الحگم علي مبارك بعد 100 يوم اتصل بي أكثر من زميل صحفي يطلب مني التعليق علي قرار محكمة الجنايات برئاسة المستشار أحمد رفعت التي تتولي محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته وعدد من مساعديه في قضية المتظاهرين، تحديد جلسة السبت 2 يونيو للنطق بالحكم، أي بعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام من صدور قرار المحكمة يوم 22 فبراير بحجز القضية للحكم، متسائلين عن مغزي هذا التأجيل «الطويل» لجلسة الحكم، وعلاقة تحديد هذا التاريخ بموعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد (قبل 30 يونيو)، ورغم غرابة التساؤل فقد عزوت الأمر لعدم معرفة الزملاء الشباب بقواعد المحاكمات الجنائية وقانون الإجراءات الجنائية، ولكني فوجئت بنفس التساؤلات والشكوك يطرحها ساسة مخضرمون ويحذرون من «كارثة سوف تحدث في مصر بعد 100 يوم مع النطق بالحكم علي الرئيس المخلوع.. حيث يتزامن النطق بالحكم علي مبارك مع الانتخابات الرئاسية»، وبعض «الثوار» الموجودين في ميدان التحرير يعبرون عن استيائهم تجاه «تأجيل النطق بالحكم في قضايا قتل المتظاهرين»، وبأستاذ جليل مثل د. مصطفي كامل السيد يقول إن القاضي أحمد رفعت قدم أفضل هدية للقوات المسلحة حين حدد جلسة النطق بالحكم في يونيو لأن المجلس لا يريد محاكمة مبارك. وفي ظني أن تحديد موعد النطق بالحكم بعد 100 يوم من آخر جلسات المحاكمة أمر طبيعي للغاية ولا تحكمه إلا إجراءات التقاضي وقانون الإجراءات الجنائية، ولا علاقة له بأي شيء آخر. فلكي تصدر هيئة المحكمة حكمها علي المتهمين مطلوب منها قراءة أوراق القضية كما قدمتها النيابة العامة والتي تصل إلي أكثر من 30 ألف صفحة، وأن تراجع أقوال الشهود ومحاضر الجلسات ومرافعة النيابة وهيئة الدفاع والمدعين بالحق المدني، وأن تفصل في الدفوع العديدة التي طرحت عليها خلال المحاكمة. ومطلوب منها أيضا أن تكتب حيثيات حكمها سواء كان بالإدانة أو بالبراءة فقانون الإجراءات الجنائية في المادة 310 ينص علي أنه «يجب أن يشتمل الحكم علي الأسباب التي بني عليها، وكل حكم بالإدانة يجب أن يشتمل علي بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وأن يشير إلي نص القانون الذي حكم بموجبه»، كما تنص المادة 311 علي أنه «يجب علي المحكمة أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم وتبين الأسباب التي استند إليها». صحيح أن القانون أعطي للمحكمة طبقا للمادة 312 نسخة محدودة لكتابة الأسباب بالنص علي أن «يحرر الحكم بأسبابه كاملا خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره بقدر الإمكان.. ولا يجوز تأخير توقيع الحكم علي الثمانية أيام المقررة إلا لأسباب قوية، وعلي كل حال يبطل الحكم إذا مضي ثلاثون يوما دون حصول التوقيع، ما لم يكن صادرا بالبراءة».. ولكن من الناحية العملية وبصرف النظر إذا كانت الأسباب مكتوبة أم لا، فالحكم في النهاية يجري تأسيسه علي هذه الأسباب التي توصلت إليها المحكمة. وفي مثل هذه القضية التي تهم الرأي العام المصري والعربي والعالمي فهناك ضرورة أن تعلن الحيثيات لحظة الحكم، فكما قال المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض السابق وأحد شيوخ القضاء المصري الأجلاء «إن وزن القضاء المصري في العالم كله أصبح ملقي علي عاتق القاضي أحمد رفعت، خاصة أن مصر أول دولة في العالم تتبع الإجراءات المعتادة، والقاضي يجب أن يكون مقيدا بالوقائع المطروحة أمامه وبالأدلة، كما يجب أن يشبع رغبة الناس في تحقيق العدل». ومازالت الذاكرة تعي الإجراءات التي اتبعتها المحكمة في قضية انتفاضة 18 و19 يناير 1977 والتنظيمات السرية لقضية النيابة العامة رقم 1844 لسنة 1977 ورقم 67 لسنة 1977 كلي وسط قسم عابدين، فقد حجزت هيئة المحكمة برئاسة القاضي الجليل «حكيم منير صليب» القضية للحكم بعد انتهاء آخر جلساتها في 22 يناير 1980، وحددت جلسة النطق بالحكم في يوم 19 أبريل 1980 أي بعد ثلاثة أشهر إلا ثلاثة أيام (بعد 88 يوما) وصدر الحكم متضمنا الأسباب والحيثيات، والتي شكلت وثيقة تاريخية من الناحية القانونية والسياسية.