هل كسب الفلسطينيون أي شيء من اللجوء إلي مجلس الأمن سعيا وراء الحصول علي عضوية كاملة في الأممالمتحدة كدولة تحت الاحتلال؟ ولماذا يخاطر الفلسطينيون بتحدي الإدارة الأمريكية والرئيس باراك أوباما في ظل حقائق واضحة أعلنها أوباما بنفسه قبيل تسليم عباس خطاب طلب العضوية بأنه لا مجال لدولة فلسطينية مستقلة إلا بعد التفاوض والاتفاق مع إسرائيل؟ وهل يشكل بيان الرباعية الدولية طوق إنقاذ لعملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية وللرئيس محمود عباس شخصيا لإنقاذ تحركه السياسي الجديد من الفشل، وكذلك إنقاذا لإسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بإنقاذهما من العزلة الدولية؟ ما الخطوة الفلسطينية القادمة في ضوء ما حدث في الأممالمتحدة، وهل ستتغير استراتيجية عباس القائمة علي خيار المفاوضات والحل السياسي للقضية الفلسطينية واستبعاد كل أشكال العنف بعد ما حدث في الأممالمتحدة؟ عديد من الأسئلة تطرح نفسها علي الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية في أعقاب خطاب عباس إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة وتقديمه لرئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن وهو دولة لبنان، بالمناسبة خطاب طلب الانضمام معزز باعتراف 125 دولة بدولة فلسطين. إنذار أوباما لعباس في الاجتماع الذي عقده الرئيس أوباما مع عباس قبيل توجه عباس إلي مجلس الأمن لتقديم خطاب طلب الانضمام، حاول الرئيس الأمريكي إثناء عباس عن المضي قدما في هذه الخطوة، وأعاد التأكيد علي مواقفه السابقة الخاصة بتأييد إقامة دولة فلسطينية إلي جانب إسرائيل، ولكنه أكد في الوقت نفسه أنه لا توجد غير طريقة وحيدة للحصول علي الدولة وهي العودة إلي المفاوضات، مع استعداد دائم للولايات المتحدة بدعم هذه المفاوضات ولكن عباس تمسك بالمضي في الشوط إلي نهايته، وأعاد هو أيضا تاريخ المفاوضات التي لم تثمر عن أي شيء في ظل رفض نتنياهو تجميد الاستيطان حتي طوال فترة المفاوضات، وبالتالي فلا فائدة من مفاوضات تتم بدون سقف زمني ومرجعيات ثابتة مع استمرار الاستيطان الذي يقضم الأراضي الفلسطينية كل يوم، وجعل من الضفة الغربية مثل قطعة «الجبن الدنماركي»، ولم يستفد الفلسطينيون من المفاوضات أي شيء بالإضافة لزيادة الاستيطان والانقسامات الداخلية بينهم. أوباما لم يجامل عباس وأكد له بما يشبه الإنذار أن إدارته سوف تستخدم الفيتو في مجلس الأمن إذا نجح الطلب الفلسطيني في الحصول علي الأصوات المطلوبة للمناقشة (9 أصوات)، وهو ما لم يجعل عباس يتراجع مؤكدا أن هذا خيار نهائي لا رجعة فيه بالنسبة للشعب الفلسطيني. الفيتو الأمريكي وبعد مقابلة عرفات أوباما، وخطاب الرئيس الأمريكي المخيب للآمال جاء الدور علي عباس الذي أعاد للأذهان خطاب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1974 أمام الجمعية العامة الذي قال فيه «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي»، فقد قوبل في الجمعية العامة بتعاطف وتأييد شديدين، وهي علي كل حال الساحة الكبيرة التي يلقي فيها الفلسطينيون التأييد بشكل كبير ودائم، وبالتالي لم يكن ما حدث جديدا أو ذا دلالة بأن حسابات جديدة ستطرأ في مجلس الأمن في ظل قناعة بأن «الفيتو» الأمريكي قادم لا محالة. ولكن هل سعي عباس إلي صدام مع أوباما؟ الواقع أن عباس لم يلجأ أبدا إلي هذا الخيار، وهو يعرف أن المعونات الأمريكية حيوية بالنسبة للسلطة الفلسطينية ولكنه أدرك أن أوباما في بداية الحملة الانتخابية 2012 لن يلجأ إلي تحدي إسرائيل واللوبي اليهودي الصهيوني، وهو قرأ التعليقات الإسرائيلية التي وصفت أوباما بأنه أفضل سفير لإسرائيل في الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة نفسها، وبالتالي فاستمرار الرهان علي أن ينفذ أوباما تعهداته في القاهرة في يونيه 2008 أو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي لم يعد مجديا، فأوباما لديه حسابات جديدة وقد ترك الأمر برمته إلي إسرائيل لتقرر ما هو ملائم لها دون أي محاولة للضغط