تفجيرات الإسگندرية استهدفت إثارة حالة من الفوضي والاضطراب في عام الانتخابات الرئاسية أحد الخبراء بجهاز أمني مهم يؤكد أنه في حالة عدم وجود جثة أو أشلاء «الانتحاري» بين الضحايا، وفي ظل عدم وجود نقطة ارتكاز للانفجار أسفل السيارة، فإن المرجح أن الشخص الذي نزل من السيارة التي توقفت أمام الكنيسة قام بإعطاء حقيبة «مملوءة بالمتفجرات» لأحد الأشخاص الخارجين من الكنيسة وطلب منه تسليمها لأحد الموجودين داخل الكنيسة وذكر له اسما سواء كان حقيقيا أو وهميا، أو طلب منه تسليم الحقيبة لكاهن الكنيسة أو لأحد المسئولين بها بدعوي احتوائها علي مساعدات للفقراء كتبرعات، بطبيعة الشعب المصري الطيبة استجاب الشخص الواقف أمام الكنيسة وحمل الحقيبة التي انفجرت بعد دقائق من ابتعاد المتورط في التفجيرات، الأمر بهذا «التصور» يتطلب تكثيف الجهود الأمنية للبحث عن المتورطين خاصة في ظل إدلاء بعض شهود العيان بملامح ومواصفات الشخص الذي نزل من السيارة أو الشخصين في روايات أخري في تحقيقات النيابة. هذا وتواصل النيابة التحقيقات في الاعتداءات الإرهابية الغاشمة علي كنيسة القديسين بسيدي بشر تحت إشراف المحامي العام لنيابات شرق الإسكندرية، تحاول جهات التحقيق كشف كيفية ارتكاب الجريمة الغادرة والمتورطين في الحادث البشع الذي أدي لمقتل 21 من الأطفال والنساء وكبار السن وإصابة ما يقرب من 100 من الموجودين أمام باب الكنيسة بعد أداء صلاة استقبال العام الميلادي الجديد، لم تتمكن أجهزة الأمن حتي الآن من تحديد كيفية تنفيذ الجريمة بعد أن أصدرت وزارة الداخلية بيانا في أعقاب الحادث يشير إلي أن سيارة مفخخة بالمتفجرات وراء الانفجار الهائل الذي أطاح بجثث الضحايا وحولها لأشلاء ودماء متناثرة تلتصق بالحوائط الخارجية للكنيسة. ثم عادت الداخلية لإصدار بيان آخر يرجح قيام شخص إرهابي مفخخ بتفجير نفسه في عملية انتحارية واستبعاد وجود المتفجرات بالسيارة لعدم وجود فجوات بالأرض أسفل السيارة، لحسم الأمر طلب المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام استعجال تقارير الطب الشرعي والمعمل الجنائي، وسرعة فحص وتحليل جثث وأشلاء الضحايا واستخدام حامض D.N.A للتعرف علي الأشلاء وبيان أسمائها طبقا للضحايا الذين لم يتم التعرف علي أجسادهم، إذا تبين وجود أشلاء أو جثة ليست من ضحايا الكنيسة ولم يتم التعرف عليها بعد تحليل D.N.A فيمكن أن تكون جثة الانتحاري الذي فجر نفسه، مما يؤكد أن العملية انتحارية، أما في حالة التعرف علي جميع الجثث والأشلاء وتسليمها فإن المؤكد أن العملية ليست انتحارية، وفي ضوء عدم وجود فجوة أرضية ناتجة عن تفجير السيارة التي توقفت بشكل مفاجئ أمام الكنيسة، فيمكن استبعاد احتمال تفجير السيارة عن بعد بشكل قاطع. تصعيد خطير التفجيرات الإرهابية التي تم التخطيط لها بعناية لإيقاع أكبر عدد من الضحايا الأبرياء من الأقباط سواء جري تنفيذها بسيارة مفخخة أو باستخدام انتحاري فإنها تمثل نقلة نوعية وتصعيدا خطيرا باستهداف الأقباط بأساليب أكثر شراسة وعنفا وإرهابا، فالأحداث الإرهابية التي تعرض لها الأقباط طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي كانت تتم بأسلوب فردي أو عشوائي بسبب خلافات أو افتعال صراعات وبعيدا عن أماكن العبادة، حتي أحداث نجع حمادي التي وقعت ليلة عيد الميلاد العام الماضي وأدت لمقتل ستة أقباط بالقرب من الكنيسة ارتكبها شخص بلطجي من معتادي الإجرام، وأحداث الكشح بمحافظة سوهاج التي اندلعت أوائل عام 2000 بسبب مشادة وخلافات بين تاجر مسيحي وأحد المسلمين وأدت لمقتل عدد يقارب أعداد ضحايا كنيسة القديسين بالإسكندرية وقعت لأسباب وإن كانت واهية إلا أنها في النهاية فجرت حالة الاحتقان الطائفي. أما