نادرا ما بدت نتائج انتخابات امريكية يقينية كما تبدو الآن نتائج انتخابات منتصف الفترة الرئاسية التي يحين موعدها بعد ايام، في يوم الثلاثاء الاول من شهر نوفمبر المقبل. حتي الديمقراطيون الامريكيون - حزب الرئيس باراك اوباما - يبدون متشائمين للغاية. فهم يتوقعون في اسوأ الاحتمالات ان يفقدوا اغلبيتهم في مجلسي الكونجرس، وفي احتمالات اقل سوءا ان يفقدوا اغلبيتهم في احد المجلسين، وفي اقل الاحتمالات سوءا ان تتضاءل اغلبيتهم في المجلسين فلا تعود اغلبية يعتمد عليها عند التصويت علي القضايا المهمة. ففي هذه الحالة يكفي ان يهرب عدد قليل من الديمقراطيين عند التصويت الي صفوف الجمهوريين فيخسر الديمقراطيون. وهذا احتمال ليس مستبعدا.
لكن ما الذي يجعل الصورة الانتخابية تبدو سوداوية بالنسبة للديمقراطيين الي هذا الحد وهم الذين فازوا في انتخابات 2008 برئاسة الجمهورية فجاءوا بأول رئيس امريكي من اصول افريقية، وفازوا باغلبية مريحة في مجلسي الشيوخ والنواب؟ هبوط الشعبية قبل ان نحاول الاجابة عن هذا السؤال ينبغي الاشارة الي ان انتخابات منتصف المدة الرئاسية تشمل كل مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ. كما ينبغي الاشارة الي ان نتائج هذه الانتخابات ستعطي اول الدلائل الرسمية علي الاتجاه الذي سارت نحوه شعبية الرئيس اوباما صعودا او هبوطا. ولقد دلت المؤشرات غير الرسمية التي تخللت فترة الحملة الانتخابية في الشهور الاخيرة علي ان اوباما والحزب الديمقراطي معه قد فقدا الشعبية التي انتخبتهما قبل عامين والتي ادخلت انتخابات 2008 التاريخ الامريكي من اوسع ابوابه. فلم يكن انتخاب اوباما لمجرد كونه سياسيا اسود انما لكونه ايضا الاقرب الي اليسار، الامر الذي اعتبر اتجاها منطقيا من غالبية الناخبين الامريكيين لان الانتخابات جرت في جو ازمة طاحنة للنظام الرأسمالي الامريكي. والآن - قبل ايام معدودة من انتخابات الكونجرس (وايضا مناصب حكام الولايات ورؤساء البلديات...الخ) - فان كثيرين من المعلقين الامريكيين لم يترددوا في وصف الحالة الراهنة في الولاياتالمتحدة بانها حرب طبقية او اشبه ما تكون بذلك. وقد كتب المحلل اليساري الامريكي أي.جاي.ديون ان الانتخابات اخذة في التحول الي حرب طبقية بالفعل وان الذين بدأوا هذه الحرب هم الاثرياء واصحاب النفوذ. والظاهرة الغريبة المصاحبة هي ان الرئيس اوباما يعمل كل الوقت وفي الوقت الاضافي لانقاذ الرأسمالية. ان وول ستريت (حي المال والاعمال والبورصة) احواله جيدة والاغنياء يزدادون غني مرة اخري ... مع ذلك فان المؤسسات والافراد ذوي النفوذ يصبون ملايين الدولارات ثمنا لاعلانات هجومية تستهدف كل الديمقراطيين بغير استثناء. واحد اكبر اللاعبين في هذه المباراة هي غرفة التجارة الامريكية التي تقبل اموالا من الخارج من مصادر اجنبية. شراء النفوذ ويتساءل «ديون» اذا كان احد الاطراف يستطيع ان يهيمن علي النظام السياسي عن طريق نقود سائلة سرية (كاش موني)، وهذا هو ما يحدث الآن، فهل يمكن ان يكون هناك اي شك في ان هذا الطرف سيشتري لنفسه قدرا كبيرا من النفوذ؟ واذا لم يكن هذا فسادا فماذا يمكن ان يكون؟ ضمن ملامح الحرب الطبقية ايضا الهجوم الضاري الذي يشنه الراسماليون والناطقون باسمهم من الجمهوريين علي المشروع المعد للنظر امام الكونجرس الجديد لرفع الحد الادني للاجور لكي تتمكن الطبقة العاملة ومحدودو الدخل من مواجهة الصعاب المالية الراهنة. ولقد وصل الهجوم الي حد المطالبة بالغاء الحد الادني للاجور من اساسه. وهذا يعني مطالبة من الجمهوريين لصالح اصحاب رؤوس الاموال بالعودة الي ما قبل عهد روزفلت الذي تمكن من التغلب علي ازمة النظام الراسمالي بعدد من القوانين (اصدرها في غالبيتها في عام 1938)، كان