تعد منطقة الجمالية واحدة من أفضل بقاع مصر الدينية والتاريخية والثقافية، وأحد أحياء قاهرة المعز تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ لما تحويه من مساجد تاريخية وآثار إسلامية وكنائس مسيحية ومعابد يهودية، بل إن كسوة الكعبة الشريفة كانت تخرج من مصلحة الكسوة الشريفة بشارع الخرنفش والتى صارت فيما بعد مخازن للبريد.. ومازالت تلك الآثار شاهدة على عظمة مصر والمصريين من العصر المملوكى والفاطمى حتى التاريخ الحديث. كما احتضنت الجمالية العديد من الشخصيات والفنانين والكتاب والزعماء أمثال نجيب محفوظ وليلى مراد ووزير التموين السابق محمد أبوشادى كما احتضنت والد الزعيم جمال عبدالناصر، الذى كان يعمل بمكتب بريد الخرنفش وأخيرا مولد الرئيس المنتظر ووزير الدفاع السابق المشير «عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسي». وعن حياته وذكرياته بين جدران حارة البرقوقية المتفرعة من شارع الخرنفش بالجمالية كان لنا هذا اللقاء مع جيرانه وأصدقاء الدراسة وبعض ممن عاصروه. «على حصان» محاسب «62 عاما» منسق حملة كمل جميلك بشارع الخرنفش وأحد سكان منزل المشير عبدالفتاح السيسى وزميل شقيقه المستشار أحمد السيسى فى الدراسة قال إن أسرة المشير كانت تعيش معه فى نفس العقار بالطابق الرابع ووصفها بأنها أسرة محافظة جدا وكان والده يخشى على أبنائه من الانخراط مع أبناء المنطقة خاصة ذى الأخلاق الفاسدة وكان يحثهم على العمل والاجتهاد والتفوق وكان يصحبهم للعمل معه فى البزارات الخاصة بهم فى خان الخليلى بعد اليوم الدراسي.. وكانت والدته سيدة فاضلة وكريمة نحترمها جميعا ونناديها يا أستاذة. المشير والشعراوي وكنت زميل دراسة لشقيق المشير عبدالفتاح وهو المستشار أحمد السيسى حيث كان المشير أصغر منى بعامين وكنا نذاكر معا فى منزل العائلة حتى انفصلنا فى الشهادة الإعدادية، حيث التحق المستشار أحمد بمدرسة الحسين الإعدادية التى تضم المتفوقين، بينما ذهبت أنا لمدرستى السلحدار الإعدادية وكنا نجتمع بصحبة «المشير عبدالفتاح السيسي» كل جمعة بمسجد الحسين لأداء صلاة الجمعة وكنا ننصرف عقب الصلاة بينما كان المشير حريصا على الاستماع للدرس الأسبوعى لفضيلة الشيخ «محمد متولى الشعراوي» حتى صارت هناك صداقة بينه وبين المشير. وبعد نجاح المشير فى الشهادة الإعدادية بعد نكسة 1967 أصر على دخوله المدرسة الجوية العسكرية رغم مجموعه الكبير وحالة الانكسار التى تعرض لها الجيش المصرى حتى أصبح بالفعل ضابطا فى الجيش المصرى ثم وزيرا للدفاع. قصة السيدة المسنة ومن المواقف التى لا ينساها أهل حارة البرقوقية قصة السيدة المسنة التى كانت تسكن بالدور الأرضى بمنزل المشير حيث كانت مريضة وتذهب مرة كل أسبوع لعمل جلسات على العظام بقصر العينى وكانت لا تستطيع السير على قدميها ومع هذا كانت لا تسمح لأحد بحملها سوى المشير عبدالفتاح السيسى ليضعها بنفسه داخل السيارة. وكانت أسرة المشير حريصة على توزيع الوجبات على الفقراء فى المناسبات ويفتخر أهالى الجمالية ويقيمون له احتفالا عقب ظهوره على شاشات التليفزيون بعد فوزه بمنصب وزير الدفاع. جمعتنا الحارة وفرقتنا الدراسة بينما وصفه «صلاح أبوعون» 59 عاما زميل المشير فى مدرسة البكرى الابتدائية بالطالب المتفوق الذى امتلك صفة القيادة والزعامة منذ صغره، وكما جمعتنا حارة البرقوقية فى