التفجيرات الأخيرة فإنها وقعت دون أسباب واضحة، سوي بادعاء جماعة تنتسب لتنظيم القاعدة «دولة العراق الإسلامية» احتجاز أسيرات مسلمات لدي الكنيسة القبطية. وأطلقت الجماعة تهديدات باستهداف الكنائس المصرية حتي يتم تحرير الأسيرات، رغم أن موضوع وفاء قسطنطين حدث منذ 6 سنوات وكاميليا شحاتة مر عليه حوالي ستة شهور. وفي ضوء عدم وجود خلايا تنظيمية «للقاعدة» في مصر، فإنه يمكن استبعاد التورط المباشر للتنظيم في ارتكاب الجريمة، مع ملاحظة تنظيم احتجاجات أسبوعية بمساجد الإسكندرية ضد البابا شنودة والكنيسة القبطية وترديد هتافات ضد الأقباط وتمزيق صور البابا شنودة من جانب القيادات المتطرفة التي يبدو أن دعوة تنظيم القاعدة لقيت هوي وتجاوبا من بعض الخلايا المتطرفة التي تنتمي لجماعات إسلامية موجودة علي الساحة المصرية فقامت بالتنفيذ. غير أنه يجدر الالتفات بجدية إلي أن توقيت تنفيذ الجريمة ليس قريبا من التوقيت الذي أثيرت فيه ادعاءات احتجاز كاميليا شحاتة في الصيف الماضي، بل جاء توقيت تفجيرات كنيسة الإسكندرية بعد مرور حوالي شهر علي إجراءات الانتخابات البرلمانية التي تم إقصاء مرشحي جماعة الإخوان المسلمين من الفوز خلالها بأي مقعد من مقاعد مجلس الشعب، لدرجة إعلان د. مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون العربية والأمن القومي بمجلس الشوري عن مخاوفه من لجوء الإخوان المسلمين للعمل السري بعدما حدث في انتخابات مجلس الشعب وعدم حصولهم علي أي مقعد بالبرلمان، بذلك تزايدت الدوافع الانتقامية ضد نظام الحكم باستخدام الأقباط كوقود لإشعال الأوضاع وهز الاستقرار وإثارة الرأي العام داخليا وخارجيا في بداية عام إجراء الانتخابات الرئاسية. رد فعل عنيف لقد أدركت مؤسسة الرئاسة أبعاد التفجيرات وأنها تستهدف بالأساس إحداث حالة من الفوضي وعدم الاستقرار بين المواطنين وبث نوازع الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد، لذلك وجه الرئيس مبارك كلمة للشعب بعد ساعات من ارتكاب الجريمة مؤكدا أن «دماء أبنائنا لن تضيع وسنقطع يد الإرهاب والمتربصين» وذلك للمرة الأولي بعد أحداث اتخذت الطابع الطائفي. كما أن التفجيرات استهدفت هز الكرسي البابوي بالإسكندرية الذي انطلقت منها المسيحية في مصر علي يد مار مرقس، حيث يطلق علي رأس الكنيسة القبطية «بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية»، وجاءت قبل أيام من احتفالات عيد الميلاد لبث الرعب والخوف في نفوس الأقباط والتأثير علي إقدامهم علي حضور قداسات الميلاد بكل الكنائس. إذا كانت التفجيرات تمثل نقلة نوعية فإن مواجهة ما حدث من جانب شباب الأقباط اتسم بالانفعال والاحتجاجات العنيفة نتيجة للشعور بالظلم وعدم المساواة وانتهاك الحقوق، لقد انطلقت هتافات «عوزين حقوقنا» داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أثناء تقديم د. الطيب شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية ووزير الأوقاف لواجب العزاء للبابا شنودة في ضحايا الحادث الأليم، بل حاول بعض المتظاهرين الاعتداء علي الزائرين خلال مغادرتهم للمقر البابوي، كذلك حاولت جموع المشاركين في صلاة الجنازة علي الشهداء بدير مارمينا بصحراء مريوط مساء «السبت» الماضي الاعتداء علي كبار المسئولين الذين حضروا الصلاة وتم إخراجهم من باب خلفي، ردد الحاضرون خلال توديع الشهداء هتافات تطالب بعزل عادل لبيب محافظ الإسكندرية الذي كان يجلس بجوار د. مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والنيابية واللواء عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية وأحمد المغربي وزير الإسكان. تصاعدت هتافات «شيلو المحافظ» الذي ظهرت علي وجهه علامات الإحراج، عندما وجه الأنبا