رياح الثورات العربية.. تهب علي الأكراد يبدو أن ربيع الثورات العربية، لن يقتصر علي الوطن العربي فقط، فقد بدأت آثاره تمتد إلي الدول المجاورة، وتدفع الشعوب المقهورة منذ سنوات للثورة والمطالبة بحريتها.. هذا هو ما حدث مع الشعب الكردي مؤخرا، حينما اجتمع حوالي 850 مندوبا عن «مؤتمر المجتمع الديمقراطي» الذي يضم أحزاب الأكراد، وجمعياتهم المدنية، وجميع تنظيماتهم ومثقفيهم في ديار بكر، الأسبوع الماضي، لمدة 6 ساعات، ليصدروا بيانا قرأته النائبة الكردية «أيصل توغلوك» وقالت «إن الشعب الكردي يعلن ولادة سيادتنا الديمقراطية في إطار الحكم الذاتي الكردستاني الديمقراطي، الذي ينتمي إلي وحدة الدولة التركية علي قواعد التفاهم والوطن المشتركين، ووحدة الأرض، والسعي إلي أن تكون أمتنا ديمقراطية»، ودعا البيان «جميع الأكراد» الذين يعيشون علي أراضينا إلي التعريف عن أنفسهم، بأنهم مواطنون في الإقليم الكردي المحكوم ديمقراطيا، وذاتيا وبرر البيان، ولادة الحكم الذاتي الكردي بالإبادة التي تمارسها الأجهزة الحكومية التركية بحق الأكراد. تري الكاتبة الصحفية «درية عوني» المتخصصة في القضية الكردية أنه لولا ربيع الثورات العربية لما حدث هذا التطور المهم والخطير في القضية الكردية.. وأشارت إلي الدور الذكي الذي لعبه الأكراد في سوريا منذ أول يوم من اندلاع الانتفاضة السورية، حيث كان حافظ الأسد الرئيس السابق لسوريا قد سحب من حوالي نصف مليون كردي الجنسية، فحاول الرئيس بشار مع بداية الانتفاضة «رشيتهم» أو يستقطبهم فصرح أنه سيعيد الجنسية ل 200 ألف مواطن كردي، ولكن رغم ذلك أصرت بعض الأحزاب الكردية والشباب علي الاستمرار في الثورة علي النظام السوري والانضمام للثوار السوريين، فنزلوا في مناطق الحسكة، والقامشلي والعين، وعامودا والتحموا بالثوار، لدرجة أنهم كانوا يرفعون شعارات تعني الحرية باللغة الكردية «أزادي». وأوضحت درية أن تركيا بدأت تلعب دورا خبيثا مع اندلاع الثورة في سوريا، فأعدت منذ اليوم الأول خياما علي الحدود، لاستقبال الفارين من نيران نظام الأسد، مما يمثل عنصر ضغط علي سوريا. تصعيد وحول مقتل 13 جنديا تركيا و7 من حزب العمال الكردستاني، والذي كان بمثابة تصعيد للأزمات بين الأكراد والحكومة التركية، واتخاذها منحي دمويا، قالت درية إن الأنباء تضاربت حول هذه المعركة وإن كنت أصدق الرواية الكردية، فمن جهة أشارت المعلومات الرسمية إلي أن المقاتلين الأكراد نصبوا كمينا للجيش بعد معركة بالأسلحة النارية، تخللها «إلقاء المتمردين قنابل أشعلت حريقا في منطقة غابات كثيفة، ما أدي إلي احتراق الجنود ال 13 وإصابة سبعة آخرين بجروح، علي حد إعلان رئاسة أركان الجيش، أما وكالة أنباء الفرات الموالية للأكراد، فقد كذبت الرواية الرسمية بتقرير أكد أن طائرة حربية تركية استهدفت المقاتلين في غارة جوية، أدت أيضا إلي مقتل الجنود الذين كانوا مرابطين في منطقة الغابات.. وأشارت الكاتبة الصحفية إلي أن موعد 15 يوليو «تموز» كان تاريخا منتظرا منذ فترة طويلة في تركيا، إذ سبق لزعيم حزب «العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، أن حدده لإعلان الإقليم الكردي المحكوم ذاتيا، إن لم تقدم الحكومة التركية علي القيام بمبادرة