السكن جمعتنا مدرسة البكرى عام 1961 حتى عام 1967 حيث كان من الطلاب المميزين وكان ودودا فى علاقته بزملائه يعطف على الفقراء منهم ويقتسم معهم السندوتشات الخاصة به، وكنا نلعب سويا فى فناء المدرسة ولكننا تفرقنا بعد الابتدائية حيث خرجت من التعليم لأعمل مع والدى فى تجارة الخيش، بينما التحق المشير بمدرسة الحسين الإعدادية نظرا لتفوقه ومجموعه الكبير ومع هذا لم تنقطع الصلة بيننا لأنه كان حريصا على أن يسلم على أصدقائه حتى بعد تخرجه في الكلية الحربية وظلت الصداقة قائمة حتى خروجه من حارة البرقوقية 1986. سيارة الإغاثة ومن المواقف الإنسانية لوالده كانت لديهم سيارة مرسيدس كانت بمثابة سيارة الإغاثة العاجلة فى الأفراح والأحزان لأهل الحارة لأنها كانت السيارة الوحيدة فى المنطقة، وكنا نتعامل كأسرة واحدة لا فرق بين مسلم ومسيحى أو يهودي. ورغم سعادتى بترشحه للرئاسة إلا أنى كنت أتمنى أن يظل وزيرا للدفاع خوفا من اغتياله، لكنه استجاب لنداء الوطن والواجب الوطنى وفضل مصلحة الوطن على حياته الشخصية وحياة أسرته. يعشق الجيش أكد الحاج محيى الدين عبدالفتاح 66 عاما صاحب محل بقالة أن المشير «عبدالفتاح السيسي» منذ طفولته كان يحب الرياضة حيث كان يضع الأسمنت فى صفائح سمنة السلطان ويلعب حديد فوق سطح المنزل كل صباح، وكان يحب الجد ويعشق الجيش ويتصف بالشهامة والمروءة وكان حريصا على أداء الصلاة فى جماعة بمسجد القرافى بالخرنفش وكان أكثر حاجة بيحب يشتريها من عندى الجبنة الرومى والاسطمبولى وكان والده وعمه من أعز أصدقائى وكان والد المشير معروفا فى المنطقة باسم الحاج حسن.. بينما كان من أهم أصدقاء المشير هما العربى قوات خاصة صاعقة ومصطفى المعاون وكان زكريا مدرس الرياضيات أهم المدرسين الذين يذهبون للمشير فى منزله. وقد أسعدنى الحظ حينما التقيت بالمشير أثناء فترة التجنيد فى شهر 11 عام 1974 فى مدرسة الصاعقة حيث كان لايزال ملازم أول ولمست فيه حسن المعاملة والانضباط الخلقى والمهني. مواقف الرجولة ومن مواقف الرجولة التى لا ينساها أهل حارة البرقوقية كان فيه فرح فى الحارة ظل قائما حتى الساعات الأولى للصباح مما أثار سخط أهل الحارة خاصة أنها كانت أيام امتحانات، وعدم توافر الجو الملائم للمذاكرة أو النوم وحدثت مشادة كلامية بين المشير وبين أحد الحاضرين للفرح من هواة احتساء المخدرات والخارجين على القانون، وتطاول بالألفاظ على الفور نزل المشير من منزله وقال له نزلت لك من غير البدلة الميرى ومش عاوزك تعتبرنى «ضابط» أنا منى ليك راجل لراجل ولقنه درس فى الرجولة واصطحبه لقسم الجمالية لعمل محضر بما حدث بينهما.. وأضاف حسن حسين محمود 74 عاما بأن المشير كان رجلا عسكريا ملتزما بكل القيم والأخلاق الفاضلة وكان هو واخواته وجميع أفراد عائلته محبوبين من سكان المنطقة التى مازالت حتى الآن تتمسك بالآداب والأخلاق الدينية.. بينما أشاد «سعيد محمد سعودي» 55 سنة بدور والد المشير بضبط إيقاع الحارة خاصة فى حالة حدوث المشاجرات وكنت واحدا ممن أفتعل المشاجرات لأنى كنت «ولد شقي» ومع هذا كان والد المشير يتدخل ويحتضنى بأسلوب رقيق، ويمنع أحد من الاعتداء على ثم يعنفنى بعد ذلك ومع هذا كنا جميعا نحترمه، والكل يلتزم بكلامه لأنه كان لا يحب التجاوز. مكوجى العائلة محمد المغربى 64 سنة «مكوجى الأسرة» قال إنه كان يعمل فى بداية