منذ ثورة 25 يناير 2011 كثر الكلام عن دور النساء فى الثورة ودورهم فى الدفاع عن حقوقهم وكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى تخص المجتمع برجاله ونسائه وأطفاله. ما تفسير مشهد طوابير النساء للإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاءات والانتخابات، ومواجهة النساء للهجمة الظلامية ضدهم فى دستور 2012. وأثناء الثورة على حكم الإخوان، مشهد خروج النساء بالملايين فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو 2013، والإصرار على الوصول فى وفود عديدة إلى لجان الاستماع بالجمعية التأسيسية والإصرار على وضع مطالبهن فى الدستور الجديد، دستور 2013، وأخيرا مشهد خروج النساء للتصويت على الدستور الجديد وطوابيرهن الطويلة فى 14 و15 يناير 2014. إن هذا المشهد لم يكن وليد لحظة أو وليد عمل فردى لنساء سواء نساء الأحزاب أو نساء الجمعيات الأهلية أو نساء الحركات الشعبية أو نساء المنظمات النسوية أو المجلس القومى للمرأة، بل لقد كان هذا المشهد وليد العمل الجماعى الدءوب وجهود كل النساء فى كل تلك الهيئات معا. وهو قد أتى نتيجة عمل جماعى لكل نساء مصر فى كل هذه الأشكال المنظمة تحت راية واحدة هى راية حركة نساء مصر، ويهمنى فيما سيلى الوقوف على تفصيلات هذا العمل والجهد. إذا بدأنا قبل ثورة يناير 2011 لوجدنا كفاح نساء مصر من أجل الحفاظ على الأسرة وخروج النساء للعمل لإعالة الأسر المصرية نتيجة تشريد عدد كبير من العمال وطرد عدد كبير من الفلاحين الصغار من الأراضى وفصل عدد كبير من العاملين فى الشركات المختلفة نتيجة أسباب كثيرة منها بيع شركات القطاع العام والخصخصة، ونتيجة لكساد، والقوانين المجحفة الخاصة بالإيجارات الزراعية، وغيرها من الأسباب التى أدت إلى أن ثلث الأسر المصرية كانت ومازالت تعيلها المرأة. وفى مشهد آخر نرى انضمام عدد كبير من النساء للعديد من الحركات الشعبية للوقوف ضد الفساد والاستبدد والتبعية، والحركات واللجان الشعبية للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق فى الصحة والتعليم والغذاء والسكن. بالإضافة إلى الحركات السياسية مثل حركة كفاية عام 2004، وحركة 9 مارس للدفاع عن استقلال الجامعة 2003، وحركة شايفينكم وضد الفساد 2006، ولجنة الدفاع عن الحق فى الصحة 2007، وحركة لا لبيع مصر 2007، وحركة أطباء بلا حقوق 2007، وحركات التغيير: شباب من أجل التغيير- عمال من أجل التغيير- أدباء وفنانين من أجل التغيير- الحملة المصرية من أجل التغيير- ائتلاف المصريين من أجل التغيير فى إبريل 2009، حركة 6 إبريل فى 2008، والحملة المصرية ضد التوريث فى أكتوبر 2009 والتى تحولت بعد ذلك إلى الجمعية الوطنية للتغيير فى 23 فبراير 2010. وتصاعدت طوال هذه الفترة مطالب المنظمات النسوية لتحسين وضع المرأة المصرية وتجريم العنف الواقع عليها والوقوف ضد العادات والتقاليد الضارة التى تؤذيها بدنيا ونفسيا والنضال ضد الأفكار الظلامية التى سادت فى السنوات الأخيرة باعتبار المرأة عورة واعتبارها وعاءً للإنجاب ، ومحاولة تهميشها. بالرغم من ذلك تصدرت المرأة مشهد إضراب الضرائب العقارية فى نهاية عام 2008 وتصدرت أيضا إضراب 27 ألف عامل وعاملة فى نهاية عام 2007 بمدينة المحلة الكبرى بمصنع الغزل والنسيج، واعتصمت عاملات مصانع المنصورةأسبانيا للنسيج فى الدقهلية ثلاثة أشهر نتيجة لإغلاق المصنع بسبب المشاكل مع المستثمر. ودافعت المرأة عن حقها فى زراعة القراريط لإعالة أسرتها فى ىسرندو فى محافظة البحيرة وفى دكرنس فى الدقهلية وغيرهما من الأماكن. وتصدت المرأة للدفاع عن الأرض التى تعيش عليها فى جزيرة القرصاية والتى كان يريد كبار رجالات الدولة الاستيلاء عليها لتحويلها إلى منتجعات سياحية للأثرياء بالاشتراك مع مستثمرين أجانب. بل وتصدرت المرأة المصرية مشهد حركة أهالى ضحايا العبارة التى غرقت عام 2006 وكان غرقها شاهدا على فساد الحكم فى مصر وليس مجرد فساد مالك العبارة والمسئولين المصريين فى هيئة الموانئ البحرية، بل وقال أحد المسئولين فى تعنيفه للأهالى: "ماكام عبارة غرقت وكم قطار اتحرق ومحدش نطق"!! تكونت فى ذلك الوقت حركة الدفاع عن ضحايا العبارة بمادرة من المحامين بهيئة الدفاع عن المدعين