خارطة الطريق التونسية دخلت إلي حيز التنفيذ بعد أن عقدت الأطراف السياسية المختلفة أولي جلسات الحوار الوطني الاسبوع الماضي، برعاية التحالف الرباعي الذي يضم الاتحاد التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ونقابة المحامين، وبحضور الحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة «حزب الإخوان المسلمين في تونس» وجبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت مؤخرا بعد اغتيال النائب الليبرالي محمد البراهمي، والتي تضم الائتلاف الحزبي اليساري، والجبهة الشعبية الاتحاد من أجل تونس وعدد من الأحزاب المعارضة الأخري، فيما لم ينضم إليها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي ينتمي إليه الرئيس «اليساري» المنصف المرزوقي رغم تأييده لخارطة الطريق التي بدأت تدخل حيز التطبيق، في إطار جدول زمني يستغرق حوالي الشهر. وبمقتضي خارطة الطريق تعهد رئيس الحكومة علي العريضى بتقديم استقالة حكومته خلال 3 أسابيع من بدء جلسات الحوار الوطني، علي أن تعتبر في هذا الأثناء حكومة تصريف أعمال، وقدم العريضي وثيقة تعهد فيها بالاستقالة وفقا لشروط جبهة الإنقاذ التي تخشي تلاعب حركة النهضة، التي سرعان ما أصدرت بيانا ملتويا أكدت فيه أنه لن تحدث استقالات إلا بعد الانتهاء من كل الاستحقاقات الدستورية، أن الأخطر فيتمثل في بيان قالت فيه النهضة أنها ستترك الحكومة ولكنها لن تترك الحكم واعترضت علي ترشيح المعارضة لرئيس الحكومة المقترح ر عاة خارطة الطريق ولكن بقية القوي السياسية وكذلك رعاة خارطة الطريق رفضوا أي تلاعب أو تحايل علي الاتفاق الذي أنقذ تونس من مصادمات هائلة كانت في الطريق إليها، وخاصة بعد ازدياد التظاهرات في الشوارع وارتفاع نسبة المطالبين بإقالة الحكومة من خلال التوقيع علي استمارات قامت بها حركة «تمرد» التونسية، ولم يعد باستطاعة حركة النهضة وقائدها «الرائد الغنوشي» سوي الرضوخ والقبول بخارطة الطريق السريعة التي تنص علي الالتزام بجدول زمني لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية الأولي تشكيل حكومة جديدة مستقلة بعد استقالة الحكومة الحالية بعد 3 أسابيع كما تعهد رئيسها بالفعل، والثاني الانتهاء من صياغة الدستور خلال 3 أسابيع مع عودة الأعضاء المنسحبين والمستقيلين ثم تشكيل لجنة عليا مستقلة تتولي الإعداد والإشراف علي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وتبدو خطوط وزير الدفاع الأسبق عبدالكريم الزبيدي كبيرة لترشيحه رئيسا للحكومة الجديدة، فهو شخصية مستقلة وله «كاريزما» قيادية، علاوة علي رغبة غالبية الشعب التونسي في التركيز علي أهداف عاجلة مثل استعادة الأمن وتحسين الاقتصاد الذي يعاني الركود، وإيجاد وظائف واستعادة السياحة التي تعتمد عليها تونس بشكل كبير. وتساند قوي شعبية وأخري تنتمي إلي النظام القديم برئاسة جبهة نداء تونسي التي يقودها السياسي «الباجي السيسي» جهودا شعبية وسياسية للضغط علي حركة النهضة بهدف إضعاف تواجدها السياسي، بعد أن فشلت «النهضة» طوال العامين السابقين في لم شمل البلاد وتحسين الأحوال السياسية والاقتصادية والأمنية، مع تصاعد موجات الغضب بين الشعب التونسي من استمرار النزاعات السياسية ومحاولة النهضة الاستحواذ علي المناصب والمراكز الأساسية في البلاد، وإطلاق يد الجماعات المتطرفة والمتشردة لإرهاب الشعب التونسي في الجامعات والأماكن العامة خاصة في المحافظات البعيدة، والقيام بموجات تحريضية ضد اليسار والليبراليين والمجتمع المدني وهو ما أدي إلي اغتيال نائبين برلمانيين خلال هذا العام، الأول شكري بلعيد في شهر فبراير ثم محمد البراهمي في يوليو الماضي، وهو ما أدي إلي انفجار المظاهرات العارمة أشبه بمظاهرات مصر التي أطاحت بحكم الإخوان، واضطرت حركة النهضة إلي التراجع وقبول طوق النجارة الذي ألقاه التحالف الرباعي، وأدي إلي التوصل في النهاية إلي خارطة الطريق الحالية. الجيش والتدخل الخارجي ومن حسن حظ تونس علي كل حال أنه لا يوجد تدخل خارجي ولا ضغوط دولية مثلما يحدث في مصر أو سوريا وليبيا، كما أن المؤسسة العسكرية في تونس بعيدة عن السياسة وضعيفة إلي درجة عدم القدرة علي التدخل في الشرارة السياسية، أو لا ترغب في ذلك بشكل خاص. ولكن الضغوطات الاقتصادية تشكل تحديا كبيرا للأوضاع في تونس في ضوء عدم رضاء صندوق النقد الدولي عن نتائج المرحلة الأولي للبرنامج الاقتصادي وفقا للاتفاق المبرم بين الحكومة والصندوق، إذ فشلت الحكومة في الدفع بمعدلات التنمية إلي أقل من 3% بالمائة وهو ما لا يحقق خطط إيجاد وظائف وخفض نسبة الفقر، إضافة إلي ضعف القطاع المصرفي. إلي جانب الفشل الاقتصادي والأزمات الاجتماعية واستمرار الإضرابات العمالية وفي الجامعات، اضطر الرئيس المنصف المرزوقي إلي إعلان 9 مناطق تونسية مناطق عسكرية لمواجهة الأنشطة الإرهابية والعمليات المسلحة التي تجري فيها خاصة في المناطق القريبة من الحدود مع ليبيا، حيث تتدفق الأسلحة والجماعات الإرهابية التي تنتمي إلي تنظيم القاعدة وغيرها عبر تلك الحدود. الفرصة الأخيرة وفي ضوء تلك الأوضاع، والدروس التي يمكن استخلاصها من التجربة المصرية حيث تمت الإطاحة بحكم الإخوان، فإن خارطة الطريق التونسية السريعة تبدو بمثابة الفرصة الأخيرة لحركة النهضة للحفاظ علي دور رئيسي لها في الحياة السياسية في تونس.