نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الامريكية قبل ايام نتائج استطلاع للراي العام المصري اجراه «معهد السلام الدولي»- وهو معهد أمريكي وليس دوليا كما قد يوحي الاسم. واهتمت صحيفة "ها اريتس" الاسرائيلية ذات التوجه المستقل بان تنشر نتائج هذا الاستطلاع. وكان من الطبيعي ان تهتم لان اول نتائج الاستطلاع تقول إن غالبية (60 بالمائة) من المصريين تؤيد الاحتفاظ بمعاهدة السلام مع اسرائيل. لعل من الضروري ان نسجل بداية شكنا في هذا النوع من الاستطلاعات الذي تجريه مؤسسات امريكية محترفة وثيقة الصلة بالادارة الامريكية من ناحية وبحكومة اسرائيل وسياسات هذه الحكومة من ناحية اخري. فان الافا - نعم الاف - من الاستطلاعات من كل نوع تجري في الولاياتالمتحدة سنويا علي طريقة استطلاعات الراي التي تجريها الشركات الامريكية لحسابها بهدف الترويج لسلع معينة. ولهذا فان الراي العام الامريكي نفسه لا يقيم وزنا كبيرا لهذه الاستطلاعات. وبالتالي فاننا ينبغي الا نقيم لها وزنا كبيرا بالمثل وان اهتمت بهذا الجانب من ميول الشعب المصري واتجاهاته بشان السلام مع اسرائيل.. وليس معني هذا اننا نشكك في القول إن غالبية الشعب المصري تميل الي استمرار السلام مع اسرائيل. فالنتيجة قد تكون صحيحة والرقم (60 بالمائة) ربما يكون هو الاخر صحيحاً او حتي دقيقاً. شروط السلام ولكن الحقيقة ان هذا الاستطلاع شان الاستطلاعات الاخري لا يتسع ولا يفسح مجالا للتفاصيل. فلا يتناول شروط الغالبية من الشعب المصري للسلام مع اسرائيل ولا رؤية الشعب المصري لطبيعة هذا السلام ولا الشروط التي يمكن ان تحكمه، وبالتالي لا يتسع الاستطلاع لايضاح الصورة الكاملة لموقف الشعب المصري من السلام مع اسرائيل لانه لا يفسح المجال لاستطلاع راي الشعب المصري في سياسات اسرائيل ومواقفها من قضايا مصر والقضايا العربية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني. وعلي سبيل المثال فان الاستطلاع - من ناحية - لا يتناول موقف غالبية الشعب المصري من عقود تصدير الغاز الطبيعي المصري الي اسرائيل التي ابرمها نظام مبارك السابق. ومن ناحية اخري فان الاستطلاع في تناوله لتأييد الشعب المصري لقيام دولة فلسطينية مستقلة لا يتناول من قريب او من بعيد الشروط التي تريد اسرائيل فرضها علي الدولة الفلسطينية ومنها ان تكون منزوعة السلاح. وهنا ينبغي ان نشير الي ان نتائج استطلاع الراي العام المصري الذي اجراه معهد السلام الدولي الاميركي قد اذيعت في وقت واحد تقريبا مع التصريحات الاولي التي ادلي بها نبيل العربي وزير خارجية مصر في حكومة الثورة والتي قال فيها بكل وضوح إن اتفاقية كامب ديفيد ليست مقدسة ويمكن ان نسعي لتغييرها ووصف السياسة الخارجية لمصر في عهد النظام القديم- نظام مبارك- بانها كانت مجرد رد فعل لما يحدث وكانت تفتقر الي رؤية بسبب القرارات العشوائية التي كانت تصدرها. وقال نبيل العربي ايضا " لقد شعرت بالخجل من موقفنا في حرب غزة لانه كان شائنا ويصل الي جريمة حرب". وزاد وزير خارجية مصر الثورة موقفه وضوحا اذ قال إن هذه المشكلة نابعة من سوء الفهم لاتفاقية السلام مع اسرائيل. نعم وقعنا معاهدة تنص علي معاملة طبيعية لاسرائيل، ولكن بطريقة ما ونتيجة عدم قراءة الاوراق بشكل جيد تصور البعض ان المطلوب معاملة اسرائيل معاملة استثنائية. واضاف نبيل العربي ان اسرائيل تخاذلت عن تنفيذ بعض ما تم الاتفاق عليه، مثل الجزء الخاص بان تدخل اسرائيل في سلام مع الدول التي تسعي اليه. بترول سيناء بالاضافة الي هذا فان العربي اكد ان جميع الملفات في علاقة مصر باسرائيل يتم تدارسها ... ومن ذلك مادة تتعلق بالمطالبات المالية لمصر من اسرائيل كالبترول الذي استولت