«مصر بخير وانتبهوا للشائعات».. 10 رسائل من الرئيس السيسي للمصريين    البنك المركزي: مصر تلقت استثمارات عربية مباشرة بقيمة 18.5 مليار دولار خلال 9 أشهر    جامعة المنصورة توقع بروتوكول تعاون مع هيئة ميناء دمياط    تعرف على إجراءات التقدم بطلب لشركة المياه لنقل ملكية العداد    البنتاجون: سنعزز «قدرات الدفاع الجوي» بالشرق الأوسط خلال أيام    «صحة غزة» تعلن حصيلة جديدة لضحايا عدوان الاحتلال على القطاع    وزير الطاقة الإسرائيلي: نبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز مع لبنان    مباشر مباراة مانشستر يونايتد وتوتنهام اليوم (0-0) في الدوري الإنجليزي الممتاز    أيمن منصور عن مقارنته بناصر منسي: أكمل ما بدأناه قبل 30 عاما    الدوري الإسباني.. سيلتا فيجو يخطف التعادل من جيرونا بهدف لكل فريق    لاتسيو يهزم تورينو بثلاثية في الدوري الإيطالي    محافظ الشرقية يترأس إجتماع المجلس التنفيذي    لفحص 666197 تلميذا.. انطلاق المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية في 643 مدرسة بقنا    محافظ الدقهلية يتفقد المدارس والمستشفيات والمخابز بطلخا والمنصورة    أول صورة لموقع وفاة حسن نصر الله    «كوت أوفسايد»: الموسم الحالي قد يكون الأخير ل محمد صلاح في ليفربول    سرعة الرياح تلغي رحلات البالون الطائر في الأقصر    حبس 9 عناصر متهمين في جرائم سرقات متنوعة بالخليفة والمرج ومدينة نصر    الكهرباء تزف بشرى للمواطنين بخصوص فواتير الاستهلاك لشهر سبتمبر    يسرا: الفن اللغة الوحيدة التي تعبر عن أوجاع الشعوب | بالفيديو    لمسات فنية.. معرض تشكيلي في ختام النشاط الصيفي بالإسماعيلية    تعرف على الأفلام الوثائقية الطويلة التي تتسابق على جوائز "الجونة السينمائي"    المالية تسمح بتقديم وتعديل الإقرارات الضريبية عن الفترة 2020 حتى 2023 بلا غرامات    زيلينسكي: روسيا أسقطت 900 قنبلة على أوكرانيا خلال الأسبوع الماضي وحده    3 أندية عربية ونجم عالمي هنأوا الزمالك بالتتويج بالسوبر الأفريقي على حساب الأهلي    المفتي يستقبل وفدًا رفيع المستوى من علماء الجمعية المحمدية بإندونيسيا لتعزيز التعاون    الأزهر يناقش مفهوم التربية الجمالية: كيف يكون جمال المظهر والمخبر    نقيب الأشراف ينعي شقيقة الدكتور أحمد عمر هاشم    ضبط 150 طن مخلفات بلاستيكية ومخصبات زراعية مجهولة المصدر بالقليوبية.. صور    رئيس حزب الاتحاد: الشرق الأوسط ينزلق إلى حرب شاملة    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    مدير إدارة حدائق أكتوبر التعليمية تتفقد انتظام سير الدراسة بعدد من المدارس    بيان مهم بشأن حالة الطقس في الليلة الأخيرة من سبتمبر: «مفاجآت غير متوقعة غدًا»    ضبط مواد غذائية مجهولة المصدر بحملة تموينية فى العاشر من رمضان    بندارى: جماليات اللغة الساخرة والتفاصيل الصغيرة    مصرع شاب في تصادم دراجة بخارية وتريلا بقنا    مصرع صياد غرقًا أثناء عمله في بحيرة المنزلة    الصحة تخصص خطا ساخنا للاستفسار عن أماكن توفر تطعيم السعار    ماء الليمون الأبرز.. 6 مشروبات صباحية لتقليل الإمساك وتحسين الهضم    نجاح الفريق الطبي بمعهد القلب في إجراء تدخل جراحي دقيق لإنقاذ حياة مريض    سيارات تويوتا وجيب وبيجو للبيع في مزاد علني.. الشراء بالرقم القومي    رئيس جامعة القاهرة يشهد احتفالية تخرج دفعة 2024 بكلية الإعلام    عادل السنهوري ل شريف مدكور: عبقرية سيد درويش أن ألحانه تعيش منذ 100 عام    احذر.. حبس وغرامة مليون جنيه عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص    بعد واقعة اكتشاف سحر مؤمن زكريا داخل المقابر.. ما رأي الدين في السحر والسحرة؟    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    نشرة الأخبار، الكشف عن جنسية جاسوس أبلغ تل أبيب بمعلومات موقع حسن نصر الله، وإسرائيل اغتالته ب 85 قنبلة وطائرة F16    رئيس أكاديمية الشرطة: الرئيس السيسي يقود مسيرة البلاد نحو التنمية والتقدم    توزيع 1000 شنطة سلع غذائية على الأسر الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد عناق البشير وجارانج
سودان جديد حقا!
