ستكون غزة أولاً وأخيراً فلقد أراد شارون بالانسحاب من غزة الانسحاب كلية من عملية السلام وإسقاط التفاوض مع الفلسطينيين وإسقاط كل القضايا الرئيسية التي كانت مدرجة علي قائمة التفاوض، أراد شارون بالانسحاب من غزة إسدال الستار علي القضية الفلسطينية ونفض اليد منها بحيث لا يساءل ولا يطالب بتنفيذ أي استحقاق للفلسطينيين، الانسحاب من غزة لم يكن إلا لتعزيز الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وسرقة المياه والأراضي. بانسحابه من غزة قدم شارون مسرحية تراجيدية من فصل واحد أظهر خلالها كيف أنه بانسحابه منها قدم تضحيات كبيرة وانتزع المستوطنين من أرض أقاموا عليها 38 عاماً، ورغم أنها أرض فلسطينية احتلوها إلا أن ما ظهر أمام العالم أن المستوطنين اليهود هم الذين أجبروا اليوم علي تركها، أما شارون فلقد أنجز ما أراد وهو أن يظهر كرجل سلام آثر انتزاع مواطنيه من غزة بالجبر لا بالاختيار. فرية شارون.. سقط المجتمع الدولي في فخ الدعاية الإسرائيلية وصدق الفرية التي حاول شارون ترويجها عندما أظهر مستوطنيه وكأنهم ضحايا أبرياء دفعوا ثمن السلام بمغادرة الأرض قسراً، علي حين أن التضحية بغزة تمت من أجل التفوق اليهودي في المنطقة ومن أجل تكثيف الاستيطان في الضفة التي تضم نحو 260 ألف مستوطن وقد وصل إليها هذا العام 13 ألف مستوطن، أي إن استراتيجية شارون وخطته المسماة بفك الارتباط كانت تعني إخلاء غزة مقابل التوسع في الضفة الغربية وتعزيز التواجد الاستيطاني بها خاصة في محيط القدس التي مددوا حدودها إلي وادي الأردن وتم تهويدها بالكامل واستبقوا بذلك ما كان يسمي في الماضي بمرحلة الوضع النهائي. مخطط الاستيطان في القدس.. شرعت إسرائيل في أعقاب انسحابها من غزة إلي توسيع نطاق الاستيطان حيث أقرت بناء الجدار حول معالي أدوميم مع ضم ما يصل إلي 67كيلومتراً مربعاً إلي القدس، فخطة فك الارتباك التي تبناها شارون كانت تعني زيادة الاستيطان في القدس، ورغم أن مخططات إسرائيل هذه لاتزال حتي الآن محل اعتراض دولي شديد إلا أن حكومة شارون لا تبالي وتمضي قدماً في تنفيذ المخطط، بل أنها علي يقين من امكانية تمرير أي مخطط تطرحه حتي لو لم يتم الاتفاق عليه مع أمريكا، المهم أن تحقق ما تريده في النهاية باغلاق القدس نهائياً وأن يستمر الاستيطان يشجعها علي ذلك عدم وجود أية معارضة عربية وعدم وجود أي تحرك عربي أو إسلامي وإلا فأين هي لجنة القدس؟ ولماذا لم تحرك ساكناً إزاء خطة تهويد القدس التي تمضي علي قدم وساق وعلي الملأ دون أن يتدخل أحد أو يعترض؟! مكاسب إسرائيلية الانسحاب من غزة منح إسرائيل ما تريد ويكفي أنها أثبتت بواسطته أمام العالم أنها تبغي السلام وأنها كما قال شارون كذباً بأن العالم اليوم يفهم ما الذي يعنيه شارون عندما يقول إن حكومته تقدم تنازلات!! إنها خطة شارون المحكمة التي استطاعت بواسطتها ذر الرماد في العيون وضمنت من خلالها تجنب الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين من أجل احراز تسوية. لقد ظهر شارون وكأنه قدم بانسحابه من غزة للمجتمع الدولي ما يمكن اعتباره بداية خطة للسلام حتي وإن لم تكن كذلك في واقع الأمر، أما الوضع علي الطبيعة فيقول إن الخطوة كانت قمة في الذكاء حققت لإسرائيل قطع التواصل مع غزة من جانب ومن جانب آخر منحتها السيطرة علي المياه والأرض الزراعية كما منحتها الهيمنة علي الجانب الأمني والسيطرة علي المعابر والحدود. نقطة استعصاء.. والآن تخطط إسرائيل للاحتفاظ بالسيطرة علي الحدود بين قطاع غزة ومصر بعد انسحاب قواتها من غزة.. ولقد أكدت علي لسان مسئوليها بأنها تريد أن يكون قطاع غزة مفتوحاً علي العالم الخارجي، بيد أنها لن تسمح بأن يتحول إلي ترسانة للإرهابيين حيث تتخوف من أن يتحول إلي منفذ لتهريب الأسلحة فيما إذا تخلت هي عن عمليات المراقبة، ولعل هذا الموضوع يمثل نقطة استعصاء ونقطة خلافية إذ ترفض مصر القبول بمثل هذا الوضع خاصة بعد أن اتفق مؤخراً علي نشر 750 من قوات حرس الحدود المصري علي طول الحدود مع غزة.