المشهد الأدبي لمدينة مناضلة يمكننا وضعها في مصاف مدن التاريخ ألا وهي مدينة السويس، كان المشهد الأدبي لها هو موضوع المناقشة علي مائدة ندوة أدب ونقد الأسبوع الماضي، حيث حضر عدد متميز من كتاب السويس في الشعر والقصة القصيرة. بداية أكد الشاعر عيد عبدالحليم الذي أدار الندوة أن مدينة السويس هي رمز الكفاح وتنم عن لوحة إبداع بالدم وشبهها بطائر الفينيق الذي يقوم من الرماد ليحلق إلي أعلي حيث إنها استطاعت أن تتجاوز أزمتها بعد الحرب وتبدأ من جديد لتبني تاريخا من الحركة الأدبية، وأضاف عبدالحليم أن مناقشة أدب السويس يتزامن مع احتفالات تلك المدينة بعيدها في 24 أكتوبر ولهذا فضلت أدب ونقد أن تحتفل معها من خلال الإبداع. خاصة أن سنوات الحرب شكلت تجربة من نوع خاص، وتواجد أيضا أحد الفدائيين في حرب السويس هو عبدالمنعم قناوي الذي روي تفاصيل دقيقة عن تلك الفترة. فيما أكد الشاعر مجدي عطية أن السمات الأساسية لأدب السويس تظهر جلية من خلال جيل الستينيات أمثال محمد الراوي وحجازي غريب وعبدالعزيز عبدالظاهر في شعر العامية، بينما كان أمل عيد في الفصحي ليكونوا جماعات أدبية مختلفة مثل الكلمة الجديدة، وعلي مستوي الرواية جاء مثلا الأديب محمد عطا ليصدر رواية «عنبر 7»، بينما أصدر الشاعر كامل عيد ديوان «أصل الحكاية» واشتهر بأغانيه قصة الحرب مثل أغنية «ياريس البحرية» ليعترف هؤلاء علي ملحمة الحرب تارة وتفاصيل الحياة اليومية تارة أخري، ويضيف عطية أن جيل الثمانينيات «الوسط» هو نتاج جيل سابق لفترة الستينيات والسبعينيات حيث مازال مشهد الحرب مؤثرا عليهم خاصة «التهجير»، وعلي مستوي الرواية ظهرت أسماء مثل سيد حنفي، محمد فرج ثم الروائية أمينة زيدان والتي أنتجت رواية «شهوة الصمت»، وأسس شعراء التسعينيات مجموعة شعراء آخرون جماعة «بداية» وأصدروا دواوين شعرية منهم «سمير فرج الله»، أحمد أبوسمرة وسيد عبدالرحيم «شتاء عجوز ليته يمر»، وأنهي مجدي عطية حديثه مؤكدا أن المشهد الأدبي في السويس هو مشهد مجزأ لما قبل الحرب وما بعدها، أدب مقاومة وأدب يتعامل مع الحياة اليومية ولكنه مازال أسيرا داخل نطاق حدوده الجغرافية وهو ما يؤخذ عليه ودعا عطية لتكاتف الجهود لتتويج جهد الأدباء بدلا من أن يظل هذا الأدب الثري حديث الجدران والغرف المغلقة. وتخلل الندوة الاستماع إلي مقطوعات شعرية من شعراء السويس منهم حاتم مرعي، سيد عبدالرحيم وأحمد أبوسمرة ومجدي عطية والقاصة سناء بابكر. وبدأ المناضل السويسي عبدالمنعم قناوي يسرد مشاهد من حياة حية عاشها أبناء السويس في فترات صعبة خلال فترة الحرب بدأ نضاله منذ عمر 16 سنة، ويسرد قائلا: بعدما ضرب الطيران الإسرائيلي المطارات المصرية 1967 كيف ركب هو وزملاؤه اللانشات الخاصة بهيئة قناة السويس للوصول إلي المستشفي لتقديم الإسعافات الأولية للجنود وتجهيز أماكن لإجراء العمليات الجراحية. وأيضا الاشتراك في معركة 24 أكتوبر والتي سبقها تجهيز لمقاومة شعبية وتدريب المجموعات وتوعيتهم بما يحدث، وإنشاء منظمة سيناء العربية المختصة بهذه العمليات والتي ظل التدريب فيها متواصلا علي العمليات الفدائية حتي تمت تصفية المتقدمين من 150 شخصا إلي 40 فدائيا نتيجة التدريب الشاق حيث قاموا بتنفيذ عمليات نهارية علي أهداف متحركة أولها تلك التي ذكرتها جريدة الأخبار «هاجمنا في وضح النهار» سنة 1969 أثناء حرب الاستنزاف ورفع وقتها العلم المصري لأول مرة فوق سيناء. وروي قناوي في لحظات صمت من حوله وتركيز شديد أصعب المواقف التي مر بها أثناء تلك العمليات الفدائية منها عملية اختطاف مدير المخابرات الإسرائيلية حينما كان متجها إلي «أبوردس» والحصار الذي عانوا منه لمدة 36 ساعة وصعود عبدالناصر لرؤيتهم وتشجيعهم من الجانب الآخر مؤكدا أن مواقف الحرب تصنع عشرات الأفلام، ورغم هذا المناضل روي نكت المواقف حينما تم القبض عليه عام 1980 بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية. ونبه قناوي من واقع خبرته لحالة الاطمئنان التي أصبحت تتسم بها مصر والإعلام الذي رآه غيرمعبر بشكل كاف عن أكتوبر متذكرا كلمات موشي ديان في مؤتمر عسكري بعد 1973 وسؤال صحفي له «هل ممكن أن تحاربوا مصر مرة أخري؟» فرد عليه ديان قائلا: «عندما ينتهي جيل أكتوبر»!! وطالب قناوي بعودة شعار «يد تبني ويد ترفع السلاح» وذكر الحاضرون في نهاية الندوة مجموعة من أسماء الشهداء في ملحمة السويس منهم سعيد البشتي بطل العالم في الملاكمة، إبراهيم سليمان، أشرف عبدالدايم والذين استشهدوا وهم يحررون قسم الأربعين في 24 أكتوبر 1973 حيث كانت معركة الأربعين معركة شرسة، لنتذكر جميعا كلمات الزعيم جمال عبدالناصر عندما ذهب إلي السويس في يوليو 1966 قائلا: ما من بلد ارتبط اسمه بالتاريخ المصري مثل السويس وتلتها بعدها بسنوات كلمات الرئيس السادات مؤكدا أن السويس لم تدافع عن نفسها فقط بل عن كل مدينة مصرية.