.. سيادة القانون هي الأساس الراسخ للحكم الرشيد ، والنظام القضائي المستقل هو واحد من أهم ضمانات الحقوق ، واستقرار المجتمع ، ولأن مصر تتمتع ببنية أساسية لكيان الدولة الحديثة ، فهي تحوذ نظام قضاء "مجلس الدولة " الذي يضمن حقوق المواطنين ضد إنحراف سلطات الحكم بالقانون أواذا استخدموه لممارسة الفساد ، ونهب ثروة البلاد. وها هو "عنوان الحقيقة " ذلك الحكم التاريخي الصادر ببطلان عقود بيع الشركات الوطنية الثلاث واستعادتهم للملكية العامة ، التي أهدرتها سلطة الحكم الفاسدة الساقطة في 11 فبراير الماضي ، بعد حقبة من النهب والفساد الذي ترعرع وأمتد لأكثر من 40 عاماً خانوا فيها أمانة وكالة الشعب لهم التي منحهم إياها للحفاظ علي حقوق ملكية أصول ثروته وثمارها لكنهم مارسوا تلك الوكالة ، وتعسفوا في استخدام سلطاتهم بإنحراف وفجور نادر !! يثير هذا الحكم القضائي الفريد في صدوره ، وحيثياته وأسانيده عدة مسائل رئيسية في مجري تبني المهام الجوهرية لإعادة بناء الإقتصاد الوطني ،علي أسس من القدرة الإقتصادية وكفاءة الادارة والمصالح الحقيقية العادلة. وفي رأينا أن القوي الوطنية التقدمية والديمقراطية مدعوة للحوار في ثلاث مسائل رئيسية ، نعرضها دون الاستباق برؤية ما لا يتسع لها هذا المقال ، وحرصاً علي عدم المصادرة برأي مسبق. المسألتان الأولي والثانية تمثلا مباديء أساسية للمقومات الاقتصادية الاجتماعية في أحكام الدستور الجديد. أما الثالثة فهي تمثل الإدارة الحاكمة للرشد والكفاءة الاقتصادية الهادفة إلي تحقيق المصالح العامة والعادلة للمجتمع. المسألة الأولي : طبيعة النظام الاقتصادي أي ما هي الرؤية المناسبة لإعادة هيكلة القاعدة المادية والبشرية والقوانين الاقتصادية التي تحكمها لإحداث عملية التنمية المحققة للقيمة المضافة الإقتصادية والاجتماعية فاذا كانت الرؤية هي " إقتصاد السوق " مثلاً ، فما هي مبرراته ؟ وما هو دور الفئات الاجتماعية المتعددة فيه؟ وما هو دور الدولة ؟ وما هي ضمانات حماية الملكية العامة القائمة ؟ وما البنية المؤسسية والقانونية والمادية ؟ وما هي ضمانات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة والعاملين والفلاحين وصغار المنتجين والشرائح الاجتماعية الأخري ؟ ، تلك أمثلة من عناصر يجب أن تتطرق لها مثل تلك الرؤية. المسألة الثانية ضمانات حماية الملكية العامة والمشروعات العامة ووظائفها الإقتصادية والاجتماعية ، واشكال الملكية التعاونية وضمانات قيامها بأدوارها الاجتماعية والديمقراطية. كما يضاف لهذه المسألة الضمانات الدستورية لمنع الاحتكار والممارسات الإحتكارية. المسألة الثالثة: النظم والسياسات الحاكمة لتحقيق كفاءة الإدارة الاقتصادية وهي المتعلقة بالشفافية والوضوح ونشر المعلومات ومعايير التقييم المالي والاقتصادي ، والمحاسبة والإفصاح ، والمعايير القانونية للمساءلة عن النزاهه وكفاءة أدوات الرقابة البرلمانية والشعبية والادارية. أعتقد أن تلك المسائل الثلاث شكلت قسماً مهما من دوافع العدالة في حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ، وهي جديرة بالاهتمام بإثرائها عن طريق الحوار.