يوأنس سكرتير البابا الشكر للرئيس مبارك خلال الكلمة التي ألقاها بعد صلاة الجنازة تصاعدت هتافات الحاضرين احتجاجا واعتراضا قائلين: «لأ.. لأ.. لأ». أيضا.. في أعقاب التفجيرات مباشرة حاول بعض شباب الأقباط المنفعلين في حالة هياج بتأثير الدماء المتدفقة والأشلاء التي طارت في الهواء حاولوا اقتحام المسجد الذي يبعد عدة أمتار عن الكنيسة وإشعال النيران بداخله بإلقاء الزجاجات الحارقة وتحطيم زجاج النوافذ والأبواب، وقاموا بتحطيم عدد من سيارات الإسعاف ورفض نقل جثث الضحايا خارج الكنيسة، لم تتمكن قوات الأمن السيطرة علي الموقف إلا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والاشتباك مع الشباب الثائر، إنها تراكمات الإحساس بالظلم، ورواسب تراكم الشعور بالتمييز، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضد من يعبثون بأمن الوطن، وترك مشاكل الأقباط دون حلول. مشاعر سلبية أشار البيان الصادر عن مجمع كهنة الإسكندرية والمجلس الملي السكندري إلي تزايد الشحن الطائفي ضد الأقباط بالإسكندرية خلال الفترة الماضية والافتراءات الكاذبة ضد الكنيسة ورموزها عقب كل صلاة جمعة بمساجد الإسكندرية، فيما كانت أجهزة الأمن تتفرج علي ما يحدث وكأنها تتابع مشاهد فيديو مصور، ورغم العلاقات الطيبة التي تربط بين أبناء الوطن الواحدفإن التقاعس عن معاقبة المجرمين الذين يعتدون علي الأقباط ويهددون أرواحهم وممتلكاتهم يزرع الغضب والكبت ويبث الشعور بالاضطهاد في نفوس الأقباط، هذه المشاعر السلبية تنفجر في وجه الآخر عند أول حادث يتخذ طابعا طائفيا حتي لو كان هذا الآخر غير مسئول عنه مباشرة وغير متورط فيه إطلاقا، وحتي لو كان الحادث يستهدف بالأساس هدم الوطن علي رءوس كل أبنائه. وحتي الآن لم تصدر الأحكام القضائية الرادعة ضد المجرمين المتورطين في قتل الأقباط بنجع حمادي في يناير من العام الماضي، مر عام كامل والقضية يتم تأجيلها من جلسة إلي أخري رغم اعترافات المتهمين، عدم حسم القضية يشجع الإرهاب ويعمق الشعور بالظلم وعدم تحقيق العدالة، لقد وصلت الأمور إلي حد تورط نظام الحكم في الاعتداء علي الأقباط كما حدث في العمرانية وذلك بدعوي بناء كنيسة للصلاة بدلا من مبني للخدمات الاجتماعية بحسب الترخيص الصادر من محافظة الجيزة، أدت مواجهات قوات الأمن مع الأقباط إلي مقتل اثنين من الأقباط لأن البناء تم بدون ترخيص!! الحشود الأمنية التي واجهت الأقباط بالعمرانية والقبضة العنيفة في التعامل مع مخالفة بناء في منطقة تزخر بالتجاوزات والمخالفات حدث في أعقاب تهديدات تنظيم القاعدة باستهداف الكنائس من أجل الأسيرات المسلمات. فالمخالفة لا تستدعي كل هذا الاستنفار الأمني فقد حدثت من قبل وستحدث في المستقبل في ظل التضييق المفروض علي بناء الكنائس، غير أن نظام الحكم أراد الرد علي تهديدات القاعدة بإظهار القوة والبأس في التعامل مع الأقباط والاعتداء عليهم حتي لو حاولوا بناء منارة لمبني تقام فيه الصلاة منذ زمن!! باعتقاد أن ذلك يسحب نوازع التطرف والتشدد من تحت أقدام المتطرفين، ليمارس النظام نفسه ذات المهام لحماية أركانه من الفوضي والانهيار لو تم تنفيذ التهديدات بأيدي ومعرفة آخرين، لتثبت التفجيرات الأخيرة أن مجاراة المتطرفين والخضوع لرغباتهم لن يحمي نظام الحكم، لأن أهدافهم أكبر بكثير مما يعتقد النافذون في أجهزة الحكم، تتسع لتستهدف أساسا إزالة النظام القائم عن طريق ضرب الأقباط لإحداث فتنة طائفية وحالة فوضي واضطراب. لقد انشغل الحزب الحاكم بالاستيلاء علي مقاعد مجلس الشعب ومنع المعارضة والتيارات الدينية من التعبير عن الآراء في العلن.. ليفسح المجال واسعا أمام المتطرفين للعمل السري تحت الأرض بتدبير تفجيرات دموية تسيل دماء الأبرياء.