رفعت السعيد: حجاب شاعر ينبت الورود في حديقة الوطن وينفلت من بين ايدنيا الزمان كأنه سحبة قوس في أوتار كمان بكلماته عبر عن الزمان.. وبكلماته نقدمه ونحتفل معه بوصوله سن السبعين، سيد حجاب الذي قدم نفسه قائلا: أنا ابن بحر ابن بحر ابن بحر ابن النسيم اللي رضع من السما رضع حليب النجمة حنية وفجر صاحب التركيبات الجذابة، المشيرة إلي أفكار خاصة لم تخش شيئا فقدمت لنا تركيبة مختلفة من الشعر لتعلن عن المتعة وتصنع عالمه الخاص. احتفل حزب التجمع ومجلة أدب ونقد ببلوغ حجاب السبعين من عمره خلال احتفالية كبيرة الأربعاء الماضي حضرها مريدوه ومحبوه أدارها الشاعر حلمي سالم، وشارك فيها من المتحدثين د. رفعت السعيد، ود. عبدالمنعم تليمة، ود. عزازي علي عزازي والشاعر مسعود شومان والشاعر محمود الحلواني والشاعر محمود الشاذلي ود. صلاح السروي والفنانة ريم حجاب، والفنانان: أحمد جمال ووائل فؤاد، والكاتبة فتحية العسال. د. رفعت السعيد بدأ حديثه قائلا: الشعر سيد الكلمات وسيد حجاب سيد الشعر، وتطرق إلي الشعر المصطنع الذي لا تشعر بصدقه والشعر الحقيقي، واصفا سيد حجاب برجل ينبت الورود في حديقة الوطن ليظل نموذجا مثيرا يرفض الغواية ونموذجا لمن صمدوا في ساحات الوطن لأنه لم يدع شيئا وظل علي مبادئه، مؤكدا أننا نحتفي بالقيم الأساسية التي ينتمي لها الفن الحقيقي ونحتفي برجل قال ما أراد أن يقوله وما أمره الوطن أن يقول. وأضاف د. السعيد أن عيده السبعيني يأتي في زمن صعب لا مخرج منه إلا من خلال المثقفين ودعا السعيد لإنقاذ الوطن من خلال التوحد في ساحة تدعوا للعقل والمعرفة للدفاع عن حرية المعرفة وإنقاذ الوطن من هذه الموجة الجديدة الطاغية المعادية لحقوق المرأة والأقباط وليكن سيد حجاب رمزا لهذه الدعوة مختتما كلمته إلي الشاعر الكبير: «سلمت ودمت وعشت لنا قويا عتيا لمواجهة الظلمة، ثم سلمه درع حزب التجمع تكريما له وعرفانا بدوره البارز في مسيرة الشعر الحديث. أما عبدالمنعم تليمة فتحدث عن الحرية الإبداعية والابتكارية التي تنفتح مع الحرية وتضيق مع الاستبداد مع مراوغة الفن حيث إنه في عز الاستبدادية ينهض منتحبا في وجهها. وأكد د. تليمة أننا نشهد صحوة إبداعية الآن علي الرغم من هذا الجمود البيروقراطي، ثم تطرق إلي شعر العامية ومراحل ظهوره حيث إنه لم يكن مشكلة إبداعية يوما حيث إن العامية والفصحي حقيقة واحدة والإبداع لم يعرف هذه الثنائية التعسة. أما عن سيد حجاب فأضاف أنه لايزال في الصف الأول من هذه الطليعة حيث إن الشعر لديه يذهب بعيدا إلي التفلسف وإلي الحكمة والحقائق والسرائر في أدق أبعادها بلغة يستحيل أن تقول إنها عامية أو هي وسط وإنما هي لغة الشعب المصري. الأغنية الدرامية تحدث الشاعر الشاب محمود الحلواني عن المدرسة الشعرية للعامية المصرية والتي علي رأسها بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وسيد حجاب، فيري أن حجاب ينتمي لشعر الأرض وشعر الجذور حيث إنك تشعر في لغته بمستويات