ذبقلم الدكتور منير زهران: في مقالين نشرتهما صحيفة "الأهرام" يومي 21 ديسمبر 2004 و5 فبراير 2005 أوضحنا تحديات نظام الأمن الجماعي في الألفية الجديدة علي ضوء تقريرين: الأول قدمه السكرتير العام للأمم المتحدة للجمعية العامة في سبتمبر 2003 حول تنفيذ إعلان قمة الألفية، والثاني قدمه فريق من الشخصيات المرموقة برئاسة أناند بنياداتشون رئيس وزراء تايلاند السابق والذي ضم عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية وأصدره السكرتير العام في مستند رسمي في 2 ديسمبر 2004 بمقدمة أيد فيها مضمون التقرير باعتباره يقدم إطاراً عريضاً للأمن الجماعي لمواجهة التهديدات الجديدة والقديمة. وقد أوضحنا في مقالينا المشار إليهما أن من إيجابيات التقرير الأخير اعتباره أن التنمية هي الأساس الذي لا غني عنه لتوفير الأمن الجماعي، وذلك في سياق الترابط بين التنمية وحقوق الإنسان والأمن باعتبارها الأعمدة التي يرتكز عليها نظام الأمن الجماعي للأمم المتحدة. واستناداً إلي ما تقدم واستعداداً لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة علي مستوي القمة في نيويورك في الفترة من 14 إلي 16 ديسمبر ،2005 قدم السكرتير العام تقريرين جديدين: الأول: بتاريخ 7 مارس 2005 (المستند A/59/727) عن "متابعة نتائج قمة الألفية" (التي عقدت في سبتمبر 2000) وصدر عنها إعلان قمة الألفية، والأهداف الإنمائية (الثمانية) للألفية. والثاني: بتاريخ 21 مارس 2005 (المستند A/59/2005) تحت عنوان "في جو من الحرية أكثر رحابة: صوب تحقيق التنمية والأمن وحقوق الإنسان للجميع". وفي التقرير الأخير تبني السكرتير العام بعض توصيات فريق الشخصيات رفيعة المستوي، وأجري تغييرات علي توصيات أخري، وطالب وفود الدول الأعضاء بمراعاتها في الإعداد للاجتماع علي مستوي القمة للجمعية العامة في سبتمبر القادم. وفي تقديمه للتقرير الأخير أوضح السكرتير العام أنه استند في إعداده إلي خبرته بحكم منصبه الذي شغله لمدة ثمانية أعوام وإلي ضميره وقناعاته الشخصية وفهمه لميثاق الأممالمتحدة، كما ذكر أنه من الممكن خلال السنوات العشر القادمة "أن نخفض معدلات الفقر العالمية إلي النصف، وأن نوقف انتشار الأمراض الرئيسية المعروفة، ويمكننا أن نحد من انتشار العنف المسلح والإرهاب، وأن نضاعف من احترام الكرامة الإنسانية في كل البقاع، وأن نشكل مجموعة من المؤسسات الدولية الحديثة من أجل مساعدة البشرية علي بلوغ هذه الأهداف النبيلة، وأن نجعل الناس في كل مكان أكثر أمناً وأكثر رخاء وأوفر قدرة علي التمتع بحقوق الإنسان الأساسية"، وسوف نعرض تباعاً لأهم مقترحاته ونعقب عليها. فبالنسبة للتنمية لا يمكن إلا أن نوافق علي توصيات الفريق رفيع المستوي التي تبناها السكرتير العام، ومنها أن تعد كل دولة تعاني من الفقر المدقع استراتيجية تنمية وطنية طموحة وتربطها بالأهداف الإنمائية للألفية وأن يقوم شركاء التنمية بتقديم كل الدعم اللازم لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية، وتحقيقاً لذلك يلزم توافر الإرادة السياسية والحكم الصالح، وهنا يلزم أن نختبر مدي توافر الإرادة السياسية بما سوف تسفر عنه قمة الدول الثماني الصناعية الكبري في اسكوتلندا في يوليو القادم للتعرف علي مدي التزامها بتقديم مساعدات التنمية ضمن هدف 7.0% من ناتجها القومي الإجمالي والمدي الزمني لالتزامها بتحقيق ذلك بما في ذلك وبصفة خاصة زيادة مساعداتها للتنمية للدول الإفريقية والتي تضم ثلثي الدول الأقل نمواً والأكثر فقراً، كما يلزم أن تلغي الدول الدائنة ديون الدول الأكثر فقراً وتقدم لها مساعدات في شكل منح وأن تخفض ديون الدول متوسطة الدخل، كما يلزم أن تقوم بزيادة حجم مساعداتها للتنمية وتحسين شروطها بما يساعد علي تحقيق الأهداف للتنمية بحلول عام ،2015 وتعتبر الولاياتالمتحدة أكثر الدول المتقدمة تشدداً بالنسبة لزيادة حجم المساعدات للتنمية. ومن عوائق تمويل تلك الأهداف: زيادة التدفقات الرأسمالية الصافية من الدول النامية إلي الدول المتقدمة التي وصلت إلي مائتي مليار دولار عام ،2002 ثم زادت تلك التدفقات حتي وصلت إلي 320 مليار دولار سنة ،2004 وذلك لسداد الدول النامية لعمليات التبادل التجاري وتحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخدمة الديون الخارجية، فكيف يمكن تدبير التمويل اللازم إذا لم يتوقف أو ينحسر هذا النزيف المالي، ولتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية لابد من مضاعفة المساعدات الرسمية للتنمية مع حلول عام 2006 حتي تصل إلي 195 مليار دولار عام 2015 بينما وصلت تلك المعونات إلي 65 مليار دولار في عام ،2004 كما يلزم مضاعفة حجم الاستثمارات التي تتدفق للدول النامية، وتقديم مصادر جديدة للتمويل ومنها إنشاء تسهيلات تمويلية إضافية ضمن البنك الدولي وبيع جزء من رصيد الذهب لصندوق النقد الدولي وفرض ضريبة علي الصفقات المالية والمضاربات في البورصات والأسواق المالية الدولية.