إهدار الوقت والجهد لا يستطيع أحد انكار الدور الذي لعبته القنوات العربية والمحلية «الفضائية» في اتاحة المعلومات وطرح وجهات النظر المختلفة أمام الرأي العام، واقامة تواصل بين الاحزاب والقوي السياسية والمفكرين والكتاب وأصحاب الآراء والمواقف والملايين الذين يتابعون هذه القنوات والبرامج الحوارية التي تذيعها علي الهواء مباشرة، رغم بعض الانحيازات في هذه القناة أو تلك. وهذا الدور المهم ينتقص منه بعض الظواهر عانيت من أحدها في الأسبوع الماضي. ففي يوم الأربعاء الماضي تلقيت مكالمة تليفونية من أحد المعدين لبرنامج الحياة اليوم الذي يقدمه علي قناة «الحياة» لبني وشريف، وهو واحد من انجح البرامج ومقدماه قريبان للنفس ويتمتعان بحب المشاهدين وضيوف البرنامج. وحددا الساعة التاسعة مساء موعدا للظهور المباشر علي الهواء، وبالتالي فستمر سيارة القناة علي في الثامنة مساء. وحضرت السيارة في الموعد تماما ووصلت للقناة في التاسعة إلا 20 دقيقة. ومرت الساعة التاسعة ثم الساعة العاشرة ولم تبدأ الفقرة التي دعيت للحديث فيها إلا في الحادية عشرة و10 دقائق بعد أن بلغ بي الضيق منتهاه واحتججت أكثر من مرة وطالبت بتجهيز سيارة لتعيدني للمنزل. وفي كل مرة يؤكد المسئولون أنه لم يبق إلا دقائق لتبدأ الفقرة المشارك فيها. ولم تكن تلك هي المرة الأولي التي يحدث معي هذا التأخير غير المبرر أو المقبول في قناة الحياة!! وفي اليوم التالي (الخميس) كنت مدعوا للمشاركة في برنامج نادي العاصمة الذي يذاع علي الفضائية المصرية في الساعة الحادية عشرة مساء، وسألني المعد إذا كان هناك لدي اي اعتراض علي أن اظهر ومعي حازم صلاح أبو اسماعيل في نفس الفقرة أم أفضل أن يظهر كل منا علي انفراد، وأكدت له ترحيبي بأن نشارك معا أو مع أي شخص أخر، فأكد علي بالتواجد في الساعة العاشرة والنصف مساء حيث أن ظهوري وحازم صلاح أبو اسماعيل سيكون في بداية الحلقة، أي دقائق بعد الحادية عشرة مساء. وكعادتي تواجدت في العاشرة والنصف مساء وحضر بعد قليل «حازم ابو اسماعيل» وجلسنا ومقدم الحلقة (اسامة كمال) نتجاذب اطراف الحديث. وبدأ المقدم برنامجه في الحادية عشرة ببعض أخبار ميدان التحرير واستدعي «حازم ابو اسماعيل» للاستوديو في الحادية عشرة و10 دقائق وانتظرت أن اطلب للاستوديو للمشاركة، إلا أن الأمر تأخر حتي الحادية عشرة و50 دقيقة. ودخلت إلي الاستوديو وجلست بعيدا عن الكاميرات في انتظار استدعائي للظهور، ولكن الحوار تواصل بين المقدم وحازم صلاح ابو اسماعيل، وعندما وصلت الساعة الثانية عشرة والنصف كان صبري قد نفد. فقمت بهدوء بالانسحاب من الاستوديو وسلمت الميكروفون الذي وضعوه في جيبي قبل ساعة ونصف وغادرت مبني التليفزيون في ماسبيرو محتجا، ورفضت الاستجابة للعاملين والمعدين الذين حاولوا اثنائي عن الانسحاب مؤكدين أن فقرتي ستبدأ فورا!! لقد حرصت علي رواية ما حدث، سواء في التليفزيون الرسمي المملوك للدولة أو في تليفزيون خاص مملوك لرجال المال والأعمال، ليعرف الرأي العام مدي إهدار الوقت من جانب القائمين علي هذه الأجهزة الإعلامية الخطيرة وافتقادهم لقيم مهنية أساسية وعدم احترامهم لأنفسهم وللمشاهدين قبل ضيوفهم. ولم استطع منع نفسي من مقارنة الفوضي السائدة في قناتين مصريتين (واحدة رسمية والثانية قطاع خاص) والانضباط الرائع في الإذاعة المصرية التي يسودها النظام والدقة في المواعيد واحترام القيم المهنية والمتعاملين معها، وكذلك الدقة والاحترام الموجود في قنوات غير مصرية مثل الجزيرة أو العربية أو الحرة أو البي بي سي. الطريف أن هذه القنوات المحترمة تقدم مقابلا ماديا لضيوفها مقابل وقتهم وجهدهم كما يحدث في أي مكان في العالم، بينما التليفزيون المصري وقناة الحياة وغيرها من القنوات الخاصة المصرية تستغل ضيوفها في أغلب البرامج الحوارية دون مقابل. وفي ظني أن المسئولية في هذه الممارسات غير المحترمة من جانب بعض القنوات لا تقع فحسب علي مسئوليها، وإنما يتحمل المتعاملون معها جزءا من المسئولية لقبولهم هذا الإهدار للوقت والجهد دون احتجاج أو رفض للتعامل معها.