نشر في العالم اليوم يوم 20 - 07 - 2005

لاشك أن مشهد الرئيس السوداني حسن البشير وهو يصافح نائبه جون جارانج ويحتضنه بعد أن أقسم اليمين الدستورية كنائب أول للرئيس السوداني هو مشهد تاريخي ظل مفتقدا في السودان قرابة ربع قرن.
ولا أحد أكثر من المصريين يسعدهم هذا الاتفاق الذي أوقف نزيف الدماء وحروب الاستنزاف المتصلة للشعب السوداني بين الشمال والجنوب فالمصريون تربطهم بالسودان وبالشعب السوداني وشائج وعلاقات أكثر وأعمق من مجرد الحديث عن القومية واللغة والتاريخ المشترك لتجاوز ذلك كله إلي وحدة وادي النيل، وحدة النهر الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي وحدة الحياة المشتركة.
ولاشك أن هناك مصلحة مؤكدة في محاولة اختراق مظاهر الفرحة والسعادة البادية علي الوجوه في الخرطوم للوصول إلي الحقيقة وتلمسها، وهل الأمر لا يعدو مثلما يذهب البعض أن يكون مجرد هدنة مؤقتة تحمل في طياتها عوامل الانفجار الوشيك او اللاحق، أم أن الأمر يعني بالفعل وضع الأسس والخطوط العريضة لبناء سودان جديد.
سودان ديمقراطي موحد يحكمه دستور علماني يساوي بين السكان في الشمال والجنوب بين المسلمين من أصل عربي والمسلمين من أصل افريقي وبينهما وبين المسيحيين السودانيين وغير المسيحيين في الجنوب، بسودان لا يفرق علي أرضه بين مواطن ومواطن لاختلاف في العرق أو الجنس أو الدين أو اللون.
ودعنا لا نحاول اطفاء الفرحة أو سرقتها أو التقليل منها لأن الحدث يستحق فرحة حقيقية، ولكن دعنا ايضا نحاول تلمس الواقع وتلمس المستقبل من خلال المعطيات المتواجدة بالفعل علي الساحة وحتي تكون الفرحة حقيقية ومتصلة وحتي لا يمكن لأحد أن يجهض الحلم الجميل.
ودعنا نقل بداية أن اتفاق نيفاشا الذي وضع أسس التوافق الأخير وأوقف نزيف الحرب الأهلية ما كان ممن الممكن أن يتحقق قبل الانشقاق الذي حدث في السلطة التي كانت تحكم في الخرطوم وانفصال حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي (الاخوان المسلمون في السودان) والذي انشق علي حزب المؤتمر الوطني الذي مازال يحكم.
وطوال أكثر من عقد من الزمان خاصة في التسعينيات، كان حسن الترابي هو العقل المفكر والمدبر لسياسات السودان الرسمية، وظل يرفض كل المحاولات الداخلية والخارجية التي بذلت لوضع حد لنزيف الحرب الأهلية، بل وفرض سيطرة مطلقة علي أجهزة الحكم التي ظلت ترفع شعار تطبيق الشريعة الاسلامية علي جميع الأراضي السودانية في الشمال والجنوب والشرق والغرب حتي ولو أدي الأمر إلي انفصال الجنوب المسيحي!
وكانت سياسة الترابي في تلك الفترة سببا رئيسياً في اقصاء ونفي كل القوي السياسية السودانية من الساحة وملاحقتها أمنيا وابتداء من حزب الأمة والحزب الاتحادي حتي الحزب الشيوعي والحركة الشعبية بزعامة جون جارانج، وجعل من السودان مقرا رسميا للحركة الارهابية ومركزا لتدريب المجاهدين من بن لادن والظواهري اللذين أقاما في السودان في فترة التسعينيات وحتي بعض رموز الارهاب الديني الأخري ولعلنا لا ننسي في تلك الفترة المحاولة الآئمة التي دبرتها وخططتها القوي الارهابية في الخرطوم لاغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا اثناء انعقاد القمة الافريقية.