بالحق المدنى ومعهم أعضاء وعضوات من حركة كفاية وبعض أهالى الضحايا من الرجال والنساء، وكانت نموذجا لعمل مشترك قانونى وإعلامى وجماهيرى لوضع القضية على الساحة الداخلية والخارجية مثلما كانت قضية جزيرة القرصاية. لم تكتف المرأة المصرية بهذه الاحتجاجات قبل الثورة ولكن كانت فى مقدمة الصفوف فى ثورة 25 يناير 2011، وكان المشهد العظيم: الجدة والأم والابنة والحفيدة والأخت والزوجة والخالة والعمة خرجن جميعا وافترشن ميدان التحرير وكل ميادين التحرير فى مصر لتزود عن أسرتها وعن حقوقها، عن أولادها وبناتها، لتزود عن الوطن. عندما تعرضت المرأة المصرية للأذى الكبير وتم تعرية وضرب البنات فى أحداث مجلس الوزراء فى ديسمبر 2011 كان ذلك صدمة للنساء وللمجتمع المصرى كله، وكان رد الفعل من جانب النساء قويا. وخرجت مسيرة النساء فى ديسمبر 2011 لتقول: "الشارع لنا- لن نخاف" و"إرفعى راسك ارفعى راسك- إنتى أشرف من اللى داسك". وعندما قدم المجلس العسكرى اعتذارا قالوا: "مش هنقبل الاعتذار- هتك العرض مش هزار"، "قالوا صوت المرأة عورة- صوت المرأة هو الثورة". خرجت تلك المسيرة التى قيل عنها إنها أكبر مسيرة نسائية منذ ثورة 1919، حيث كانت بدايتها فى ميدان التحرير ونهايتها عند نقابة الصحفيين. فى هذه اللحظة أحست النساء بالخطر. شارك فى هذه المسيرة الطالبات والمهنيات- طبيبات –مهندسات –معلمات –جامعيات –صحفيات…الخ من كل أنحاء مصر ومن كل الفئات الطبقية من فلاحات وعاملات وموظفات وسيدات أعمال. انتفضت المرأة للدفاع عن حقوقها دون خوف. منذ هذه اللحظة بدأت نساء مصر تفكر فى العمل الموحد معا: العمل الجماعى تحت مسمى واحد: (نساء مع الثورة). وبدأت الدعوة من المنظمات النسائية ولبّت الدعوة نساء مصر فى الأحزاب والحركات الشعبية والجمعيات الأهلية. وبدأت الدعوة تتسع إلى النساء فى المحافظات وبدأن العمل معا. وكان التحضير لمطالب النساء سواء فى الحركة السياسية أو الاجتماعية، وكانت الاجتماعات والتحضير لمطالب النساء وتقديمها للجمعية التأسيسية فى 2012. ونظمت النساء عملا مشتركا بالمشاركة فى رفع القضية المرفوعة أمام القضاء الإدارى فى إبريل 2012 والتى أصدرت حكمها ببطلان الجمعية التأسيسية. ثم تأسست جمعية أخرى ولكن كان تيار الإسلام السياسى هو الفصيل الأساسى فيها فخرج دستور 2012 مشوها ولا يحمل آمال المصريين ولا يحمل حقوق المرأة المصرية، بل همشها وأضر بحقوقها. وقبل الاستفتاء على دستور 2012 ذهبت المرأة المصرية تحت مسمى حركة نساء مصر، والتى جمعت المرأة من الجبهة الوطنية لنساء مصر (تكونت من النساء فى الأحزاب) واللجنة الدائمة للمرأة (تكونت من نساء جبهة الإنقاذ) ومصريات مع التغيير والمنظمات النسوية وحركات نسائية مثل ضد التحرش وتجريم العنف ضد المرأة وحركة بهية يامصر ورابطة المرأة العربية والاتحاد النوعى لنساء مصر والشخصيات العامة من النساء المستقلات وعدد من الأديبات والإعلاميات، كل هؤلاء نزلوا معا فى 4 أكتوبر 2012 أمام قصر الاتحادية وقدموا وثيقة بمطالب النساء فى الدستور، وقدموا وثيقة بقانون تجريم العنف والتحرش. وكانت مطالب النساء هى: المساواة بين المرأة والرجل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ومدنيا خرجت المرأة المصرية ضد غلاء الأسعار و غلاء المعيشة، خرجت لتطالب برفع المرتبات والمعاشات. خرجت المرأة المصرية ضد الإرهاب. خرجت أمهات الشهداء لتطالب بحقوق فلذات أكبادهم، ولم يكن الطلب اللتعويض بالمال، ولكن بالقصاص العادل والمحاكمات السريعة والعدالة الناجزة، كان الطلب تحقيق أهداف الثورة التى دفع أولادهم أرواحهم ثمنا لها، وهى العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وإنهاء التبعية واستقلال الإرادة الوطنية، ومازالت مسيرة النساء مستمرة. إن نظرة المجتمع للمرأة لن تتغير فقط بمواد الدستور والقوانين، ولكن بتغيير الثقافة المجتمعية التى تنظر للمرأة نظرة دونية وتهمشها. وتغيير هذه الثقافة يكون من خلال مؤسسات الدولة فى الثقافة والإعلام والفنون والخطاب الدينى الوسطى المتسامح الذى يحمل قيم المساواه والمواطنة، وتغيير المناهج التعليمية والمؤسسات التربوية.مازال المشوار طويلا يا بهية يا عفية يا أبية يا مصر.