عليها. وهذا بالضبط ما جعل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يصرح بأن عملية السلام قد قتلت ملقيا اللوم علي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشكل واضح مشيرا أيضا إلي تناقضات السياسة الأمريكية وحساباتها المعقدة. بيان الرباعية الدولية وإذا كان أوباما قد أكد أنه لا طريق مختصرا للحصول علي دولة فلسطينية داعيا للعودة إلي الطريق الأطول والأصعب للمفاوضات، فإن اللجنة الرباعية الدولية التي تضم إلي جانب الولاياتالمتحدةروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة سارعت بإلقاء طوق إنقاذ لإسرائيل والسلطة الفلسطينية عبر خطة واضحة تنتهي بنهاية العام القادم للوصول إلي اتفاق سلام ومؤتمر دولي في موسكو علي أن يقدم كل من إسرائيل والفلسطينيين خلال 3 شهور ردودا واضحة حول المواقف الأساسية خاصة الحدود والأمن وطبيعة اتفاق السلام القادم، وقضايا اللاجئين والقدس. عرض من ساركوزي وتوافق مع ذلك عرض من الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي باستضافة مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية ومؤتمر للمانحين في الخريف القادم، وقدم حلا وسطا باللجوء إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف الحصول علي اعتراف بصفتها دولة مراقبة غير عضو. وفيما طلب نتياهو عقد جلسة مفاوضات مع عباس في نيويورك رفض الأخير وعاد إلي رام الله ليستقبل استقبالا حماسيا، فقد أعاد طرح القضية الفلسطينية دوليا من جديد وألقي بالكرة في ملعب الشرعية الدولية رافضا ضغوط إسرائيل وأمريكا بل وضغوط دول عربية مثل قطر التي تترأس الدورة الحالية للجامعة العربية والتي عرضت مساعدات سخية للفلسطينيين مقابل عدم تقديم الطلب والعودة للمفاوضات مع إسرائيل. وأكد عباس أنه لم يكن واهما بالحصول علي انتصار سريع، وأن كل الخيارات الأخري ستتم مناقشتها بما في ذلك بيان الرباعية الدولية ومؤتمر باريس الاقتصادي، وشددا علي أن الخنق الاقتصادي مستمر وسيزداد في الفترة القادمة، وعلي العالم أن يقوم بمسئوليته وفي المقدمة الأممالمتحدة التي أمامها طلب فلسطيني مشروع ومؤيد بغالبية دول العالم. التمسك بالخيار السلمي ولن يعني رفض الطلب الفلسطيني أن يتخلي عباس عن خيار السلام بالعودة إلي الكفاح المسلح، فهذا خيار توقف في ظل الإنجازات الكبيرة التي حققتها حكومة سلام فياض في الضفة الغربية وخاصة بناء المؤسسات الاقتصادية والمالية واستقرار الأوضاع الأمنية وتحسن مستوي المعيشة، وهي إنجازات شهدت بها مؤسسات دولية أكدت أن مقومات الدولة أصبحت قائمة. ولن يضحي عباس بتدمير ذلك كله في انتفاضة مسلحة يعرف مقدما أن الشعب الفلسطيني يدفع ثمنا باهظا لها، وهو سيواصل العمل السياسي في ظل جمود خيارات سياسية فلسطينية منذ خيار حل الدولتين عام 1974، واتفاقية أوسلو 1993 وبالتالي فإذا فشل المسعي الفلسطيني أمام مجلس الأمن فهناك فرصة في التوجه إلي الجمعية العامة، وإلي مجلس الأمن نفسه مرة أخري العام القادم. مفاوضات مع حماس وفي نفس الوقت فإن خيارات إعادة بناء البيت الفلسطيني مستمرة، ودعا عباس قادة حماس إلي نقاش في العمق لمواصلة جهود المصالحة في إطار تعدد الخيارات الفلسطينية دون طغيان أي منها علي الآخر، وإيقاف حملات التخوين، وعدم الانجرار إلي مواجهة مسلحة يسعي من ورائها نتنياهو للإجهاز علي الإنجازات الفلسطينية في الضفة بالذات ومقومات الدولة الناشئة. العودة إلي المفاوضات يبقي أن الكرة في ملعب الأممالمتحدة والرباعية الدولية، أما الفلسطينيون فهم غير مستعدين للمفاوضات في ظل الاستيطان، ولن يكونوا في عجلة من أمرهم فالربيع العربي يتفاعل وهو لايزال في أوله، وهو يشكل دعما استراتيجيا قادما للقضية الفلسطينية من شأنه تغيير موازين القوي السياسية والاستراتيجية، حيث يتشكل عالم عربي جديد لا مكان فيه لإسرائيل بشروطها الحالية، فإما أن تقدم ما يثبت أنها جادة في التوصل إلي سلام حقيقي أو تتحمل الحياة في عزلة كاملة، بل وأن تدفع أكثر من العزلة وهو ما رأته مؤخرا في عمان والقاهرة.