ولم يكن من الممكن عقد اتفاق نيفاشا قبل ان يدرك النظام الحاكم أو جناح الرئيس حسن البشير بضرورة التخلص من سيطرة الترابي وجماعته علي الحكم بعد أن أصبح السودان وأمنه واستقلاله معرضا للخطر وبعد أن تعرض لمخاطر حقيقية ليس فقط من جانب القوي السياسية الداخلية المعارضة، بل وايضا من قبل المجتمع الدولي خاصة بعد ان تحول السودان إلي قوي جاذبة وجامعة لفصائل الارهاب التي تتستر وراء شعارات دينية. واتفاق نيفاشا الذي وضع الأسس لبناء أو اعادة بناء السلطة السودانية وعلي أساس ديمقراطي لمرحلة انتقالية تمتد لست سنوات قسم السلطة من القوي المختلفة جغرافيا واجتماعيا فقد أعطي لحزب المؤتمر الحاكم حوالي 50% من مقاعد السلطة: الوزارة والاجهزة والجيش والبوليس والحركة الشعبية بزعامة جون جارانج حوالي 35% وقوي المعارضة الاخري حوالي 15%.
ورغم تحفظ قوي التجمع الوطني الديمقراطي الذي ظل يمثل قوي المعارضة لحكومة الترابي - البشير طوال العقد الماضي علي النسب التي تم علي أساسها تقسيم السلطة المؤقتة، إلا أن كثيرا من هذا القوي تأمل من خلال عملية المصالحة الشاملة والواسعة والدستور المؤقت واقترابها من جون جارانج زعيم الحركة الشعبية والذي كان عضوا مؤسسا في التجمع الوطني الديمقراطي تعديل ميزان القوي داخل السلطة.
ولكن ورغم ذلك فمازالت هناك الغام علي الطريق يمكن لها أن تعطل عملية التطور الديمقراطي في السودان بل يمكن لها لو تركت بدون تفكيك ان تفجر الموقف كله ليعود السودان وشعبه إلي نقطة الصفر من جديد.
فهناك حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي (الاخوان في السودان) والذي مازال له نفوذ قوي داخل الأجهزة وقد أعلن بعد خروجه من المعتقل في الاسابيع الماضية رفضه لاتفاق نيفاشا والأسس التي تم علي أرضيتها تقسيم السلطة في المرحلة الانتقالية، مؤكدا رفضه لأي دستور علماني يحاول استبعاد النص الخاص بتطبيق الشريعة علي جنوب السودان.
وهناك الصادق المهدي وحزب الأمة والذي كان طوال العقد الماضي عضوا فاعلا في التجمع الوطني الديمقراطي المعارض الذي أعلن معارضته لبعض نصوص اتفاقية نيفاشا وانفصل عن التجمع الوطني الديمقراطي ودخل في تحالف مع صهره اللدود حسن الترابي.
والصادق المهدي يعلن موافقته علي وقف الحرب الأهلية ومبدأ تقسيم السلطة، ولكنه يري ان صيغة الحكم الانتقالي لا تقدم أرضية صالحة للاستمرار واقتراح عقد مؤتمر عام لكل القوي السودانية - بما في ذلك الترابي - لاعادة مناقشة بعض الأسس والقضايا العملية لتأمين الديمقراطية ووحدة الأراضي السودانية.
ثم هناك أيضا قصة دارفور وتداعياتها وأمراء الحرب الممثلين في جماعات الجانجويد التي أعلنت عصيانها وتمردها حتي علي السلطة واستمرارها في عمليات الملاحقات العنصرية لبعض القبائل الافريقية.
ثم هناك العقوبات التي مازالت مفروضة علي السودان والمحكمة الجنائية الدولية وخلافها مع الحكومة السودانية حول محاكمة مجرمي الحرب في دارفور، ثم والأهم من ذلك كله القوي المتربصة في الشمال والجنوب والتي تحركها عوامل دينية وقبلية وتحظي بدعم قوي خارجية لا يهمها وجود سودان ديمقراطي موحد.
تحديات كثيرة ولكن المؤكد أن الشعب المصري له مصلحة لاشك فيها في دعم المعالجة السودانية واعادة بناء سودان جديد موحد وديمقراطي يمثل عمقا حقيقيا لأمن واستقرار شعب وادي النيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.