جدية إزاء الأكراد، قبل الوصول إلي ذلك التاريخ، وبدلا من أن يطرأ حدث إيجابي علي صعيد العلاقات التركية - الكردية، حصل كل ما هو سيء منذ انتخابات 12 يونيو حتي اليوم، فقد تم تجريد «خطيب دجلة»، النائب المنتخب عن حزب الأكراد «السلام والديمقراطية» من فوزه الانتخابي، ورفض الإفراج عن 5 نواب أكراد آخرين من السجن، وهي الأزمة التي فشلت المساعي الحكومية في حلها، ثم تصاعدت وتيرة الأزمات عندما سقط أكبر عدد من قتلي الجيش التركي في المعركة الأخيرة. تدهور اقتصادي وأشارت الكاتبة «درية عوني» إلي أنه رغم أن «رجب طيب أردوجان» رئيس الحكومة التركية، قد حقق نقلة نوعية في الاقتصاد التركي، فإن الأكراد لم يستفيدوا من هذه الحالة الاقتصادية الجيدة، ومازالوا يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة، بالإضافة إلي أن ما يحدث في الواقع ما هي إلا تغييرات سطحية، وأن إنكار حقوق الأكراد لايزال ماثلا في العمق، بدليل استمرار الحكومة التركية في رفض إطلاق سراح النائب الكردي المنتخب «خطيب دجلة»، بالإضافة إلي رفض إطلاق سراح «عبدالله أوجلان» الذي سجن منذ 15 عاما، عندما أقنع الرئيس المخلوع «حسني مبارك» الرئيس السوري السابق «حافظ الأسد» بتسليمه إلي تركيا، هذا إلي جانب حالة الإبادة الثقافية التي تمارس ضد الأكراد، وضد لغتهم وحضارتهم، وتجاهل حقوقهم كشعب. حقوق متساوية وكان البيان الذي صدر مؤخرا لإعلان الحكم الذاتي للأكراد في تركيا قد دعا المجتمع الدولي إلي الاعتراف بالحكم الذاتي الكردي المولود، وجزم بأن القضية الكردية لن تعرف حلا، قبل الاعتراف بالأكراد كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع باقي المواطنين الأتراك. وفور إعلان البيان الختامي، فتح مكتب المدعي العام في «ديار بكر» تحقيقا في الموضوع لمعرفة إذا كان يتضمن مخالفة للدستور التركي، مع ترجيح تقارير صحفية، بتحريك دعاوي قضائية بحق المشاركين البارزين في المؤتمر وكان «مؤتمر المجتمع الديمقراطي» قد أعد وثيقة في عام 2010 تعتبر أكبر من دستور، وتنظم شئون أكراد تركيا وسوريا وإيران والعراق في إطار «حكم ذاتي ديمقراطي» لأكراد الشرق الأوسط، وهي إحدي أفكار «أوجلان» الأساسية تعبيرا عن رؤيته الكونفيدرالية الكردية العابرة للحدود «التركية - السورية - الإيرانية - العراقية» وبموجب هذه الوثيقة سيبقي الأكراد في الدول الموجودين فيها حاليا، علي أن يكون بينهم في هذه الدول الأربع «وحدة» يعبر عنها «اتحاد كونفيدرالي»، وبرلمانات محلية، وإدارات محلية، ونظام اجتماعي، ثقافي، اقتصادي «اشتراكي» وقوات للدفاع عن النفس في المناطق الكردية، واقتصاد مستقل، وإعلام منفصل في ظل كونفيدرالية «ستحمل الديمقراطية إلي الشرق الأوسط بكامله»، ولكن إعلان الحكم الذاتي الديمقراطي، الأسبوع الماضي لايزال يطرح أسئلة عدة، فهو لا يوضح طبيعة علاقات الإقليم الكردي، بالجمهورية التركية مرورا بعدم تحديده كيف سيتعاطي الأكراد مع السلطات الحكومية؟ هذا بالإضافة إلي التنازل الكبير الذي تضمنه إعلان ولادة الإقليم من ناحية حصر حدوده في أراضي الجمهورية التركية، ومن هنا تم تأجيل الحديث عن ارتباط هذا الإقليم بالمناطق التي تسكنها غالبية كردية في الدول المحيطة به!