إن إعادة هيكلة أبواب الموازنة العامة للدولة هذا العام وإرساء قواعد أساسية جديدة وعادلة يعد الحل الأسرع والأقرب لأغلب المشكلات الاقتصادية، ومن المفترض أن تناقش القوات المسلحة الأمر خلال الأيام القادمة، فهذا ما سيحدد مصير تقدم الاقتصاد المصري ككل هذا ما تم تأكيده خلال اللقاء الذي عقدته أمانة القاهرة بحزب التجمع ضمن سلسلة ندوات "مصر إلي أين ؟" السبت الماضي بعنوان الاقتصاد المصري قبل وبعد ثورة يناير. أدار اللقاء "حسين اشرف" أمين القاهرة بحزب التجمع مؤكدا علي مرور مصر بحالة الارتباك علي مستوي القضايا الأمنية والسياسية وانعكاس ذلك بشكل مطلق علي الاقتصاد. عرض د."فرج عبد الفتاح"أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة رؤيته عن المرحلة السابقة ل 25 يناير لتفسير ما وصلنا له الآن لنتلافي عيوبها، ففي بداية عهد مبارك تضخمت الديون في الثمانينات وازدادت حجم الواردات عن الصادرات وأصبح حجم الاستهلاك اكبر من حجم الإنتاج ، وعانت مصر من عجز في الموازنة العامة بسبب ارتفاع الإنفاق العام في الدولة وعدم كفاية الموارد لإقامة استثمارات ناجحة . ويشير د.فرج" انه بالرغم من دور التجمع في هذه الفترة ومؤتمره الاقتصادي قدم د."إسماعيل صبري" رؤيته في حل جميع المشاكل التي واجهت الاقتصاد المصري والتي لم تحل إلي اليوم ،لكن الدولة اتجهت لنمط رأسمالي عشوائي ولجأت لمدخرات الأجانب ووضعها في الأولوية و تهميش المدخرات الوطنية وتعارك النظام السابق مع شركات توظيف الأموال حتي وصلت الديون 50 مليار دولار عام 1990 . ويضيف د."فرج" بعد حرب الخليج انضمت مصر لقوي التحالف الدولي في مايو 1991 فكانت مكافأة مصر إعفاءها من 50 % من الديون المتراكمة ولكن بشروط..و علي غرار ذلك تم بيع القطاع العام وتحريك أسعار الصرف وتحرير الأسعار، وتخلت الدولة عن دورها التنموي لتتركه للقطاع الخاص ولكن دون مراعاة أي مصلحة وطنية. حيث آمن المسئولون الحكوميون في مصر بفكرة بيع القطاع العام وأصبحت ملحة بكل الأشكال و بأبخس الأثمان ووصل إجمالي الدين الداخلي والخارجي إلي 107% من إجمالي الخزانة العامة للدولة أما بعد 25 يناير وتراكم الدين الداخلي إلي 820 مليار جنيه. أما بالنسبة للقطاع العام يقول د."فرج" انه يتم بيعه تدريجيا وتخسيره علي مدار وزارتي عاطف صدقي وكمال الجنزوري إلي أن جاء عاطف عبيد و"باع البلد" وتسبب هو وزبانيته في انتهاء احتياطي النقد الأجنبي إلي 25 مليار جنيه قبل عام 2000. فالسياسات الرأسمالية المنتهجة والتي لا تهدف إلا للربح الشخصي وعدم استخدامه في إدارة عملية الإنتاج أدت إلي ارتفاع أسعار الدولار وأسعار السلع ، وتفاقمت مشكلة البطالة بدعوي ترشيد الإنفاق مما جعلنا في مجمع هش حيث أنهي الرأسماليون الجدد علي الأمل في الوظيفة الدائمة للشباب وأصبحت جميع الوظائف مؤقتة وأصبح الاقتصاد المصري من سييء لأسوأ والنتيجة هي البطالة والعشوائيات وارتفاع الأسعار. أما عما حدث في 25 يناير للاقتصاد يفسره قول د."فرج"أنها لا تسمي خسائر وإنما تعد تكلفة لمحاولة النهوض بالاقتصاد المصري ولكن هناك ثمة تباطؤ في الأداء الاقتصادي و تم سحب 6 مليارات جنيه من احتياطي النقد الأجنبي ،وهذه الفترة ليست أسوأ مما كانت عليه الأمور والاهم النظر للمستقبل . وعن الحلول بعيدة المدي أفاد د."فرج" أولها توفير الأمن والاستقرار السياسي فبدون توفرهما لن نحرز أي تقدم، والاعتماد علي المشروعات التنموية لمحاولة تقليل الدين الداخلي الذي يلتهم البنوك وكذلك تضخيم ومشاركة القطاعين العام والخاص في مشروعات تنموية تستوعب اكبر قدر من العمالة المدربة. أما الحلول قصيرة المدي يضيف د."