لسقوط حزب «العدالة والتنمية»كتبت في عدد «الأهالي « بتاريخ 10 ديسمبر الجاري عن تصدع التحالف الأصولي التركي الحاكم بزعامة رجب الطيب اردوغان والمتمثل ، في حزب العدالة والتنمية مع جماعة «خدمة « التي يترأسها رجل الأعمال السلفي فتح الله غولن المقيم بواشنطن .وذلك علي أثر قرار اردوغان باغلاق كل المدارس والمعاهد الخاصة التابعة لحليفه غولن للحد من تأثيره المتزايد بأجهزة السلطة وشهدت الأيام الماضية تطورا لمنحي الصراع بين الحليفيين – علي قرب الانتخابات المحلية المقرر اجراؤها في شهر مارس العام القادم – ليتخذ حربا علنية بضربات موجعة لاردوغان وحزبه ، عبر استخدام غولن شبكة أنصاره ومؤيديه في أجهزة النيابة العامة والشرطة وأمن الدولة للقيام بحملات اعتقال شملت 52 شخصا حتي الآن منهم أبناء وزراء الداخلية ، الاقتصاد والبيئة والتخطيط المدني وكبار الموظفين بهم .. بالاضافة الي عدد من رجال الأعمال المقربين من اردوغان وحزبه الحاكم ، ورئيس بلدية «فتح «التابعة لأسطنبول ، والمدير العام للبنك المركزي ، وذلك في اتهام بعمليات غسيل أموال والكسب غير المشروع من وراء سلسلة المناقصات العامة الحكومية وعمليات منح الجنسية لمواطنين أجانب .! الثابت أن اردوغان شخصيا وكرئيس حكومة قد فوجئ بحملات الاعتقالات والتي دبرها جهاز النيابة العامة من رجال غولن المنتشرين فيه وفي المحاكم، والشرطة وصولا لمجالس الشوري . هذه الأجهزة هي التي لعبت الدور الأساسي والحاسم في تصفية المؤسسة العسكرية بالقضية المعروفة اعلاميا باسم المطرقة – ارجنيكون – بتهة قلب نظام الحكم والتي حكم فيها بالسجن لمدد تصل للمؤبد علي المئات من كبار القادة العسكريين سابقين وحاليين والعشرات من الصحفيين والمثقفين الأتراك .. لم يتأخر رد اردوغان في الصراع مع حليفه غولن ، باقالة 14 من كبار قيادات وزارة الداخلية مع نقل 11 من مديري ادارتها في مكافحة الجريمة المنظمة ، مكافحة التهريب والجرائم المالية شاركوا بحملات المداهمة والاعتقال بكل من اسطنبول وأنقرة . في تزامن بتصريحات أطلقها في محاولة للتخفيف من رد فعل المعارضة والرأي العام الشعبي في وصفها :بأنها مؤامرة مدعومة من الخارج لزعزعة نظام حكمه واقامة دولة داخل الدولة ، بل ذهب لحد وصفها بالعملية القذرة التي تهدف ليس فقط لتشويه سمعته وانما أيضا لحزبه الحاكم !!لكن تداعيات هذه الفضيحة لم تقف عند ذلك ، بل أحدثت هزة وسط كتلة الحزب البرلمانية والتي استقال منها اللاعب الكروي المشهور حاكان شكور ، مطالبا اردوغان بتحمل المسئولية ، هذا الي جانب تصريحات أخري من أعضاء الكتلة بضرورة مواصلة التحقيقات لاتضاح وتبيان حقيقة الفساد والمفسدين في الأرض ؟؟! * المعارضة تشن حملة لإقالة الحكومة .. شن نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض حملة اعلامية وسياسية وبرلمانية في المطالبة باقالة حكومة اردوغان واجراء انتخابات برلمانية مبكرة ، واصفا في بيان له تحت عنوان «الفضيحة الكبري في تاريخ الجمهورية « اردوغان بالوكيل العقاري العالمي – السمسار – ، وعلي أن حجم المبالغ المنهوبة من عصابة اردوغان تبلغ 100 مليار يورو (150 مليار دولار ) .