دور السياسة فى تكرار أزمة أمريكا الاقتصادية بقلم : سمير كرم منذ فترة غير قصيرة يتحدث الاقتصاديون الأمريكيون عن احتمالات تكرار لازمة الانكماش الاقتصادي العظيم التي اصابت الولاياتالمتحدة في عام 1929 واستمرت لما لا يقل عن خمس سنوات . وصحيح ان الولاياتالمتحدة اصابتها ازمات قتصادية عديدة في ربع القرن الاخير الا ان احداها لم تكن ابدا بحدة ازمة عام 1929 . والامر الذي يدفع الى أخذ توقعات الاقتصاديين الأمريكيين بالجدية الكافية ليس يقتصر على حقيقة انها تصدر عن التقدميين او اليساريين وحدهم انما عن اقتصاديين تولوا مناصب مهمة في توجيه الاقتصاد الأمريكي بل ان بعض هؤلاء يعدون من اقتصاديي النظام الراسمالي وليسوا من خصومه . ومنهم من ذهب الى ان الازمة الاقتصادية القادمة لن تكون أمريكية فحسب انما ستشمل دولا رأسمالية عديدة في انحاء العالم . ووصل بعضهم (مثل البروفيسور مايكل تشوسودوفسكي) الى حد الكتابة مؤخرا (4 فبراير 2014) ان البطالة الجماعية وانهيار البرامج الاجتماعية واصابة الملايين من البشر بالفقرتنبيء بان الازمة الاقتصادية ستكون مصحوبة بعملية "حرب بلا حدود تقودها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في حلف الاطلنطي". وكتب جيروم روز (8 فبراير 2014) بحثا بعنوان "مزيد من الادلة على ان الرأسمالية لا تحل ابدا ازماتها". كما كتب نيك باريكمان دراسةبعنوان "قرابة نصف الأمريكيين يعيشون في حالة فقر الى المال السائل". كما كتب بول كريج روبرتس – وهو مسئول سابق في الحكومة الأمريكية – بحثا بعنوان " كيف اغتال اقتصادنا الاقتصاديين وصانعي السياسة". نتيجة هذا فان الظاهرة التي سادت طوال معظم القرن التاسع عشر وعقود القرن العشرين ظلت قائمة فيما مضى من سنوات القرن الحادي والعشرين. وظل الجمهوريون الأمريكيون يصفون حزب خصومهم الديمقراطيين بانهم حزب الحرب . وبالمقابل فان الديمقراطيين يصقون الجمهوريين بانهم ينتمون الى حزب الكساد الاقتصادي . والان خلال السنوات التي مضت من القرن الحادي والعشرين اختلطت الامور لان الحزب الجمهوري الذي تولى الرئاسة الأمريكية من بداية هذا القرن حتى عام 2009 اصبح الجمهوريون يصفون حزب الديمقراطيين بانه ورث الحرب والكساد معا. والحقيقة هي ان ادارة بوش الجمهوري التي تولت الرئاسة الأمريكية من عام 2001 الى بداية عام 2009 اورثت الرئيس الديمقراطي باراك اوباما حروب العراق وأفغانستان واورثته ايضا كسادا اقتصاديا كبيرا وصف بانه أكبر كساد اقتصادي منذ كساد عام 1929. مع ذلك لا يزال التراث الشعبي من التسميات يفعل مفعوله ولا يزال الكتّاب الجمهوريون يلقون بمسئولية الحروب على الديمقراطيين وكذلك مسئولية الفساد الذي بدأ قبل وقت طويل من نهاية رئاسة بوش . الحزب الواحد ولقد ضاق الأمريكيون بالحزبين وباتهاماتهما المتبادلة ، وأصبح التعبير السائد في وصفهما يقول ان أمريكا تخضع لحكم الحزب الواحد الذي يحتل البيت الابيض مرة باسم الحزب الديمقراطي ومرة باسم الحزب الجمهوري . ولا يكاد يكون هناك فرق بينهما في السياسة الاقتصادية . باختصار شديد هما وجهان لعملة واحدة . لكن الشعب الأمريكي اصبح يعرف جيدا ان الازمة الاقتصادية لم تنته حتى وان كانت المؤسسات الاقتصادية الكبرى –بما فيها البنوك العملاقة وشركات التأمين والمؤسسات الاستثمارية قد نالت نصيبها من اموال دافعي الضرائب لتتمكن من مواصلة سياسات جني الارباح ، وهي السياسات نفسها التي أدت الى الوقوع في براثن الازمة الاقتصادية . وقد تكبّد دافعو الضرائب من اجل تمويل هذه المؤسسات الضخمة أكثر من تريليون دولار ، اي الفي مليار دولار ، دون ان يؤدي هذا الى خفض معدلات البطالة الى ما دون مستوى الازمة . ودون ان يؤدي هذا الى رفع خطر الانتقال من صفوف العاملين الى صفوف العاطلين في اي وقت. وحتى