فرج" أن الأداة الأساسية لإدارة أي اقتصاد هي الموازنة العامة للدولة وسيوضع تصور القوات المسلحة ووزارة تسيير أعمال للموازنة القادمة 2011 -2012 علي أن تقوم بإرساء قواعد أساسية للموازنة بدءا من هذا العام وإعادة توزيع البنود بشكل جديد ومبتكر نضع به قواعد أساسية لن يتم معه ارتفاع الأسعار لأننا ننتقل من بند لآخر علي الموازنة ذاتها علي أن تكون موازنة لصالح الغالبية العظمي للمجتمع وتقوم بتوزيع الثروة بشكل عادل . ودعا د."فرج" إلي الحل الثاني لتعافي الاقتصاد سريعا وإعادة دور الاقتصاد الوطني المصري عن طريق الدعوة لإنشاء مشروعات جديدة باكتتاب شعبي ومشاركة شعبية من خلال أسهم وسندات . أكد "شتا محمد" عضو حزب التجمع علي ضرورة النظر للتاريخ كخبرة لفهم طبيعة الرأسمالية المصرية ومعرفة نماذج تجارب التنمية التي مرت بها مصر وينبغي علينا فهم الأسواق في مصر سوق الإنتاج السلعي والخدمات في مصر. وكذلك دراسة الاقتصاد الخفي الذي يسهم بقدر كبير جدا لتقديم خدمة لتنظيمه بدور الدولة ودور القيادة وكيفية الاستفادة منه وما يستوعبه هذا القطاع من عمالة لذا ينبغي تقديم إحصائيات ودراسات دقيقة عنه. بينما قال المهندس " نبيل عتريس" عضو المكتب السياسي بحزب التجمع أن المشهد مخيف علي الناحية السياسية ونحن كوطن في مأزق و الاقتصاد الرأسمالي علي شكل رأسمالي تخطيطي والمجتمع ليس مؤهلا لعمل ثورة اشتراكية في ظل آليات هذه العوامل كيف يمكن أن نضع رؤية وحلا متاحا لعمل نظام اقتصادي . فرد د."فرج"قائلا أن الحل الأوحد الذي طرح خلال عرضه الآن هو حل اشتراكي به مشاركة شعبية وكذلك إعادة هيكلة الموازنة بما يحقق العدالة الاجتماعية وبالتالي مبادئ الاشتراكية. ويأتي تأكيد "هاني الحسيني" الخبير الاقتصادي أن دور الموازنة العامة في المرحلة الانتقالية أساسي للمراحل القادمة فالمسائل الاقتصادية غير معقدة وإنما متشابكة ولا نستطيع فصلها و لابد من تكاملها فعلي مدار الفساد خلال الأربعين عاما الماضية نحتاج الآن لجهد كبير جدا من خبراء في شتي الاتجاهات وسنعقد المؤتمر الاقتصادي المشابه لما أقيم في الثمانينات . يضيف "الحسيني" أن هناك أسبابا متنوعة تلعب دورا كبيرا في العقيدة الاقتصادية للدولة من بينها العامل البيئي فمصر قامت علي ضفاف النيل الدولة و الاقتصاد الأساسي لها الزراعة وهذا احتياج حقيقي وطبيعي أيضا أي ضرورة إدارة الأموال والثروة وفقا للموارد المتاحة وفائض الهيئات الاقتصادية الأساسية و إذا هناك عجز من باقي الهيئات تتحمله الدولة ،الأمر الذي معه ينبغي صياغة وتعديل القوانين التي لا تتفق والمرحلة القادمة فيما يضر نهضة الاقتصاد الوطني. ويشير "الحسيني" أن قضايا الكسب غير المشروع الكثيرة جدا والمعروضة الآن أمام المحاكم من الممكن أن تدعم الاقتصاد عن طريق فرض ضريبة الأرباح الاستثنائية وهذه الأداة فرضت من قبل في الحرب العالمية الثانية، ففي كل الأحوال إدارة الحكم الرشيد للمنظومة الاقتصادية يخلق مناخا مناسبا للتقدم. بينما قال "محمد فرج" الأمين العام المساعد لإعداد القادة بحزب التجمع أن الفكر الاشتراكي يختلف عن الرأسمالية في كون الاشتراكية تبحث في المشاكل الاجتماعية المنعكسة علي البشر وطرق حلها عن طريق النظم الاقتصادية المتوافرة. وأكد "محمد فرج" أن المشاكل الاقتصادية في عقد الثمانينات لم تحل وأضيف إليها الاقتصاد السياسي والفساد كلها سياسات رأسمالية صريحة أنتجت فقرا وبطالة وعنفا وطائفية ولابد ان ينتهي عن طريق رؤية اقتصادية اشتراكية في مواجهة فئة قليلة جدا الموجودة في السجون الآن ،وخلق اقتصاد بديل قائم علي إذابة الفرقة بين الطبقات الاجتماعية. بينما شدد "إبراهيم عبد الراضي"عضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع علي ضرورة وجود رؤية عاجلة وشاملة لإعادة الهيكلة بشكل عام في حدود مجتمع انتقالي مشاركة شعبية وهي مرحلة نضالية في الوقت الحالي ينبغي ضخ استثمارات عديدة خاصة في وجود جيش العاطلين ومحاولة استيعابهم عن طريق مشاريع بنية أساسية .