أصدر المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت قرارا يوم الخميس الماضي (12 سبتمبر) بمد العمل بحالة الطوارئ المعلنة لمدة شهر منذ 14 أغسطس الماضي لمدة شهرين آخرين، وأعلن الناطق باسم رئاسة الجمهورية السفير إيهاب بدوي «أنه ارتباطا بتطورات الأوضاع الأمنية في البلاد، وبعد موافقة مجلس الوزراء، قرر الرئيس عدلي منصور مد حالة الطوارئ المعلنة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 532 لسنة 2013 في جميع أنحاء مصر لمدة شهرين اعتبارا من الساعة الرابعة عصر يوم «الخميس» الموافق 12 سبتمبر 2013». وبذلك القرار يكون رئيس الجمهورية قد استنفد المدة المتاحة له طبقا للمادة 27 من الإعلان الدستوري الصادر في 5 يوليو الماضي وهي «إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر» ويحتاج إذا ما قدر أن الأوضاع الأمنية تتطلب مد العمل بحالة الطوارئ لأكثر من ذلك إلي «موافقة الشعب في استفتاء عام». وأرجعت رئاسة الجمهورية قرار الرئيس مد العمل بحالة الطوارئ لمدة شهرين آخرين «لتعرض الأمن والنظام في أراضي الجمهورية للخطر بسبب أعمال التخريب المتعمدة والاعتداء علي المنشآت العامة والخاصة وإزهاق أرواح المواطنين من قبل عناصر التنظيمات والجماعات المتطرفة». ورغم ضيق المواطنين بفرض حظر التجوال – خاصة التجار – والأثر السلبي لإعلان حالة الطوارئ علي الحياة الاقتصادية المتدهورة أصلا منذ ثورة 25 يناير 2011 وعلي السياحة وهي من أهم مصادر الدخل القومي المصري، فالأوضاع الأمنية – خاصة بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية والجرائم اليومية لتنظيم الإخوان الإرهابي وحلفائه ومحاولة نسف مقر المخابرات الحربية في سيناء – تقدم تبريرا يبدو كافيا لتقبل المواطنين – علي مضض – لهذا المد لحالة الطوارئ. ويقدم المعارضون لمد العمل بحالة الطوارئ أكثر من سبب حقيقي لرفضهم.. أولها أن قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 هو من أسوأ القوانين التي تهدد الحريات العامة وحقوق الإنسان في مصر خاصة في مادته الثالثة التي تعطي رئيس الجمهورية الحق في وضع قيود علي حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن معينة واعتقالهم، وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام القانون، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال، ومراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والأمر بمصادرتها، وتحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، وفرض الحراسة علي الشركات والمؤسسات.. إلخ. كذلك فمصر تكاد تعيش منذ الحرب العالمية الثانية في حالة طوارئ دائمة، فأعلنت حالة الطوارئ تنفيذا لمعاهدة 1936 بناء علي طلب سلطات الاحتلال البريطاني في سبتمبر 1939 بعد دخول بريطانيا الحرب واستمرت حتي نهاية عام 1945، وأعلنت مرة ثانية في 13 مايو 1948 عقب دخول الجيش المصري حرب فلسطين واستمرت عامين، ثم أعلنت بعد حريق القاهرة في 26 يناير 1952 واستمرت أربع سنوات، وأعيد إعلانها في نوفمبر 1956 عقب العدوان الثلاثي واستمرت أكثر من 7 سنوات، وأعلنت مرة خامسة إثر عدوان 5 يونيو 1967 ولمدة 13 عاما متصلة، وأعلنت مرة سادسة عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 واستمرت ما يقرب من 30 عاما متصلة، وأعلنت مرة سابعة في 10 سبتمبر 2011 وحتي 31 مايو 2012. وفي ظل الطوارئ اعتقل عشرات الآلاف من المواطنين، وانتشر التعذيب في المعتقلات والسجون وأقسام الشرطة، وتمت محاكمة آلاف المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ومنع المظاهرات والتجمعات السلمية، وفرض عقاب جماعي للقري ومحاكمة آلاف الفلاحين، وإصدار تشريعات بأوامر عسكرية! ولمكافحة الإرهاب لا تحتاج السلطات لقانون الطوارئ، فقانون العقوبات المصري وتعديلاته به 21 مادة علي الأقل تتناول الجرائم الإرهابية، ويمنح قانون الإجراءات الجنائية سلطات إضافية للشرطة في محاربة الجرائم الإرهابية. ورغم قوة هذه الحجج لرفض العمل بحالة الطوارئ فلا يمكن تجاهل حقيقة الجرائم الإرهابية التي تمارسها جماعة الإخوان وحلفاؤهم بهدف تفكيك الدولة المصرية وهدمها وإثارة الذعر والخوف بين المواطنين وتحويل الحياة إلي فوضي تمكنهم من الاستيلاء علي السلطة أو استدعاء تدخل خارجي «أمريكي». ولابد أن نأخذ في الحسبان أن السلطات القائمة – السياسية والأمنية – استخدمت السلطات الممنوحة لها في ظل حالة الطوارئ في أضيق الحدود، فعمليات القبض علي المتهمين تتم بإذن من النيابة العامة وليس استنادا لقانون الطوارئ، وباستثناء ساعات حظر التجوال التي يتم تخفيضها تدريجيا فلم يتم تفعيل أي من بنود المادة الثالثة من قانون الطوارئ. وفي النهاية فالعمل بحالة الطوارئ ينتهي خلال أقل من شهرين ولا يملك رئيس الجمهورية مدها بعد ذلك إلا باستفتاء شعبي، أي بقرار من المواطنين أنفسهم.