من خلال مراجعتي للقرآن في سورة المؤمنون حيث كنت ألقي محاضرة بالمركز الإسلامي لسيدي علي السماك بالإسكندرية عن آيات ثلاث تتحدث عن الأمة والأحزاب حتي لا تخرج الوحدة الإيمانية بالله عن إطارها الصحيح، فتقول الآية رقم 52 من سورة المؤمنون «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون»، فقد أنهي القرآن حوار العقائد السماوية وجعل المؤمنين أمة واحدة تؤمن بالله وملائكته ورسالاته ورسله، وعلي المجتمعات الإنسانية المؤمنة أن تعمل وتفكر من خلال ما طرحه القرآن من أجل الأمة الواحدة التي تهتم بالإنسان فترعي اليتامي والمساكين، وكما جاء في سورة الماعون «أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض علي طعام المسكين»، وذلك في المقام الأول للعبادة الحقة ثم إنه لا يجب الابتعاد عن الأهداف السامية والعاقلة بعدم تكذيب المرسلين، وتلك ثغرة واضحة تسمح للشيطان أن يدخل منها ليثير النعرات الدينية ويعمل علي تشجيع الفرقة بين الأمة الواحدة التي اجتمعت علي عبادة الرب الذي خلق السماوات والأرض وجعل آدم وذريته خلفاءه في الأرض ليحافظوا علي حسن التعامل مع الأرض والإنسان، ووقف الحروب والمنازعات في داخل الأمة المؤمنة بل أيضا في خارجها لضمان الحياة الآمنة التي تبني ولا تهدم، وعلي الأمة الواحدة أن تقضي علي كل الخلافات لإنهاء العداوات بين الجنس البشري جميعا، وقد تشابه الإنسان في الخلق ولا تفرقة بين أبيض وأسود ولا فرق بين عربي وأعجمي، فالناس سواسية كأسنان المشط كما كان يردد خاتم المرسلين من خلال رسالته في الإصلاح الاجتماعي والخلقي والروحي كهدف ناصع لرسالته الغراء، وتلك محافظة حقة تحافظ علي مكانة الإنسان عند الله وفي المجتمع الإنساني، كما جاء في الآية رقم 93 من سورة هود «يا قوم اعملوا علي مكانتكم إني عامل»، فمن يكون له السبق في تدعيم المحبة ونشر السلام في ربوع العالم من أجل تقوي الله والمزيد من الارتباط به سبحانه، وتقول الآية رقم 53 من سورة المؤمنون «فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون» وقد اكتشف القرآن المحاولات المغرضة في التحزب الذي يقضي علي الأهداف والآمال، ولذا فرق القرآن بين حزبين هما حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله هو الحزب الذي نذر نفسه من أجل رعاية المجتمع ووضع الحلول التي تقضي علي المعاناة، ومن خلال التعامل الحسن، ولا جدوي لحزب ينكر المشكلات الاجتماعية دون أن يقدم لكل مشكلة حلا، والحزب الذي يقصده القرآن هو الحزب الذي ينكر الإيمان والتلاقي والتعاون، ويثير الأحقاد وينشغل عن الهدف الأسمي والدور الرائد الذي يبغي الإصلاح، وفيه يعمل كل علي توسيع شقة الخلاف فيما بينهم، علما بأن كل حزب هونسيج لأمة واحدة، فالحزب هو لسان حال الأمة، وإن لم يكن كذلك فإنه يكون مرتعا خصبا للأحقاد والمؤامرات وتلك أحزاب مريضة ومرفوضة حتي ولو كانت تلبس ثوب ملاك، ولم التحزب الذي يتبني تمزيق شمل الأمة وتعمد تخريب المنهج السليم، الذي يدعو إلي جدية العمل وعدم فقد الثقة بين أفراد المجتمعات الإنسانية. وإن الحزب الذي ترتع فيه الشياطين يكون مدعاة للانهزام والفوضي، وفي ذلك يفرح البعض في البعض لتحالفهم مع الشيطان، ويلمس القرآن هذا المعني في الآية 53 من سورة المؤمنون التي تقول «فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون»، ولا يبقي في الشكل والجوهر إلا آية كريمة تقول «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (13 سورة الحجرات). فلنعمل جميعا علي تذويب الطائفية، لأنهاء الخلاف بكل أشكاله وأطيافه حتي ولو كان خلافا عقائديا، وتقول الآية 54 من سورة المؤمنون «فذرهم في غمرتهم حتي حين» فالذين يتشبثون بالخلاف من أجل الخلاف، ويزرعون بذور الفتنة في الكيان الواحد الممثل لضمير وروح الأمة يعيشون في غفوة من أمرهم، فعليهم أن ينتبهوا ليعودوا إلي صوابهم، وإلا فإنهم سيجنون يوما حصاد ما علمته أياديهم من خلاف وفرقة، ولن يصح إلا الصحيح، وبذلك تلزم المراجعة وتلك نصيحة غالية وقبل فوات الأوان، فعيون الحق مبصرة أما عيون الباطل عمياء، وذلك أمر تحققه الأيام وتكشف عنه المواقف الايجابية، ووقتها لا ينفع الندم أو البكاء علي اللبن المسكوب، وليعلو صوت القرآن قائلاً «فذرهم في غمرتهم حتي حين».