بعد ثورة الثلاثين من يونيو تسارعت وتيرة السفر والذهاب إلى موسكو سواء بوفود رسمية متمثلة فى زيارة وزير الخارجية المصرى أو زيارات تقوم بها وفود شعبية لموسكو لدعوتها لإعادة ما كان وبث الدفء فى علاقات المجد الغابر السابق ، وتكللت هذه الزيارات بزيارة سوف يقوم بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان إلى مصر فى منتصف الشهر الجارى .الزيارات سواء الشعبية أو الرسمية تبقى كذلك إلى أن يحين وقت التعامل الرسمى أو عند الحديث عن صفقات ، وكما قال مسئولون روس فى شركة روس أوبورن إكسبورت إن روسيا على استعداد لتزويد مصر باحتياجاتها من السلاح مادامت سوف تسدد ثمنه أو قيمته … وفى اعتقادى أن بقية الصفقات ستتم بنفس المبدأ ، فإذا كان المبدأ فقط هو التخلص من الضغوط الأمريكية فلا بأس من فتح أبواب جديدة للتعاون مع روسيا على الرغم من أن روسيا لم توصد أبوابها فى وجهنا بل نحن الذين أدرنا لها ظهورنا بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل وتدفق المعونات والمساعدات الأمريكية سواء الاقتصادية أو العسكرية . فى كل الأحوال الموقف الآن يختلف عن الستينيات فى التعامل مع روسيا عند بناء السد العالى وأثناء عدوان ونكسة 67 فروسيا اليوم دولة رأسمالية النهج تتبع اقتصاد السوق أى ما تطلبه ستأخذه ولكن عليك دفع الثمن ، الاتحاد السوفييتى فى السابق كان يتعامل معنا بأننا إحدى دول التطور اللارأسمالى التى يجب دعمها لتتحول إلى الاشتراكية أى أن المساعدات كانت من منطلق إيديولوجى وهذا انتفى فى الوقت الحاضر . و قبل هذا وذاك أنا أرى أن سياستنا الخارجية القاصرة هى التى أوقعتنا فى براثن الولاياتالمتحدة لدرجة أنها بعد كم المساعدات الضخم الذى حصلنا عليه ولا أدرى إلى أين ذهب ، جعلتها تريد أن تفرض علينا نظاما سياسيا بعينه ، وهو الأمر الذى رفضه الشعب المصرى يوم 30 يونيو . أعود إلى آمال أن تقوم روسيا بأن تحل محل الولاياتالمتحدة فأقول إنه من الصعب الآن وبعد أن أصبح معظم سلاحنا أمريكياً إلا قليلا أن تتجه لجهة أخرى وإلا سيكون عليك العمل لمدة 20-25 عاما للقيام بعمليات إحلال للسلاح الأمريكى بآخر روسى ، كما أن الأمر سيكون به إنهاك شديد لميزانية الدولة المصرية التى تعانى فى الوقت الحالى من أزمات حادة ، وإذا كانت الآمال معقودة على المساعدات الخليجية فهى ليست أبدية خاصة ونحن دولة تعانى من الزيادة السكانية وكثرة الاستحقاقات . أرجو عدم المبالغة فيما يمكن أن تأتى به وفودنا سواء الرسمية أو الشعبية من روسيا فروسيا اليوم علاقتها بالولاياتالمتحدة أوثق من أى دولة فى العالم وهى لن تضحى بهذه العلاقة ، كما أن روسيا أحد ضامنى أمن إسرائيل مع الولاياتالمتحدة ولن تقوم بمنحنا سلاحا يهدد أمن إسرائيل بأى حال من الأحوال ، ولست أدرى ما إذا كانت الوفود الشعبية قد سألت نفسها سؤالاً هل نسيت روسيا طرد خبرائها من مصر عام 1972 ؟، وعلى حد تعبير أحد الساسة الروس عندما قال للمصريين " عندما تغضبون من الولاياتالمتحدة تجرون على روسيا طلبا للعون وبمجرد أن ترضى عنكم أمريكا تهرعون إلى أحضانها من جديد " أنا لست ضد تعاون وثيق بين روسيا ومصر ، لكن يجب ألا يكون هذا على حساب أى دولة أخرى فى العالم وإلا ستكون ارتكبت نفس الخطأ الذى نحاول إصلاحه اليوم بتوثيق العلاقات مع روسيا . و أرجو من أعضاء الوفود الشعبية الذين يأسرهم الكرم الروسى فى اللقاءات ألا يبالغوا فى تقييم نتائج الزيارات مما يتسبب فى إهانة لبلده وللشعب الروسى قبل أى شيء وإلا ما معنى أن يعلن أحد أعضاء الوفد بأن روسيا سترسل مائة طائرة محملة بالسائحين الأسبوع القادم بمجرد رفع حالة الطوارئ فصورنا كشعب بأننا منتظرين لسائح يصرف عندنا دولارات وصور الشعب الروسى بأنه كما الأبقار ستقوم بلاده بشحنه بلده ليزور مصر إجبارياٍ لحل أزمة سياحتها … أتصور أن هذا عيب فى حق الشعب الروسى فهو شعب حر يسافر وقتما يشاء ولا يشحن كما الأبقار وللعلم السياح الروس هم الأكثر الآن فى مصايفنا رغم الظروف الحالية ويأتون على مسئوليتهم الشخصية وهو الشعب الوحيد الذى استمر فى الحضور إلى مصر دون أوامر من أحد بعد حادث الأقصر عام 97 ، وأحب أن أقول للوفود الشعبية أن علاقتنا بروسيا على أحسن ما يكون بما فيها العلاقات العسكرية دون مظاهرات الشحاتة التى تقومون بها من أجل الاسترزاق السياسى . و أخيراً أقول إن الوفود الشعبية أساءت لكل من مصر وروسيا أكثر مما أحسنت وكان من وجهة نظرى ترك أمور السياسة الخارجية للمسئولين الرسميين خاصة أن روسيا دائما ما تفضل التعامل مع الجهات الرسمية مهما كانت توجهاتها ، وأساءت إلى روسيا بأن وضعتها وكأنها بديل للولايات المتحدة فى التعامل مع مصر وهو ما سبب حرجا لروسيا مع دولة لها معها مصالح كثيرة وفى ملفات عديدة ليس آخرها الملف السورى .