في ظل فرض «الاستفراد الأمريكي» في المفاوضات، وسياسة «الخطوات الأحادية» لدولة الاحتلال، من الواضح أنه بات مطلوباً من الولاياتالمتحدةالأمريكية (التي كانت تعتقد أنها قادرة، بمفردها، على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون أي عون من الأصدقاء والحلفاء الأقربين) أن تعدل قناعتها بشأن المشاركين في ملف المفاوضات. فمع التغير الحاصل في الأوضاع الدولية، وإصرار الكيان الصهيوني على الخطوات الأحادية الجانب، حان الوقت، بعد اقتناع كثيرين في العالم بأن المساعي الأمريكية عاجزة عن إقناع الإسرائيليين بتسوية برنامج الحد الأدنى وفق «المبادرة العربية»، نقول حان الوقت للبدء فلسطينياً بخطوات أحادية لمواجهة الخطوات الإسرائيلية الساعية لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض حتى أضحت هذه السياسة مطلباً «شعبياً» إسرائيلياً لا يمكن التنازل عنه! بات مطلوباً من القيادة الفلسطينية الرد دولياً. ولأنصار «التفاوض الأبدي» نقول: من دون ضغوطات دولية على إسرائيل لن يحصل تقدم بالمفاوضات، وسيواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتنياهو) المراوغة داخل ائتلافه الحكومي وعلى الصعيد الدولي. وعليه، فمن الأولويات الملحة: التوجه إلى الأممالمتحدة وطلب الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس، ودعوة المجتمع الدولي والأممالمتحدة للاعتراف بها، ومساعدتها للخلاص من الاحتلال والاستعمار (الاستيطان). وفي حال تعطيل مثل هذا القرار في مجلس الأمن بالفيتو، تتوجب، عندئذ، المبادرة إلى دعوة الهيئة العامة للأمم المتحدة لدورة استثنائية تعترف بدولة فلسطين، وفرض العقوبات على حكومة إسرائيل، وصولاً للوقف الكامل للاستيطان ولإنهاء الاحتلال. وفي السياق ذاته، لفلسطين اليوم حق الدخول والمشاركة في ثلاث وستين مؤسسة دولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، كي تعزز الوضع القانوني لدولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال لمصلحة المشروع الوطني، وبذلك ينقل الملف الفلسطيني إلى الإطار الدولي وتنتهي حالة «الاستفراد» الأمريكي، تماماً كما دعا إليه رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية الدكتور صائب عريقات. وفي سياق شرحه لما يراه «فشلاً للمفاوضات» تابع عريقات يقول: «منذ استئناف المفاوضات، قتلت إسرائيل 33 فلسطينياً وطرحت عطاءات لبناء 5989 بؤرة استيطانية، وهي على وشك الإعلان عن 1400 بؤرة استيطانية جديدة، وخلال الأشهر الأربعة الماضية هدمت 214 منشأة وبيتاً فلسطينياً». بل إن قوات الاحتلال لجأت لسياسة «الباب الدوار»، فهي حين تفرج عن أسرى بعد جهود مضنية، تعود بعد فترة وجيزة وتقوم باعتقالهم مجدداً فرادى، ناهيك عن اعتقال المئات غيرهم، بل هي باتت تلجأ لقتل بعضهم بحجة مقاومتهم للاعتقال. لقد عقد العالم مؤتمراً دولياً بشأن سوريا هو «جنيف1» وقريباً سيعقد مؤتمراً ثانياً بعنوان «جنيف2». كما عقد «مؤتمر جنيف» للبرنامج النووي الإيراني. وفي هذا السياق، لماذا لا يكون للفلسطينيين«جنيفهم»، يرتكز على تعاون واشنطن مع موسكو والاتحاد الأوروبي والعرب، يكون أساسه تطبيق قرارات الأممالمتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وليس