مع اعتزام المعارضة تقديم طلب برلماني لحجب الثقة عن حكومة اردوغان – وبالطبع لن يمر لما يتمتع به الحزب الحاكم من أغلبية برلمانية ، لكن الانشقاقات الحزبية بدأت في التوالي – . الثابت في خضم ذلك أن فضائح الرشاوي والاختلاسات والفساد المتعلق برموز سلطة اردوغان ، قد ألقي بظلاله عليه شخصيا وصورته التي رسمها إعلامه الموالي كزعيم «نظيف اليد « منذ صعوده للحكم عام 2002 ، فالمشاهد التي بثتها قنوات تليفزيونية مستقلة ، عكست وضعا غير مسبوق لحكم الأصوليين ، هذه الفضائح طالت 4 وزراء حتي الآن ، كما أن المبالغ المضبوطة في حملات الاعتقالات ، لا يمكن أن تكون محل مصادفة ، بل انه أسلوب ومنهح حكم ..فعلي سبيل المثال عثر رجال الشرطة بمنزل المدير العام لبنك «الشعب « خلق بانكاسي ، علي مبلغ 4,5 مليون يورو ، مخبأة في علب كرتون أحذية ، بعضها في مكتبته وسط الكتب ، والأخري في غرفة النوم ..بل ان القنوات التليفزيونية بثت تسجيلات لمكالمات صوتية بين بعض المتهمين ..ّ!! * والأكراد ينضمون للمعارضة . في خضم الضربة التي تلقاها اردوغان وحزبه ، بدأ أربعة نواب من حزب السلام والديمقراطية الكردي ، اضرابا مفتوحا عن الطعام ، احتجاجا علي اعتقال 5 نواب من الكتلة منذ عام 2010 بتهمة الانضمام وتأييد حزب العمال الكردستاني المحظور ، وبرغم الطلبات القانونية للافراج عنهم لعدم وجود اتهام وبأدلة ، فإن المحكمة رفضت الطعن ومددت قرار الاعتقال ، في مخالفة لحكم صادر من المحكمة الدستورية بالافراج في قضية النائب الصحفي مصطفي بالباي من كتلة حزب الشعب المعارض في اتهامه منذ 2008 باعتقال دام 5 سنوات بتهمة التآمر علي نظام الحكم الاردوغاني !حيث أقرت المحكمة بأن اعتقاله لفترة مطولة يخالف أبسط حقوقه المدنية والقانونية .. * دلالات الحدث .. أصبح واضحا بأن سياسات نظام اردوغان الداخلية افتقدت خلال العامين الأخيرين لقاعدة شعبية ، ليس فقط في محصلة الصراع الحالي علي الحكم ، بل ان ذلك بدأ عمليا من ميادين «تقسيم « و»جيزي « في المظاهرات الشعبية العارمة وأساليب القمع التي قوبلت بها !.ذلك في خط متواز مع السياسات الخارجية علي المستوي الاقليمي في كل من دمشق والقاهرة . وبات الكثيرون من المراقبين يرون أن الأمر لم يعد يتمثل، في انقاذ اردوغان وحزبه الأصولي الحاكم ، بل أضحي الأمر يكمن في كيفية انقاذ تركيا شعبا ووطنا .. وهو ما ظهر في تناول عدد من الصحف التركية المعارضة ، فصحيفة «راديكال « وصفت المشهد في تناولها لفضائح الحكم :بأن ما جري يمثل مؤشرا علي المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم ، أما صحيفة «زمان « فقد كتبت تحت عنوان «العملية الكبري « مطالبة القضاء بمواصلة التحقيقات بشفافية وعدم الخضوع لابتزاز الحكومة وضغوطها .أما صحيفة «ميلييت « فقد أشارت إلي أن ماحدث سابقة لم تشهدها تركيا في تاريخها الحديث ، وأن تلك الفضيحة لا تمثل تصفية حسابات بين متحالفي الحكم ! بعكس الاعلام الموالي لاردوغان وحزبه الذي ردد في نغمة واحدة – وتلك هي شيمة الاخوان – عن مؤامرة خارجية نسجتها كل من واشنطن واسرائيل للاطاحة بالحكم الاسلامي الأصولي الرشيد !!!!