يراقب القادة العرب بقلق كبير، كيف أجبر المتظاهرون الشبان في تونس الرجل القوي المعمر في البلاد، الرئيس «زين العابدين بن علي» علي التنحي وسط تساؤلات عما إذا كان المشهد سيتكرر في المنطقة! وتقول وكالة رويترز للأنباء، في تحليل كتبه «توم بفيفر»، إن قلة تعتقد أن تونس ستكون «غدانسك العرب» لتبشر بسقوط أحجار الدومينو، مثل الذي حدث في أوروبا الشرقية عام 1989. وذلك في إشارة إلي مدينة غدانسك في بولندا، التي انطلقت منها شرارة حركة التضامن إلي باقي أوروبا الشرقية. ولكن التحليل يري أن هناك احتمالا ضئيلا لتكرار ما حدث في تونس، وانتشاره بسرعة ليسقط الحكومات الاستبدادية في الوطن العربي، في ظل وجود حركات معارضة ضعيفة ومحبطة. ولم يتضح بعد - وفق التحليل - ما إذا كان رحيل «بن علي» سيحسب لصالح الثورة والديمقراطية، أم أنه مجرد تغيير وجه السلطة القائمة. ويشير إلي أن البعض يتساءل، إلي متي يمكن لحكام المنطقة الآخرين المنتشبثين بالسلطة، والذين لا يحظون بشعبية، الاعتماد علي ما وصفها بالطرق القاسية القديمة للبقاء في السلطة. وكتب «ستيفن كوك» من مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة في مدونة هذا الأسبوع «قد لا تكون الأيام الأخيرة لبعض الحكام الأقوياء في المنطقة»، وأن متابعة الاضطرابات غير المسبوقة في تونس عن كثب، وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث ارتفاع معدلات البطالة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وارتفاع التضخم، كلها عوامل تثير قلقا شديدا. ورغم أن الديمقراطية حلت في العقود الأخيرة محل الاستبداد، في مناطق بالعالم كانت تعاني من الطغاة، فإن الحكومات في العالم العربي تكاد تكون موحدة بالاستبداد، والقبضة الأمنية المشددة، «وفق التحليل». ويري البعض أن رحيل الرئيس التونس، فضلا عن الجهود المبذولة في الجزائر لتهدئة الغضب بسبب ارتفاع الأسعار، قد كسر حاجز الخوف الذي عمر طويلا في المنطقة. وينتقل التحليل عن الطالب اللبناني «كمال محسن» (23 عاما)، قوله، إنه ينبغي علي الشباب في جميع أنحاء العالم العربي الخروج للشوارع، وفعل الشيء نفسه، لقد حان الوقت للمطالبة بحقوقنا. وأضاف «أن القادة العرب يجب أن يكونوا خائفين جدا» مشيرا إلي أن انتصار التونسيين، كسر حاجز الخوف، وما يحدث هناك سوف يكون معديا، مؤكدا أن ذلك ليس إلا مسألة وقت، معتبرا أن ما حدث أكبر من مجرد حلم في منطقة، ظل الناس فيها يرددون «ماذا يمكننا أن نقوم به؟». تحذير للحكومات واعتبر كاتب التحليل أن ما وصفها بالدراما التونسية بمثابة تحذير للحكومات العربية، التي لاتزال تعتمد علي قبضة حكومية أمنية مشددة وتسيطر علي وسائل الإعلام وتسحق المعارضة. وأشار إلي أنه يمكن للفضائيات الإخبارية والمواقع الاجتماعية علي الإنترنت تجنب مثل هذه «التكتيكات الاستبدادية» وتحويل احتجاج شبان محبطين في مناطق معزولة إلي حركة واسعة النطاق. وتقول جماعات حقوقية في تونس إن الحكومة حظرت الوصول إلي الكثير من مواقع الإنترنت، لكن ذلك لم يوقف النشطاء عن تحميل أشرطة الفيديو عن متظاهرين قتلوا، وأصيبوا خلال الاحتجاجات علي الشبكة العنكبوتية، مما أثار مزيدا من الغضب، وأعطي زخما للاحتجاجات. تنازلات الحكام بعد زلزال تونس ويقول تقرير آخر عبر «رويتر» إن ما حدث في تونس لقي اهتماما كبيرا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، حيث يشكل الشباب دون سن 25 عاما، ثلثي السكان، وقدمت حكومات تلك الدول تنازلات بشأن الوظائف، وخفض أسعار الغذاء. فقد تراجعت أعمال الشغب في العديد من المدن الجزائرية مطلع الأسبوع الماضي، بعد أن وعدت الحكومة بفعل كل ما هو ضروري لحماية المواطنين من ارتفاع كلفة المعيشة، كما أعلنت ليبيا والمغرب والأردن أيضا عن خطط لتخفيف أسعار السلع الأساسية، لكن صندوق النقد الدولي يقول إنه مع ارتفاع معدلات البطالة الحالية، فإن المنطقة بحاجة إلي ما يقرب من 100 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2020. ومن خلال تشابه بعض المعطيات، يمكن لأي شخص توقع سيناريو اندلاع انتفاضة شعبية في مصر، التي تستورد نصف طعام سكانها البالغ عددهم 80 مليونا، وتصل نسبة التضخم فيها أكثر من 10%. ويقول التقرير: لقد فشلت حملة علي شبكة الإنترنت في مصر للتغيير السياسي، لكن يمكن حدوث هذا التغيير إذا تصاعد الاستياء من التضخم في أسعار المواد الغذائية، يغذيه الشعور بالضيق من الركودين السياسي والاقتصادي وانعدام الفرص والحرية، خاصة بالنسبة لجيوش الخريجين من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام، مع احتمال ضئيل في الحصول علي عمل مناسب لهم. ويقول محللون آخرون إن شبكة الإنترنت لديها القدرة علي تحويل المطالب المحلية المتفرقة إلي حملة سياسية متماسكة، وأشاروا في هذا السياق إلي ما حدث في إيران في انتخابات عام 2009 حيث ساعد علي خروج الحشود إلي الشوارع.