنتج عما سبق من احداث. فعلي مستوي الساحة السياسية يمكن القول بأنه كما قدمت مصر خلال العهد الناصري مشروع القومية العربية ثم عادت وقدمت خلال العهد الساداتي مشروع الصلح مع اسرائيل، نشهد حاليا تقديم مصر لمشروع الديمقراطية سواء علي مستوي الرئاسة او علي المستوي البرلماني.. وبصرف النظر عن نتائج هذه المشروعات وما تحقق منها من نجاح او فشل فان تداعيات مشروع القومية العربية ومشروع الصلح العربي الاسرائيلي احدث مساحة كبيرة من الحراك والخلاف السياسي بالمنطقة العربية سواء علي مستوي الانظمة الحاكمة ومؤسساتها او علي مستوي الشارع بالبلدان العربية. ومهما يكن من مشكلات واحباطات تعيشها حاليا مصر الدولة او مصر الشعب فقد اثبت التاريخ ان مصر هي الدولة الوحيدة بالمنطقة العربية الفاعلة او القادرة علي تقديم مشروعات بهذا الحجم وبهذا القدر من التأثير علي مجريات الامور!! ومن هنا فان المشروع الديمقراطي الذي قدمته مصر في عام 2005 برغم كل ما فيه من نواقص وسلبيات وتحفظات لابد ان يؤثر علي المنطقة العربية بشكل أو بآخر خلال الفترة القريبة القادمة!! ويري البعض ان هذا المشروع معرض للاجهاض داخل مصر نفسها وبالتالي لا يجب التعجل بالاعتقاد بآثاره العربية المرتقبة الا ان واقع الامر يشير الي ان الخلاف قد يكون في سرعة انتشار المشروع الديمقراطي وليس في حقيقة الانتشار نفسها! وبقدر السرعة والانتشار فعلينا ان نتوقع تداعيات ربما لم نشهد مثلها من قبل سواء داخل مصر او بالمنطقة العربية المحيطة، وفي تقديري ان السرعة والانتشار وشكل النموذج الديمقراطي سيتوقف بدرجة كبيرة علي مدي تعامل القوي العالمية الفاعلة والمؤثرة في المنطقة مع هذا المشروع الديمقراطي! وفي الجانب الاقتصادي فمن تداعيات احداث 2005 يمكن توقع استمرار برنامج الخصخصة وانسحاب المال العام من المشروعات القائمة ومزيد من التحرير الاقتصادي المصحوب بقوة الدفع العالمية وازدهار البورصة المصرية وسداد جزء من مديونية الدولة للجهات الدائنة لها قبل بيعها وزيادة حجم الاستثمارات الاجنبية وتنشيط سوق العقارات والسياحة الوافدة والتوسع في انشاء الطرق ومزيد من مشروعات التنمية السياحية واتساع حجم الواردات والصادرات معا ومزيد من الارتباط بحركة العولمة ودخول اكبر للشركات المتعددة الجنسيات. ومن المشكوك فيه استفادة مصر بقدر مناسب من الفوائض البترولية الخليجية الهائلة الحادثة والمتوقع نموها خلال العام القادم وذلك بسبب حاجز الشك وعدم الثقة في تفعيل البيئة التشريعية المصرية الجاذبة للاستثمار.. ومن المشكوك فيه السيطرة علي الاسعار وتخفيض نسبة البطالة ومن المشكوك فيه تحقيق نتائج حقيقية من فكرة الحكومة الالكترونية والشباك الواحد للاجراءات الاستثمارية او حتي الادارية "اذهب الي اي ادارة مرور" وحاول استخراج رخصة لسيارتك او رخصة قيادة ثم اذهب للشهر العقاري وحاول عمل توكيل او توثيق عقد وبعد ذلك اذهب الي المحكمة لتحصل علي حق من حقوقك الثابتة والمؤكدة بحكم قضائي نهائي وأخيرا حاول ان تنفذ هذا الحكم النهائي ثم قل لي رأيك متي تستطيع مصر ان تطبق فكرة الحكومة الالكترونية او تقضي علي البيروقراطية وتصبح جاذبة حقا للاستثمار الذي هو الحل الامثل لتخفيض نسبة البطالة. اما من الناحية الاجتماعية فهناك هرم من مشكلات التخلف والجهل والفقر وابسط حقوق الانسان المعدومة ونصيب الفرد المتواضع من الخدمات الصحية والتعليمية وعدم الفهم الحقيقي لدور منظمات المجتمع المدني وظواهر سوء الفهم والحواجز النفسية بين شقي الامة المصرية وايضا بين الطبقات الاجتماعية بعضها البعض وهي مشكلات لا ينقصها الا قليل من الزيت والنار لكي تتحول الي حجم لا يدرك مداه! وهذا للاسف ما لم يتوان البعض بسوء نية أو بحسن نية عن تقديمه من خلال بعض القنوات الفضائية والصحف علي اختلاف انواعها! وهو ما يحتاج بالضرورة الي مشروع كبير تستعد به الدولة بجميع امكاناتها وطاقاتها ومؤسساتها للتعامل مع جميع هذه المشكلات بجدية ومصداقية غير مسبوقة قبل ان تدفع مصر حكومة وشعبا فاتورة باهظة قد لا تقدر علي الوفاء بتكاليفها! وبعيدا عن التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعام 2005 دعونا نقترب من رجل الشارع المصري لنعرف ماذا يريد من احلام مشروعة لحياة بسيطة كريمة؟ لو تصورنا اننا قمنا بعملية استفتاء لعدد مناسب من افراد الطبقة المتوسطة للشعب المصري وطرحنا سؤالا واحدا بسيطا وهو : ماذا يريد المواطن البسيط من القائمين علي اموره سواء حكاما او وزراء او مخططين او نوابا في مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية؟ إن الاجابة الاكيدة المتوقعة ستكون في نفس بساطة السؤال! فهو لا يريد ان يصل الي الحكم ولا الي الوزارة ولا الي مجلسي الشعب والشوري ولا حتي الي المجالس المحلية بل ان معظمهم لا يطمعون في الوصول الي مراكز أدبية واجتماعية ومالية مميزة.. انهم فقط افراد بسطاء يرون انهم مصريون شرفاء لهم حقوق علي هذا الوطن كما ان عليهم التزامات يؤدونها، فهم موافقون علي الدفاع عن الوطن وقت الضرورة ومستعدون لبذل جهدهم البدني والعقلي والعلمي لرفعة شأن الوطن وانهم مستعدون لسداد ضرائب معقولة في مقابل خدمات معقولة يحصلون عليها في الامن والصحة والتعليم والطرق وغيرها. فهل يعترف اصحاب القرار واولو الامر بهذه المطالب؟ وهل تستطيع الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية تحقيق هذه المطالب البسيطة بصرف النظر عن برامج الاحزاب التي لا يعرف عنها هؤلاء البسطاء الا النزر القليل من الوعود التي طال انتظار تحقيقها؟ إن عدم الاعتراف بهذه المطالب او عدم القدرة علي تحقيقها سوف يجعل من هؤلاء البسطاء اشخاصا اخرين وبذلك تصبح الفاتورة المطلوب سدادها مضاعفة.. وبعد ذلك من الذي يقدر علي الوفاء بها؟