نبيلة الزبير شاعرة وروائية يمنية وباحثة في العلوم الاجتماعية صدر لها رواية «إنه جسدي» ومجموعة قصصية تحت عنوان «رقصة في الصخر» بالإضافة إلي عدة دواوين منها «متواليات الكذب الرائعة» و«محايا» و«تنوين الغائب» و«صعود لفردة كبريت»، ولها تحت الطبع رواية ستصدر في بيروت قريبا وهي «زوج حذاء لعائشة». وتشارك «الزبير» مع رفاقها من المثقفين اليمنيين في الثورة الشعبية التي تملأ ساحات اليمن الآن مطالبة بالتغيير السياسي، وفي هذا الحوار محاولة للاقتراب من عالمها الإبداعي، ودورها هي وأبناء المجتمع اليمني في الثورة. «إنه جسدي» رواية منفتحة علي آفاق اجتماعية رحبة بما تحمله من مواجهة للتقاليد الاجتماعية الأبوية، كيف - إذن - تنظرين إلي الفن والأدب كأداة للتغيير؟ لا حل إلا المواجهة - ولو بقدر بسيط - فالفن والأدب يظلان - في الأساس - محاولة لعدم الغرق في الركود الاجتماعي، حتي لا نستسلم لهذا الركود، وحتي لا تصبح عناصر سلبية من عناصره، فلابد من الحلم بالتغيير. وعموما فنحن نكتب في مجتمع تصل فيه الأمية إلي 80%، وخطورة ذلك أننا حين نكتب نرحّل وعينا إلي المستقبل. لماذا التأكيد في العنوان علي صفة «الجسدانية»، التي أظن أنها مقصودة قصدا؟ نعم، فأنت لا تستدعي إلا غائبا، العنوان فيه استدعاد والإلحاح علي شيء مفقود، فالساردة طيلة النص تبحث عن جسدها وعن ملكيته، هي تشعر به، ولكن لا تملك قراره، كيف ينام، وكيف يأكل ويلبس، وهذا حرام، وهذا مستحب، فالمكان تسكن فيه وتتركه وتمشي وكذلك الجسد، حتي الانتحار غير مسموح لك به في ظل المجتمع الأبوي. وعندنا أديب في اليمن اسمه «عبدالرحمن الحجري» انتحر فلم يصل عليه، ولم نر أشعاره حتي الآن، فقد قتل مرتين، مرة بالتقاليد الاجتماعية الجائرة، ومرة أخري بالمصادرة والتجاهل، فهل هناك عبث أكثر من ذلك حتي في أجسادنا. هناك - إذن - جاهزية أرفضها، جاهزية لتقرير مصيرك قبل أن تولد، رجلا كنت أو امرأة، لكن النساء - عندنا - يعانين ضعف معاناة الرجال. دور الفنون وكيف ترين دور الفنون - الآن - في الثورات العربية وخاصة الشعر؟ الشعر فيه تحليق في حين نحن الآن علي الأرض - تماما - فالعالم الآن ساحة للتغيير، وعموما فالشعر الحديث نزل إلي مستوي المشي علي الأرض، فحين جاءت قصيدة النثر أصبحت تجسيدا للواقع ولنزع الأقنعة، عكس ما يقوله الناس عن اهتمامها بالهموم الخاصة - فقط - فالشعر يعاني من واقع سياسي قهري في بعض الدول كسوريا وبعض بلدان الخليج، وهذا ربما أحتاج إلي الغموض في الكتابة، وعموما في دولنا التي فيها ادعاء للديمقراطية يسهل الكلام البسيط غير المحتاج للترميز. أما عن اليمن اليوم في ظل الثورة فالشعر الموجود في الساحات هو «الشعر الغنائي»، وينتشر بين المتظاهرين والثوار - الآن - «فن الزامل» وهو شعر فطري أقرب إلي الزجل المصري، الآن يكتب «الزامل» ويلحن في أقل من دقيقة في ساحات التغيير، فهذه هي اللغة الفنية المسموعة الآن. أنا - الآن - مأخوذة بشعر الساحة، ويخيل إلي أنني سأبني خيمة في ساحة التغيير في صنعاء لأكتب وألحن فيها «زوامل». مشاهد متكررة هذا يأخذنا إلي دور المثقف في التغيير، خاصة أنني نري أبطال المشهد الثوري في العالم العربي - الآن - من المواطنين العاديين، فهم من يقودون حركات التغيير؟ هذا زمن الشارع بامتياز، والدليل علي ذلك أننا حين نادينا كمثقفين من زمن طويل ب «الديمقراطية» كنا نؤكد علي «الجماهير» لكننا نسينا ذلك في تنظيرنا وحين خرجنا إلي الشارع وجدنا أن ذلك هو الطبيعي وجودنا - الآن - في «الساحة» يأتي بطلب من الجماهير، فهم يطلبون المثقفين بالاسم ليشاركوهم لحظة التغيير. الوعي الشعبي هذا يأخذنا إلي سؤال مهم، وهو: هل الجماهير بوعيها الشعبي تدرك - تماما - قيمة الثقافة في تطوير وعيها السياسي؟ بالضبط، بل ينظمون الندوات للمثقفين - في ساحة التغيير في صنعاء - وهذا أقصي ما كنا نحلم به كمثقفين وأدباء، الجماهير تفعل ذلك تلقائيا - الآن - ينظمون الأمسيات والندوات في خيام ويستدعون أشخاصا يعتقدون فيهم علما وفكرا، وأحيانا ما يسألوننا: تقترحون من لاستضافته في الندوة التالية؟، الجماهير الآن متعطشة للمعرفة بالذات ما يخص السياسة والقوانين، وخاصة مناقشة سؤال «لماذا نريد إسقاط النظام؟»، بمعني آخر المسألة أصبحت فلسفية. ولا أخفي عليك فأنا مدهوشة بما يحدث الآن، وبما يحدث من تصاعد للأحداث حيث القبائل كلها داخل الساحات اليمنية ماعدا القلة القليلة التي مازالت مع النظام. كيف ترين مستقبل الثورات العربية - من منظور ثقافي؟ ربما هذا يعيدنا للسؤال القديم من يغير الآخر؟ هل الثقافة تغير السياسة، وهل الطفرة العلمية تغير السياسة أم العكس؟ ثوراتنا العربية هي ثورة واحدة، لكنها تأتي بالتدريج، فهي ثورة حضارية للخروج من عباءة سلطة الأفراد إلي الحقوق المدنية ليكون الفرد جزء من جماعة والعكس يكون له حقوقه. الآن اتسعت رقعة الوعي عن الجماهير، وهناك سقف متسع للتغيير، ففعل التغيير كفكرة أصبح حق مشروع وضروري، وهذا تحول نوعي في الشخصية العربية. العالم العربي اشتعلت ثورته بعود ثقاب كان الشرار الأولي من «بوعزيزي» في تونس، ثم امتدت الشرارة - أيضا - إلي خارج الوطن العربي في الصين وكوبا والبقية تأتي. قاموس جديد ما الفرق من وجهة نظرك بين ثورة اليمن وثورة مصر وثورة تونس؟ كل منا يتعلم بقدر إمكانية التغيير في دولته، ومع ذلك فكل الشعوب تمتلك إرادتها وصبرها علي حلم التغيير، وهذه أوطاننا تعود إلينا لنشتريها بالغالي من دماء شهدائنا نستعيدها من «شوية حرامية» ولن نفرط فيها فيما بعد. لقد تسامحنا - كثيرا - مع اللصوص الذين سرقونا، الآن انتهي زمن التسامح معهم، بعد أن أهدروا دماء الآلاف من الشهداء. وكيف ترين مستقبل الكتابة الإبداعية - في زمن ما بعد الثورات؟ ستكون الكتابة أكثر تعلقا بالزمان والمكان، فالآن أصبح لنا وطن، فكلمة «وطن» كنا نحاكمها بقسوة منذ سنوات، لكنها ستدخل في قاموسنا من جديد، ومعها كلمة «شعب» وغيرها من الكلمات التي كانت مطرودة من قواميسنا.