عليه اسرائيل فترة احتلالها سيناء، مؤكدا انه تم اعداد دراسات بهذا الامر كانت توضع في ظل النظام القديم في الادراج.. وبطبيعة الحال فان تصريحات نبيل العربي ستكون موضوع دراسة من المؤسسة الدبلوماسية الاسرائيلية وان ردود الفعل عليها- خاصة في وجود وزير خارجية اسرائيلي ينتمي الي اليمين المتطرف هو افيجدور ليبرمان- وتدل المؤشرات علي ان حكومة اسرائيل تتخذ موقفا سلبيا من هذه التصريحات لوزير الخارجية المصري العربي لانها تخرج علي النمط الذي اعتادت عليه علي مدي سنوات حكم مبارك التي تراجعت فيها سياسات مصر الي مواقف تراعي متطلبات اسرائيل وتبتعد عن دور مصر العربي والاقليمي. ولقد سمحت اسرائيل لنفسها بان تجعل التطورات الجارية في مصر - بما في ذلك التطورات المتعلقة بالسياسة الخارجية - جزءا من جدول اعمال المحادثات التي جرت بين رئيس دولتها شمعون بيريز والرئيس الامريكي باراك اوباما في واشنطن في اواخر الاسبوع الماضي. وقال الرئيس اوباما "لقد تحدثنا طويلا عما جري في الشرق الاوسط " مشيرا بذلك الي الثورة الشعبية التي اطاحت بكل من النظامين التونسي والمصري. ولكن التصريحات المعتدلة التي عبر بها اوباما وبيريز عن موقفيهما لم تستطع ان تخفي ما تضمره اسرائيل والولاياتالمتحدة ايضا من مخاوف بشان التغييرات التي يمكن ان تدخل علي السياسة الخارجية المصرية بعد 30 عاما من الاطمئنان الي خضوع نظام مبارك الكامل للهيمنة الامريكية والتسلط الاسرائيلي. إسرائيل والثورات في الوقت نفسه فان دوري جولد رئيس الوفد الاسرائيلي لدي الاممالمتحدة في حكومة نيتانياهو السابقة (وهو يشغل الان منصب مدير معهد القدس للشئون العامة) كتب مؤكدا "ان اسرائيل دخلت هذا العام مرحلة صعبة تواجه خلالها ضغوطا اقليمية ودولية متعارضة. واضاف ان الثورات في العالم العربي تثير قلقا عميقا وسط المراقبين في الغرب ... تواجه اسرائيل مرحلة من عدم اليقين الاستراتيجي بالنسبة الي مستقبل الشرق الاوسط الامر الذي يفرض علي اسرائيل ان تكون حذرة جدا قبل الالتزام باي انسحابات. "واضاف جولد" ان الانسحاب الاسرائيلي الكامل الي حدود عام 1967 في الضفة الغربية لن يقسم القدس فحسب بل سيجرد اسرائيل ايضا من غور الاردن الذي يشكل حزاما جغرافيا استراتيجيا يسمح بالدفاع الفعال ضد التهديدات.. والملاحظ انه بينما تقول استطلاعات الراي الامريكية إن غالبية المصريين تفضل السلام مع اسرائيل فان اسرائيل تقابل هذا بمزيد من الغطرسة بل التوحش ضد الفلسطينيين علي النحو الذي تكشفه الغارات الاسرائيلية المتكررة علي غزة في الايا م الماضية. ولا تزال اسرائيل تنتهج سياسة الحصار ضد شعب غزة وعمدت في الايام الماضية الي السيطرة علي سفينة شحن مملوكة لالماني وتسيرها مجموعة فرنسية و تحمل اسم "فكتوريا" كانت متوجهة بحمولة من المساعدات الانسانية الي غزة. وادعت اسرائيل لتبرر مسلكها ان هذه السفينة كانت تحمل اسلحة الي غزة قادمة من ايران. وعندما بدأت المظاهرات الشعبية في سوريا اعلنت اسرائيل في بيان صحفي عن انها تخشي ان يحدث استفزاز من جانب سوريا علي الحدود الشمالية للتغطية علي هذه المظاهرات ولهذا فان القوات الاسرائيلية تستعد لهذا الاحتمال.. هكذا يتضح ان اسرائيل تريد ان تواصل سياسة الاستفزاز والغطرسة واستخدام القوة العسكرية في مواجهة التطورات الثورية في العالم العربي. اي ان اسرائيل لا تعتزم حتي الانتظار لمعرفة توجهات النظم الجديدة لتحدد كيف تكون سياستها تجاهها. وهي في هذا تلقي تاييد ادارة اوباما المطلق. وقد ترك اوباما لرئيس اسرائيل بيريز ان يعبر عن المدي الذي يصل اليه الدعم الامريكي لاسرائيل فقال «إن اوباما عبر عن معارضة صلبة لاي محاولة لادانة اسرائيل في اي محفل دولي».