حياته «مكوجي» لأسرة المشير ووصف المشير بأنه كان شديد الغيرة على أهله وجيرانه ولا يحب التجاوز فى حق أى شخص وكنت فى سن التاسعة حتى الرابعة عشرة من عمرى أقوم بإحضار المكواة الخاصة بملابس عائلة المشير كل أسبوع من المنزل وأقوم بكويها مقابل خمسة وعشرون قرشا فى عام 1960 وكانت ملابس المشير فى المرحلة الابتدائية عبارة عن قميص وبنطلون بينما كان يرتدى والده البدل. وطيلة عمرى لم أكن أرى أحدا من العائلة يجلس على المقاهى أو فى الشوارع وكان والد المشير يفضل الجلوس عند محمد عبدالله بائع الفاكهة. أشاد حسين البدرى 72 عاما بأخلاق والد المشير وحسن معاملته لأهله وجيرانه حيث كان يسلم عليهم أثناء مروره بالحارة بيديه حتى من يجلسون على المقهى التى تقع على ناصية الحارة وتسمى بقهوة الفقي. وصف رمضان عبدالرازق 64 عاما المشير بالرجل الملتزم خلقا وسلوكا حيث كان من المدرسة للمنزل وأحيانا يذهب للعمل مع والده فى «ورشة المبيضة» بالأربعين الخاصة بصناعة الصدف والتحف والكراسى الأرابيسك وأحيانا أخرى يذهب للمذاكرة فى مسجد الحسين والجامع الأزهر وزادته البدلة العسكرية وتدرجه فى المناصب التزاما فوق الالتزام فضلا عن نشأته فى منطقة تتسم بالروحانيات والقيم الدينية مما ساعد فى تشكيل شخصيته. وأشار المقدس رزق إبراهيم 70 سنة إلى أن المشير عبدالفتاح السيسى طول عمره منذ طفولته «شاب محترم» يبغض الأنانية بعيدا عن التشدد ومن المفارقات العجيبة أن تكون الجمالية واحدة من أماكن صناعة العباقرة وتشكيل وجدانهم جمال عبدالناصر – نجيب محفوظ – والمشير عبدالفتاح السيسي. «سعد عبدالسيد بولس» الشهير بجوى 73 سنة صنايعى دهب أضاف أن القدرة الإلهية هى التى جعلت المشير السيسى يتدرج فى المناصب ليصل إلى سباق الرئاسة لينقذ مصر من غباوة الإخوان والإرهاب والفتن الداخلية والخارجية التى تمر بها مصر والشرق الأوسط. مجلس الأمة أشاد محمد أمين 74 عاما تاجر أدوات كهربائية بمواقف والد المشير ووصفه بأنه رجل خدوم اجتماعى مجامل جدا فى الأفراح والأحزان يمتلك الحكمة ورغم أنه عضو فى مجلس الأمة عام 1960 كان دائما ما يتحامل على نفسه فى سبيل إرضاء أهله وجيرانه، وكانت حياتهم حياة ريف خالية من مظاهر الاستقراطية كانوا متمسكين بدينهم ويعرفون للجيران حقهم حتى ولو كانوا من غير المسلمين.. فقد شب حريق فى مخزن للخردة يمتلكه بشاى أيام الاحتلال الإنجليزى واستمر اشتعال النيران لخمسة عشر يوما وكان والد المشير يساعد بشاى فى إخماد هذه النيران بنفسه.. أما ما أتذكره للمشير فى الستينيات هو قيامه بتقديم بوكيه ورد للزعيم جمال عبدالناصر أثناء زيارته لوالده الذى كان يعمل بمكتب بريد الخرنفش فقام الزعيم عبدالناصر برد التحية له وتقبيله واحتضانه. الملاك الطاهر أحمد منصور شحاتة 83 سنة يصف المشير بالملاك الطاهر وأن جميع أفراد أسرته عمرهم ما تجاوزا فى حق أحد بل كانوا نعم الأهل ونعم الجيرة. هذا ما وصفه الأهل والجيران وما احتفظت به جدران حارة البرقوقية لتاريخ طويل حافل بالعطاء لرجل صنعته الأقدار على يديها بعناية إلهية فى حارة البرقوقية بشارع الخرنفش بالجمالية ليكون منقذا لقاهرة المعز والشرق الأوسط من مخططات الغرب الاستعمارية وتبقى الكثير من الذكريات عجز القلم والأهل عن حصرها وكتابة سطورها ويبقى المشير عبدالفتاح السيسى هو وحده من يحتفظ بأسرارها.