الان فان احدا من المسئولين الأمريكيين –من الرئيس اوباما الى رئيس هيئة الاحتياطي الاتحادي الى كبار زعماء الكونجرس بمجلسيه لم يجرؤ على القول بان أمريكا قد تجاوزت الازمة . من روزفلت لأوباما مع ذلك فان الولاياتالمتحدة تبدو خلال الاشهر الاخيرة منقسمة الى معسكرين ازاء المناقشة الجارية في مجلس النواب لقوانين ترمي الى اصلاح النظام المالي – الذي بذل اوباما جهدا هائلا من اجل حمل المجلس على الموافقة عليه باعتباره ضرورة لا تستطيع الولاياتالمتحدة الاستغناء عنها او الافلات منها . على فرض انها تريد اقناع الدول الرأسمالية الاخرى في العالم وخاصة دول الاتحاد الاوروبي بانهاجادة في محادثات الخروج من ازمة النظام الرأسمالي . او أنها تريد تخليص هذا النظام من سماته التي تجعل دخوله في الازمة دوريا امرا حتميا . وهو ما أكدته كتابات مؤسسي الماركسية قبل قرن ونصف القرن. بالتالي فانه لم يكن من المستغرب ان تتخذ المناقشة حول قانون صلاح النظام المالي طابعا يكاد يكون مطابقا لذلك الذي اتخذته المناقشة التي دارت في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين عنما كانت الولاياتالمتحدة تمر بأزمة مماثلة وكان الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت فرانكلين روزفلت يبذل جهودا كبيرة من أجل اقناع الناخبين الأمريكيين بالموافقة على قوانينه الاصلاحية للخروج من الازمة الاقتصادية . وقتها أطلق روزفلت على اصلاح هذه الازمة اسم "الصفقة الجديدة" . وقتها لم يدرك المدافعون عن مصالح الطبقة الرأسمالية ان روزفلت لم يكن يريد ان يغير النظام الرأسمالي انما كان يحاول ان ينقذه من نفسه . ولهذا ذهب خصوم روزفلت وقتها الى حد اتهامه بانه كان يحاول ان يفرض الاشتراكية على الأمريكيين متذرعا بالازمة الاقتصادية. والامر المؤكد الان ان روزفلت ابقى على النظام الراسمالي وبذل اقصى مجهوداته من أجل تقويته . لهذا لم ينقطع تكرار هذا النوع من الازمات طوال السنوات منذ رئاسة روزفلت الى رئاسة اوباما. قراءة الاشتراكيين بعد هذا يلح على أذهاننا سؤال اساسي حول كيف قرأ الاشتراكيون الأمريكيون في زمن روزفلت هذا البرنامج الاصلاحي ؟ لقد نشر نورمان توماس زعيم الحزب الاشتراكي الأمريكي آنذاك – وكان مرشحا للرئاسة هو ايضا في ذلك الوقت (2فبراير 1936)– كتيبا حمل العنوان التالي " هل الصفقة الجديدة اشتراكية؟" . وفيه كانت اجابة توماس الواضحة من السطور الاولى :"الهواء يصفق والصحف مليئة بسياسات الهرج والمرج . ومع ذلك لا يزال هناك عشرة ملايين عاطل في الولاياتالمتحدة . واعادة التوظيف تتخلف وراء الزيادة في الانتاج والزيادة في الاجور النقدية في الصناعة تتخلف عن كليهما ، وعبء الدين يتراكم لاعلى واعلى . والعالم – وأمريكا معه – ينحرف نحو حرب جديدة لا يمكن تصور اهوالها ، حرب لن نتخلص منها بان ننفق من فقرنا أكثر من مليار دولار سنويا على الاستعدادات البحرية والعسكرية دون ان نفعل الكثير لكي نواجه الامر : ماذا نحمي وكيف سنحمي هذا الذي نحميه ؟". لم تنقض ثلاث سنوات حتى كانت الحرب العالمية الثانية تدق الابواب . ولا يكاد الوضع مع باراك أوباما يختلف الا من زاوية واحدة هي ان روزفلت كان يملك قوة زعيم رأسمالي متمكن . لهذا لم يخش ان يصدق أحد انه اشتراكي . أما اوباما فان هذه التهمة تخيفه الى حد لا يمكن وصفه . ولا يكاد يلوح في الافق الأمريكي الان في الباقي من زمن اوباما في الرئاسة زعيم اشتراكي على غرار توماس نورمان الذي كتب وكأنه يعالج الازمة الراهنة " لا وجود الا لانتصار واحد يستحق السعي وراءه من جانب ورثة الثورة الأمريكية .انه انتصار زمالة الناس الاحرار ، اولئك الذين يستخدمون الحكومة كخادم لهم لدفع قوة آلة الوفرة لا آلة الفقر ، آلة السلام لا الحرب ، الحرية لا الاستغلال ."