إيقاعية ممتلئة بالتجربة الشعرية متفاعلة مع الوجود، فلكل حرف من حروف قصائده سره الخاص إذ تأخذ المفردات قوة القافلة، أما عن أفضل إنجازاته من وجهة نظره فهي «الأغنية الدرامية» حيث اعتبرها إنجازا في مجال الشعر لأنها غيرت من التعامل مع الأغنية علي اعتبارها درجة ثانية. أما د. صلاح السروي فأكد أن شعر العامية المصرية ليس مجرد استخدام للهجة العامية بل هو تراث كامل واستشهد بكلمات حجاب: علي الساقية النواحة والعود شجرة دقن الباشا والدود خساسة النجاسة والنخاسة والسياسة وقلة الحساسة.. حيث عبرت عن الوفاء الكامل لهذا التعشيق والحرفية في استخدام الكلمات ليست فقط للدلالة علي المعني ولكن لخلق تلك الذوقية. ويطور سيد حجاب الموروث الفني بالإيقاع، فيقول السروي: إنه بفضل هذا الشاعر راح الأدب المصري يتشامخ داخل الآداب الكبري في العالم. أما الشاعر والباحث مسعود شومان فقد استشهد أيضا بأبيات من شعر سيد حجاب شارحا دلالتها ومعانيها منها: يا بلدنا يا بنت الإيه.. ياما نفسي أبوسك أعضك أداديكي.. أحلب لك بقرة أحلامي وأغديكي.. لكن الأولاد في البيت جعانين.. ويوضح شومان أن حجاب يشير دائما إلي الأصوات والحرفية في قصائده، وأن كلمة الشعر هي مبتغاه وغايته وهي الفاعلة «فين الكلمة تبرق في العتمة وتفتح بصر الأعمي». أمين علي القارئ هكذا وصفه د. عزازي علي عزازي مؤكدا أنه صادق في التعبير عن نفسه وعن وعيه ومشروعه الإبداعي والفلسفي والسياسي في علاقته بالمتلقي، فقد جهز وحشد كل الأدوات اللازمة لمسيرة شاعر كبير، تعلم من الصيادين أن يكون صيادا للمعاني مؤهلا ومستوعبا ومتمثلا لكل الطبقات الشعرية. مضيفا أننا أمام صفحة فنية شديدة العمق قدمت هذا الوعي بشكل جمالي بسيط، ففي قصيدته «قبل الطوفان الجاي» يبشر بالكادحين لحمل لواء التغيير في العالم فيهدي للمتلقي المعرفة، لأنه شاعر غير متواطئ، ويجعل الناقد يستخدم أدوات جديدة لتفسير نصه الفني فلا يجعله كسولا بل يلم بخريطة معارف واسعة. وتحدث الشاعر محمود الشاذلي مؤكدا أن حجاب جعل الشعب المصري والعربي يتغني بجميع أعماله، أما الكاتبة فتحية العسال فاكتفت بوصفه أنه اختزل بداخله 1700 عام من الوطن ظهر من خلال أشعاره خاصة «تترات المسلسلات» وتذكر أنه بعد «كامب ديفيد» وانقسام المصريين حول قبولها أو رفضها خرج سيد حجاب ليحسم الموقف قائلا: «خايف لو فوقت في ليلة النصر، ألاقينا كسبنا سينا بس خسرنا مصر» تخللت الحفل فقرات غنائية من أشعار سيد حجاب بمشاركة ريم سيد حجاب وأحمد جمال ووائل فؤاد.. وبعدها تحدث المحتفي به شاعرنا الكبير ممتنا لكل من تحدث أو حضر، بادئا بالحق والخير والجمال مؤكدا أنه بكي بداخله طويلا من هذه المحبة الغامرة، ثم أمتع الحاضرين بثلاث قصائد هي: نص الطريق، إعلان وسيجارة، معادلة عبرية.. خاتما: الموت طرف/ وعيشة القرف طرف ولما تصبح الحقيقة عار/ والكدب علي النفوس شعار بتصبح البيوت قبور.. بلا صبار ويصبح السكوت ترف/ ساعتها يبقي الموت طريقنا للشرف».