عن دار العين للنشر صدر كتاب صغير الحجم، عميق الاثر في النفس عن السيرة الذاتية لإقتصادي مصري عربي بارز هو الدكتور محمود عبد الفضيل . وعندما ينتقل القارئ من صفحة إلي أخري تتهادي أرواح سبيكة الرجال العظماء في الوطنية ..عبد الله النديم ، سيد درويش، طلعت حرب، جمال حمدان ثم أحمد بهاء الدين. يضرب الدكتور عبد الفضيل المثل علي نوعية مختلفة من الاقتصاديين،فلا يفصل ما بين الاقتصاد والسياسة ،وما بين الاقتصاد والثقافة فهذه المجالات لا تنفصل عن بعضها ، لإنها تمثل الأركان المهمة في حياة الناس، وهذه المجالات تتداخل مع بعضها ، وتؤثر في بعضها البعض...وكلما تعمق الاقتصادي في المجالات الأخري فهو يوسع من إدراكه لحياة الناس وآلامهم ومتاعبهم وطموحاتهم وتوقعاتهم . ومن ثنايا الكتاب نستخلص ملمحا له أهميته وهو اهتمام صاحب السيرة بتكوين رؤية للنهضة المصرية من خلال محيطها أو مجالها الحيوي العربي .وتمثل النهضة في عقدتها الاساسية الا وهي "التنمية" ولذلك نجد أعمال صاحب السيرة تسعي نحو "تفسير المشكلات والعوائق" التي تصطدم بها"النهضة " ثم إيجاد رؤية متكاملة للتنمية. وتتكون السيرة الذاتية من تسعة فصول، مكتوبة بأسلوب رشيق وعبارات شيقة موحية تبرز إحاسيس الكاتب العميقة بكل ما يدور في الوطن والاتصال الديناميكي بالتاريخ. وقد ولد الدكتور عبد الفضيل من أسرة من الطبقة الوسطي في حي السيدة زينب العريق، الدائرة النيابية للزعيم سعد زغلول ومن سكانه الزعيم أحمد حسين والاستاذ فتحي رضوان. وكان من سكان منزل الأسرة ، عائلة عصفور بأبرز من فيها الدكتور سعد عصفور الفقيه الدستوري والمحامي الكبير الدكتور محمد عصفور. ويلفت الكاتب لأهمية الثقافة منذ الصغر في حياته، ودور كتب الرائد كامل الكيلاني ثم الدور العريق لمجلة سندباد والتي يصفها بإنها من أفضل مجلات الأولاد التي ظهرت في تاريخ الوطن العربي. ويشرح صاحب السيرة نظام التعليم في المدارس الحكومية ومستوي جودته والعلاقات المحترمة بين المدرسين والتلامذة وتشجيع هؤلاء علي التثقيف والاستزادة من العلم بكل الطرق الممكنة. وقد لعبت الحركة الوطنية والإضطرابات والمناداة بالاستقلال والتحرر من الاستعمار الانجليزي، دورا مهما في تشكيل وعي الدكتور عبد الفضيل وتربيته السياسية الوطنية. ثم يكتب صاحبنا عن الجامعة وحيرته في دراسة الإقتصاد أم المحاسبة وسعادته عندما وضع يده علي علم "المحاسبة القومية"ورغم الانبهار بانجازات النظام الناصري في مجال التنمية لكن أزمتي الديمقراطية وغياب المشاركة السياسية جعلت جيله يتساءل: "هل نحن ثوار بلا قضية أم أن القضية بلا ثوار حقيقيين"؟ وينتقل بعد ذلك لفصلين ممتعين عن حياته الجامعية في باريس وكمبريدج واصفا المستوي العلمي الرفيع للدراسة والعلاقة القوية مع هيئة التدريس بالإضافة للمناخ الثقافي المفتوح والثراء في الفن والمسرح والسينما الذي تتيحه المجتمعات الغربية للدارسين . وأثناء البعثة في فرنسا يذكر الدكتور عبد الفضيل مدي تحسس الدارسين من مصر لأزمة النظام الناصري ودخوله في نفق مظلم بعد عام 1965 وقيام الطلبة بتقديم مقترحات في مؤتمر المبعوثين الشهير حول أزمة النظام وكيفية الخروج منها، ولكن كان النظام يسمع نفسه فقط فحدثت الهزيمة الثقيلة عام 1967. ومع عوده صاحبنا من البعثة تكويه نار الانفتاح الاقتصادي ويعايش تحول مصر إلي اقتصاد يميني يغتال مبدأ العدالة الاجتماعية. ويعشق الكاتب الموسيقي بأنواعها المختلفة وهو متذوق للجمال وللفن التشكيلي، وقد لا يعرف الكثيرون أنه محب للمرح والقفشات وابن نكتة من العيار الثقيل.