تشير العديد من الوقائع والمعطيات إلي تزايد نشاط المجموعات المتطرفة التي تشكل فروعا لتنظيم "القاعدة" في منطقة القرن الإفريقي وبلاد المغرب العربي واليمن، ربما حتي علي حساب "التنظيم الأم" الذي ينشط في منطقة القبائل علي الحدود المشتركة بين باكستان وأفغانستان. ويلاحظ في هذا الصدد تنامي نفوذ ونشاط حركة "الشباب المجاهدين" في الصومال، التي سبق لها وأعلنت عن ولاءها ل"القاعدة"، وباتت تسيطر علي معظم أرجاء جنوب الصومال ووسطه، بما في ذلك أجزاء واسعة من العاصمة مقديشو، وتشن عمليات متلاحقة ضد حكومة الرئيس الشيخ شريف أحمد والقوات الإفريقية التي تدعمها، والتي لا تسيطر إلا علي جيوب متفرقة في العاصمة. وفي المغرب العربي يلاحظ كذلك تزايد نشاط وحضور المجموعات التي تسمي نفسها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، خصوصا في الجزائر والمغرب وفي موريتانيا مؤخرا، التي شهدت عمليات خطف لعدد من الأجانب علي يد التنظيم المذكور. وتفيد وقائع علي الأرض وتقارير استخباراتية غربية، أن فرع "القاعدة في جزيرة العرب" الذي يتخذ من اليمن مقرا له، بات يشكل تهديدا متزايدا، ليس للسلطات اليمنية فحسب، بل لبعض الدول الإقليمية والغربية ومصالحها المنتشرة في مختلف أرجاء العالم، بعد أن تبين أن هذا التنظيم لعب دورا مباشرا في تدريب وإرسال عدد من الانتحاريين لتنفيذ عمليات هنا وهناك، في السعودية والولايات المتحدة مثلا. في الصومال وفي الصومال، هذا البلد الذي لم يحظَ بحكومة مركزية قوية وفعالة منذ العام 1991، ومنذ ذلك الوقت يتناوب أمراء الحرب وزعماء الميليشيات والجماعات المتطرفة المتسترة خلف الإسلام، علي إذكاء نار الحروب والصراعات التي لا تنتهي فيه. والتي يزيد من اوارها التدخلات الإقليمية والدولية، وتدور غالبا داخل طبقة سياسية فقدت صوابها وبوصلتها، وتبحث عن مصالحها أولا وأخيرا، وتجد في السلطة والصراع عليها أقصر الطرق للوصول إلي الجاه وجمع الثروات، بعيدا عن أي تفكير بمستقبل الصومال ومصير مواطنيه. وآخر تلك الصراعات هي التي دارت بين الرئيس الصومالي الشيخ شريف أحمد ورئيس الحكومة عمر عبد الرشيد علي شرماركي، وأدت إلي استقالة الأخير في (21/9) بعد أشهر من ضغوط مورست عليه بهدف التنحي عن مركزه. في وقت رأي فيه المراقبون أن الرئيس الصومالي الذي يعيش أوقاتا لا يحسد عليها، كان يبحث عن كبش فداء، وهو يحاول تأكيد سلطته علي حكومة هشة لا تسيطر إلا علي مساحات قليلة في العاصمة. تبادل الاتهامات وقد اعتاد الصومال المفكك علي أن يوجه الرئيس اتهامات الإخفاق إلي رئيس وزرائه، علي خلفية طرائق وسبل تسيير السلطة واتخاذ القرارات الأساسية، ولم يستغرب المهتمون بشئون الصومال استفحال الخلاف بين شريف أحمد وشرماركي حول مسودة دستور نشر اغسطس الماضي بدعم من الأممالمتحدة والدول الغربية، واقترح شرماركي المصادقة عليه في البرلمان ومن منظمات المجتمع المدني بمسوغ أن الظرف الأمني في البلاد لا يسمح باستشارة المواطنين وأخذ آرائهم، في حين أصر الرئيس علي إخضاع المسودة لاستفتاء شعبي بعد استشارة واسعة ومستفيضة. ويتهم شريف أحمد شرماركي بتكوين علاقات حميمة مع بعض الدول المانحة وتوثيق علاقاته مع الأممالمتحدة التي كانت تموّل مسودة الدستور، الذي هو من متطلبات اتفاق السلام في جيبوتي عام 2008، من دون علم الرئيس واستشارته. وكان شرماركي بالفعل كون لجنة مؤلفة من 12 شخصا من أعضاء مجلس الوزراء والبرلمان لإعداد انتقال البلاد من "إدارة مؤقتة إلي إدارة دائمة"، من دون أن يأخذ رأي الرئيس. ولذلك سعي الأخير للتخلص منه في أيار (مايو) الماضي، لكنه اضطر للتراجع عن قرار إعفائه من منصبه بعدما ساندت شرماركي قبيلته "هارتي". وجاء الخلاف الأخير علي مسودة الدستور مجرد ذريعة من قبل الرئيس لخلع رئيس الوزراء بطريقة قانونية. ويقول مقربون من الرجلين أن ثمة تكهنات بأن شريف أحمد يرغب في تمديد ولايته التي ستنتهي في آب (أغسطس) من هذا العام ، أنه ربما يعتقد أن بقاء شرماركي في منصبه بات يمثل حجر عثرة في تحقيق طموحه هذا. ويضيفون إلي ذلك أن هناك خلافا بينهما بشأن من يتحمل مسئولية فشل الحكومة في تحقيق أي من مهماتها الأساسية، خصوصا الأمن والمصالحة، إذ يقف مقاتلو "حركة الشباب" علي مسافة قريبة من القصر الرئاسي. نقلا عن محرر الشئون العربية