المقترحات الأمريكية الأخيرة، الساعية للتكيف مع متغيرات الاحتلال اليومية على الأرض، واعتبار السيطرة الأمنية أساس رسم الحدود، والتي تعني أي موافقة عليها استمرار الاحتلال وتمديد وجوده على الأرض الفلسطينية. غير أن الذهاب إلى الأممالمتحدة أو عقد مؤتمر «جنيففلسطيني» لا يعني التخلي عن البرنامج النضالي على الأرض من خلال تفعيل المقاومة الشعبية (السلمية في هذه المرحلة) مع إبقاء المجال أمام مختلف أنواع المقاومات لاحقاً. فما لا يتحقق بالوسائل السلمية يتحقق بغيرها. فالسلطة الفلسطينية، على درب «إعلان دولة الأمر الواقع الفلسطينية»، مدعوة إلى بناء مؤسسات قوية فاعلة قادرة على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، إضافة إلى إعادة الوحدة للوطن. فبناء الدولة المستقلة عملية كفاحية متواصلة وليست مجرد إعلان أو نتيجة لاتفاق سياسي يمكن الوصول إليه. فالانقسام المفجع وتعثر جهود المصالحة باتا يلحان على الفلسطينيين كي يتجاوزوا مرحلة قلبت الأولويات وأضرت بالقضية. من هنا، نضم صوتنا للكثيرين ونعزز المطالب الموجهة للقيادات الفلسطينية بضرورة الجمع بين النضال الوطني ومقاومة الاحتلال وبين البناء الديمقراطي للمجتمع والعلاقات الوطنية الفلسطينية، وتحديد برنامج لحكومة الوحدة الوطنية التي باتت مطلباً لا غنى عنه كي تحفظ للفلسطيني القدرة على مواجهة الواقع المرير. وعلى صعيد متمم، يجب التركيز على تعزيز عملية التفاعل مع «حركة التضامن العالمية» مع الشعب الفلسطيني. فهذه «الحركة» تخدم القضية الفلسطينية اليوم بشكل ساطع، ذلك أن صوتها مسموع لدى الكثيرين، خاصة أولئك الذين يعتمدون بطبيعة الحال مبدأ اللاعنف. كما أن صوتهم السلمي المقاوم أحدث نقلة نوعية بيّنت للعالم حقيقة وقدسية وشرعية المقاومة الفلسطينية الحديثة كنموذج جماهيري يشارك فيه الجميع، نموذج متنام ومؤثر. وهم كذلك مساهمون في الدعوات المتزايدة لفضح بنية الفصل والتمييز العنصري (الأبارتايد) الإسرائيلي، وكذلك لمقاطعة الدولة الصهيونية وفرض العقوبات عليها، فدعواتهم للمقاطعة جعلت «الإسرائيلي» يشعر بأنه معزول وضعيف، ومن جهة ثانية منحت المواطن الفلسطيني الشعور بالمساهمة والانتماء والمشاركة في النضال، خاصة وأن جهود هؤلاء النشطاء لنصرة القضية الفلسطينية وفضح الانتهاكات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، تتسع يومياً معبرةً عن نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات داخل الوطن الفلسطيني وخارجه مع المقاطعة. وفي الوقت الذي تضرب فيه دولة الاحتلال عرض الحائط بالشرعية الدولية والقانون الدولي والاتفاقيات السابقة الموقعة مع الجانب الفلسطيني، وتنتهك بشكل يومي حقوق الإنسان الفلسطيني، وتهدد حياة الأسرى وتتوسع في عملياتها الاستيطانية حتى تهود الأرض والحجر والشجر، فإنه لا مجال لمزيد من التباطؤ أو المخاوف… بل المبادرة إلى العمل الجبهوي الوطني التحرري المقاوم! فما يحدث حاليا يمثل درساً جديداً يحث القيادة الفلسطينية على تجاوز السياسة الإسرائيلية الفارضة لدور شكلى برتوكولى للولايات المتحدة دون باقي دول ومؤسسات العالم. ولنا فيما يحدث لتغييب دور هيئة الأممالمتحدة، و«اللجنة الرباعية» عبر بليغة.