في لقاء اعتدنا عليه، إلا أننا انتظرنا طويلا وبفارغ الصبر في هذه الفترة الحرجة والاستثنائية التي تمر بها مصر ودول الربيع العربي بعد الثورات العربية التي أطاحت برءوس الفساد والاستبداد في العالم العربي، التقي المفكر والمناضل اليساري نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قيادات وأعضاء المكتب السياسي لحزب التجمع برئاسة الدكتور رفعت السعيد وحضور الأمين العام سيد عبدالعال ونبيل زكي المتحدث باسم الحزب وكل من الدكتور أحمد نصار وسمير فياض وأحمد سيد حسن والمهندس نبيل عتريس. وكعادته أفاض علينا نايف حواتمة ببعض من تحليلاته ورؤاه المنطقية حول ما تمر به المنطقة العربية من تغيرات جوهرية وثورات شعبية تعيد تشكيل الشرق الأوسط والمنطقة العربية من جديد، وإن بدا أكثر تفاؤلا بمسار التجربتين التونسية واليمنية، بينما عبر عن قلقه لما تشهده التجربة المصرية من عثرات ربما تقود الثورة المصرية نحو المجهول في حال سيطرة التيارات اليمينية المتطرفة علي مقاليد الأمور في البلاد، بناء علي النتائج التي حققتها التيارات الإسلامية في المرحلة الأولي من الانتخابات. معادلة مختلة تحدث حواتمة عن الثورة المصرية بإيجابياتها وسلبياتها قائلا إن حركة الاحتجاجات في مصر تحولت إلي ثورة شعبية بتسارع هائل كان مثار إعجاب العالم كله، لكنها مع ذلك استطاعت أن تسقط رأس الفساد دون أن تنتقل إلي خطوة جديدة وهي المشاركة في السلطة، لذلك يمكن وصف الوضع في مصر بأنه عبارة عن ثورة شعبية تحولت إلي انقلاب عسكري علي النقيض تماما من ثورة 23 يوليو التي كانت انقلابا عسكريا تحول إلي ثورة شعبية. أما الخطأ الاستراتيجي الثاني من وجهة نظر نايف حواتمة هو الإسراع في الدخول في استفتاء علي التعديلات الدستورية لأن هذا الاستفتاء لم يتم بمعادلة متوازنة فأصبح المواطن أما أن يكون مع التعديلات يصوت« بنعم» أو يكون مع المجهول فيصوت «بلا»، ويرجع ذلك لأن الإخوان المسلمين والمجلس العسكري وقفوا ضد تحول الثورة الشعبية إلي ثورة اجتماعية عميقة في المجتمع مثلما حدث في 23 يوليو عام 1952 .. وانتقد حواتمة النزعة النخبوية لليسار في مصر واصفا إياها بالمرض المزمن الذي امتد لفترات طويلة، إلا أنه عاد وأكد أن الانتخابات ليست هي الديمقراطية، فهي إحدي تجليات الديمقراطية مدللا علي ذلك بأن الغرب استغرق أكثر من 300 سنة من الخبرة حتي استطاع الناخب الاختيار بين حزب وآخر، أما الخطأ الآخر الذي وقعت فيه قوي اليسار والليبرالية وقوي الحداثة والمدنية هو قبولها بقانون انتخابات لا يتناسب مع تلك المرحلة، والقائم علي التمثيل النسبي بنسبة 66% مقابل 34% للمقاعد الفردية، وكان يفترض عليها أن تصر علي إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية بنسبة 100% وهو ما جعل هذه القوي تحصد النتائج المرة في المرحلة الأولي من الانتخابات، وطالب حواتمة القوي المدنية بالإسراع في ترتيب أوراقها في المرحلتين الثانية والثالثة حتي يمكن لها الحصول علي الثلث المعطل حتي لا يكون البرلمان مستباحا للقوي الدينية والرجعية والفاشية. وأضاف حواتمة «لدينا تجربة فلسطينية، ففي عام 2006 وصلت حماس للسلطة ومنذ ذلك الحين يعيش قطاع غزة 6 سنوات كاملة تحت حكم حماس بدون انتخابات نقابات أو انتخابات طلابية وتدهور وضع المرأة بالكامل، «لقد قضوا علي كل أشكال الديمقراطية» ويعيش المواطنون هناك في ظل تضييق يومي علي الحريات، فهم فقط يغرسون أفكار الإسلام