من بينها وضع حد ادني للاجور وكان منها خلق مشروعات ضخمة وكثيرة ليقوم بتنفيذها القطاع العام لانعاش الوضع الاقتصادي. حزبان في واحد وقد نتوهم ان الحزب الديمقراطي في مثل هذه المواقف يختلف جذريا عن الحزب الجمهوري. ولكن الحقيقة التي يؤكدها تاريخ الحزبين خاصة منذ رئاسة الجمهوري رونالد ريجان حتي الآن هي ان الحزبين يتنافسان علي خدمة طبقة اصحاب رؤوس الاموال وانهما اداة واحدة في ايدي البنوك والمؤسسات الاقتصادية الكبري، ليس فقط داخل الولاياتالمتحدة انما في انحاء العالم. وفي هذا لم تختلف سياسات وسلوكيات ادارة اوباما خلال العامين اللذين قضتهما في السلطة حتي الان. فقد رفضت هذه الادارة الديمقراطية بذل اي مجهود من اجل خلق وظائف جديدة للتعويض عن تلك التي خسرها العاملون في القطاعين العام والخاص. وطبيعي ان لا تستطيع ادارة اوباما ان تتدخل لخلق وظائف في القطاع الخاص، فهذه هي قواعد وقوانين النظام الراسمالي، ولكن الغريب في الامر انها ترفض ان تخلق وظائف في القطاع العام للتعويض عن تلك التي فقدها العاملون في القطاعين. بل ان ادارة اوباما رفضت في الاسبوع الماضي اقتراحا بمنع البنوك وشركات الاستثمار من الاستيلاء علي بيوت الامريكيين الذين يعجزون بسبب الازمة المالية عن دفع اقساط تسديد اثمان هذه البيوت (...) اكثر من هذا انه اصبح من المتوقع من ادارة اوباما في تأكيدها السعي الي تحقيق مصالح اصحاب رؤوس الاموال اتخاذ اجراءات تنفي بها الاتهامات الموجهة اليها من المرشحين الجمهوريين وانصارهم في الاعلام بانها خسرت تأييد الناخبين الامريكيين لانها "تطرفت في الاتجاه يسارا". هل يمكن القول فعلا ان الرأي العام الامريكي قد اتجه نحو تاييد اليمين الجمهوري نتيجة سياسات اوباما "اليسارية"؟ يجيب عن هذا السؤال المعلق الاشتراكي الامريكي باتريك مارتن في قوله" لم يحدث ابدا في التاريخ ان ادت ازمة اقتصادية عميقة في النظام الراسمالي الي تحول الجماهير بصورة جماعية نحو تأييد الراسماليين". ونستطيع ان نؤكد ان مارتن محق فيما يقول حتي بالنسبة للازمة الراهنة في امريكا. فقد اظهر استطلاع للرأي العام اجرته "مؤسسة زجبي الدولية" بين الناخبين الذين يصفون انفسهم بانهم مستقلون (لا هم جمهوريون ولا هم ديمقراطيون) ان نسبة 13 بالمائة منهم فقط تبدي استعدادا للتصويت لصالح الديقراطيين، ولكن بالمقابل فان نسبة المستقلين الذين اظهروا ميلا للتصويت للجمهوريين لم تتعد خمسة بالمائة. وهذا يعني ان ثمة شعورا بالاستياء من الحزبين الاتجاه يسارا! اكثر مما هناك ميل لاحدهما اكثر من الاخر. كذلك فقد اظهر استطلاع اخر اجرته مؤسسة بلومبرج ان نسبة 40 بالمائة من اولئك الذين صوتوا في عام 2008 لصالح اوباما يجدون انفسهم اقل تاييدا له او لم يعودوا يؤيدونه بالمرة في ظروف الانتخابات المقبلة. وعندما سئلوا عن السبب اجابوا بانهم يرون ان اوباما اصبح اكثر ليونة بصورة مفرطة مع اصحاب رؤوس الاموال بدلا من ان يكون اكثر تشددا. وهذا عكس ما يزعمه الجمهوريون تماما من ان الراي العام تحول عن اوباما لانه افرط في الاتجاه يسارا. ان التوقعات لفترة ما بعد انتخابات الثلاثاء 2 نوفمبر المقبل تشير الي حتمية اللجوء الي اجراءات تقشفية بما في ذلك هجمات ضد الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية لمحدودي الدخل والتعليم الحكومي وغير ذلك من البرامج الاجتماعية لصالح الفقراء. كما تشير التوقعات الي استمرار الحروب الخارجية الامريكية في العراق وافغانستان وباكستان وربما فتح الابواب لحروب اخري ... ومعني هذا ان الحرب الطبقية داخل الولاياتالمتحدة ستكتسب طابعا اكثر حدة واتساعا. ولن تكون لنتائج الانتخابات المقبلة اي تاثير- ايا كانت هذه النتائج - علي مسار الحرب الطبقية.