منذ أن انطفأ نور عين «مازن» خيم الظلام والحزن وسيطر اليأس والقنوط على أفراد أسرته بالمنزل الريفى البسيط حيث يقطنون بإحدى قرى مركز أشمون بالمنوفية، الأب عامل باليومية يخرج كل صباح متجهما للبحث عن الرزق فى أعمال الزراعة الشاقة. الأم أصيبت بصدمة بعد أن فقد طفلها الوحيد بصره قبل أن يشتد عوده ويبدأ رحلة الشقاء المعتادة لمن يعيشون على هامش الحياة، الصدمة أقعدت الأم وجعلتها زائرة دائمة للوحدات الصحية والمستشفيات الأميرية حيث لا علاج ناجع ولا دواء شافيا، أما الجد فلم يستسلم وأصر على مواجهة التسيب والإهمال الذى تسبب فى فقدان بصر حفيده. تقدم الجد محمد عبدالفتاح عبدالجليل بشكوى لمكتب وزير التعليم طالبا التحقيق ومحاسبة المسئولين بمدرسة طهواى الحديثة بإدارة أشمون التعليمية حيث فقد حفيده بصره أثناء الفسحة، بينما يلهو الأطفال بفناء المدرسة أثناء الفسحة أصيب «مازن» بضربة عصا غليظة فى عينه من طفل آخر، ورغم قناعة «الجد» بالقضاء والقدر وعلمه أن الإصابة القاتلة ليست متعمدة وأنها بسبب «لعب الأولاد» لكنه يبحث عن المسئولين عن ترك أطفال صغار داخل أسوار مدرسة يحملون «عصي» ويلجأون للهو بعنف دون إشراف أو رقابة من إدارة المدرسة، كما أن السيدة مديرة المدرسة اكتفت عقب إصابة التلميذ باحتجازه فى مكتبها، وتقاعست عن القيام بمسئولياتها الوظيفية والإنسانية، فلم تستدع الإسعاف لإنقاذ التلميذ قبل أن يفقد بصره، تكتمت المديرة على الحادثة ولم تبلغ وزارة التعليم ولا حتى أخطرت الإدارة التعليمية بأشمون. لذلك فإن الجد الذى يعمل فلاحا ينتمى لتراب هذا الوطن تجرى فى عروقه قيم وحضارة هذا الشعب لا يلتفت إطلاقا لمحاسبة الطفل الذى أصاب حفيدة ولا يريد شيئا من أسرة هذا الطفل لعلمه أنه «لعب عيال»، لكنه الفلاح الفصيح الذى يبحث عن محاسبة المسئولين حتى لا يتكرر ما حدث مع أطفال آخرين دون ذنب أو جريرة، إنه الإحساس الراقى بالمسئولية عن الآخرين، والعمل على ضمان توفير الأمن والحماية لأطفال آخرين لا تربطهم به صلة سوى أنهم أبناء هذا الوطن. أحيلت شكوى الجد وبلاغ الشئون القانونية بإدارة أشمون التعليمية إلى النيابة الإدارية لإجراء التحقيقات اللازمة ومعاقبة المسئولين عن الإهمال والتسيب الذى أدى لفقدان بصر «مازن». استمرت التحقيقات بالنيابة الإدارية لمدة خمسة شهور وانتهت إلى اتهام عدد من المشرفين بالمدرسة وعدد من المدرسين بأنهم لم يؤدوا العمل المنوط بهم بالدقة الواجبة ولم يتعاونوا فى سبيل أداء الواجبات اللازمة لتأمين سير العملية التعليمية وسلامة التلاميذ. أما مديرة المدرسة رضا عبدالغفور فرحات فقد تقاعست عن اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه إصابة التلميذ أثناء اللعب مع تلميذ آخر ولم تستدع سيارة الإسعاف ولم تخطر جهة الإدارة والوزارة بالواقعة بالمخالفة للتعليمات بحسب ما جاء بتحقيقات النيابة الإدارية. أوصت النيابة الإدارية بمجازاة المشرفين والمدرسين ومديرة المدرسة إداريا وبالشدة الرادعة. اعتقدت أسرة «مازن» أن وزير التعليم سيعاقب مديرة المدرسة بالنقل أو الاستبعاد، غير أن المديرة بحكم شبكة النفوذ والعلاقات لم تتحرك من موقعها مما دفع جد التلميذ لإثارة ما حدث فى إحدى القنوات الفضائية ليرد د. محمود أبوالنصر وزير التعليم على الهواء مباشرة بمعاقبة المديرة بالنقل والاستبعاد من المدرسة. مضى على قرار الوزير على الهواء بنقل المديرة حوالى أربعة شهور ولم ينفذ حتى الآن، إنها قرارات هوائية لإرضاء الرأى العام لكنها لا تنفذ فالسلطة فى حالة سيولة، والكلام المعسول فى الفضائيات سهل ولذيذ!! لقد شارك جد مازن فى ثورة 25 يناير وظل فى ميدان التحرير عدة أيام، وتفاعل مع ثورة 30 يونيو وحمل لافتات ضد حكم الإخوان، ويسير حاملا صورة جمال عبدالناصر ويحلم بتحقيق استحقاقات الثورة بالحفاظ على الكرامة الإنسانية والعدالة ومحاسبة المتقاعسين عن حماية أبناء الوطن.