السياسي اليميني المتخلف.. وهو ما أدي لسقوط شرائح اجتماعية كبيرة. وتابع حواتمة أن الجبهة الديمقراطية والقوي والجبهة الشعبية والقوي الاجتماعية الأخري خاضت المعركة ضد حركتي فتح وحماس في إطار الحوار حتي تم وضع قوانين للانتخابات تقوم علي التمثيل النسبي ثم أجبرناهم علي سن قوانين وإعادة مؤسسات المجتمع والبلديات وانتزعت المرأة الكثير من حقوقها لذلك أجبرناهم علي أن تكون مؤسسات المجتمع المدني بالتمثل النسبي المعقول، إلا أن الشيء الوحيد الذي انتزعناه بالتمثيل النسبي الشامل هي انتخابات الجامعات.. ثم عاد حواتمة للأوضاع في مصر مؤكدا أن القوي المدنية في مصر وجدت لها مكانا في الميدان فقط، بينما استطاع اليمين الديني المتطرف واليمين المدني أن يكسب الجولة بسبب صمت الشباب علي قانون الانتخابات الذي وضع في الأساس ضد شباب الثورة والقوي اليسارية. تيار جماهيري وخاطب حواتمة قوي اليسار مطالبا إياها بالتحول من الحالة النخبوية إلي التعاطي مع المناخ الحالي بدلا من غرقها في الأيديولوجية مؤكدا أن كلمة يسار تضم تحتها التيار الماركسي والتيار الاشتراكي والتيارات الديمقراطية والثورية والاشتراكية الليبرالية، لذلك يجب أن تتحول تلك القوي من النخبوية إلي أن تصبح تيارات جماهيرية. وقال حواتمة إن وحدة قوي اليسار وتركيزها علي القضايا الاجتماعية والاقتصادية هو السبيل الوحيد لتصديها للتيارات الدينية الفاشية «فإذا كان الإخوان المسلمون يدعون الناس إلي الجنة، فإننا نجد أن الاشتراكيين الديمقراطيين في البلدان الاسكندنافية قد بنوا فعلا هذه الجنة علي الأرض ونفس الشيء في كندا التي يوجد بها تأمين صحي شامل وخدمات لا يوجد لها مثيل في الكرة الأرضية، فالجنة موجودة في بلاد معينة وجهنم موجودة في بلدان أخري».. وأكد حواتمة أن نظام الانتخابات في مصر لن يؤدي إلي دولة مدنية ديمقراطية إنما سيؤدي لإعادة إنتاج نظام مشترك بين النظام القديم والنظام الجديد، سينتج مزيجا من اليمين المدني مع اليمين الديني الطائفي. فعلي الرغم من انقسام قوي اليسار صار الحكم في تونس يسار اليمين وليس يمينا مدنيا ويمينا متطرفا كما يحدث في مصر. وفي المغرب حصل حزب العدالة والتنمية علي 157 من 395 وستشكل الوزارة من حزب العدالة والتنمية والكتلة الديمقراطية اليسارية التي حصلت علي 118 مقعدا. الطريق الصحيح وتناول حواتمة الأوضاع في اليمن علي ضوء المبادرة الخليجية التي أعدتها دول الخليج بالتعاون مع الأمريكان الذين أعطوا علي عبدالله صالح مهلة 11 شهرا لإعادة ترتيب أوراقه، ولولا انقسام الجيش لما أسقط من يده ميزان القوي، بعد ذلك طورت المبادرة الخليجية ودخل عليها نظام التمثيل النسبي بنسبة 100%، ليتم من خلال هذا النظام انتخاب رئيس الحكومة من المعارضة برئاسة زعيم الحزب الليبرالي الاشتراكي وتم اختيار 7 وزراء من أحزاب المعارضة الستة وحصل حزب الإخوان هناك علي 5 مقاعد في البرلمان في المقابل أخذ حزب علي عبدالله صالح 17 مقعدا، وسيتم عمل انتخابات رئاسية خلال 90 يوما، وسيتم الاختيار بين عمل جمعية تأسيسية لعمل دستور جديد أو إجراء الانتخابات البرلمانية، من جهة أخري حصلت الحكومة الجديدة علي صلاحيات بإعادة هيكلة الأجور وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش، إذا لدينا تجارب ثلاث وضعت نفسها علي الطريق الصحيح بينما تسير التجربة المصرية في الطريق الخطأ خصوصا إن لم تستطع القوة المدنية الحصول علي الثلث المعطل.