گرباج ورا.. يا حگومة ! المشاكل المزمنة التي تواجهها.. لم تبدأ بين يوم وليلة.. بل تراكمت عبر سنوات في ظل سلبية نشهدها في سباق الحنطورجية أمام مبني ماسبيرو! بينما كانت قيادات تليفزيون الفقي مشغولة بالمسلسلات.. والبرامج الحوارية.. طوال شهر الصيام.. كان طريق الكورنيش أمام مبني ماسبيرو.. يشهد عرضا فلكلوريا فريدا.. كل ليلة: إنه سباق عربات الحنطور! عربات الحنطور.. التي عرفناها رمزا للرومانسية.. وأغاني ليلي مراد.. و«الجوز الخيل والعربية.. سوق يا اسطي لحد الصبحية» تحولت علي أيدي الحنطورجية الجدد لوسيلة للجذب السياحي وسرقة الاضواء من مسلسلات الخلاعة. أنت تري الحنطورجي يقف وقفة رمسيس.. ملوحا بسوطه في الهواء.. ومندفعا وسط الطريق المزدحم بكل ألوان وأشكال المركبات.. وسط ضحكات وصرخات الاستحسان التي يصدرها السواح الذين يظهرون بملابسهم الوطنية.. علي أمل فوزهم في السباق علي عربات الحنطور المنافسة. يحدث هذا أمام مبني ماسبيرو الذي يستقبل سيدات ورجال هذا الزمان.. الذين ينتقلون من برنامج لبرنامج تنقل المطربين بين المقامات الموسيقية.. ومن مأدبة إلي مأدبة.. دون أن تظهر عليهم علامات الامتلاء.. وحمدا لله علي نعمة الستر. لا.. الحنطورجية.. تنبهوا إلي أن السباق يجري أمام تليفزيون الفقي. ولا المسئولين عن تليفزيون الفقي.. تنبهوا إلي أن ما يجري علي باب دارهم.. لا يتمشي مع مصداقية ما يتردد داخل الاستوديوهات.. من كلام لا يمت للواقع بأدني صلة. مشهد يتكرر كل ليلة.. وكل واحد في حاله.. والدنيا زحمة.. والجو حار.. والوقت لا يتسع لمراقبة ما يجري تحت قدمين.. أو أداء الواجب كما ينبغي أن يكون. بيد أن اختيار الحنطورجية للطريق أمام ماسبيرو لإجراء هذا السباق كل ليلة.. كان اختيارا عبقريا.. لأنه يكشف الفوضي التي نراها أمام الشاشة.. والفوضي التي نراها بعيدا عنها. هذا المشهد قد يستمر سنوات.. يرتفع خلالها عدد الحنطورجية.. وعدد الخيول التي تشترك في السباق. والكل يري. والكل لا يتكلم. حتي تصبح هذه المنطقة ساحة عشوائية.. لا تستطيع قوة في بلدنا الاقتراب منها. ونحن هنا لا نعيب علي الحنطورجية.. ولا نلقي عليهم اللوم في البحث عن مصادر رزق يفتحون بها بيوتهم.. ولكننا نعيب علي حكامنا الذين انقطعت علاقاتهم بالواقع منذ سنوات بعيدة.. وأدت قدراتهم العقلية وما يتمتعون به من كفاءات ذهنية محدودة إلي تحول أغلب مشاكلنا لمشاكل غير قابلة للحل.. ولا يمكن مواجهتها إلا باللطم علي الخدود.. والصفع فوق الأقفية. فمن المثير للدهشة أن يجري سباق عربات الحنطور أمام مبني ماسبيرو.. دون أن يلفت ذلك انتباه أي مسئول.. إلي أننا أمام «البدايات الأولي» لمشكلة يتعين مواجهتها قبل أن تتفاقم وتستفحل. مفهوم طبعا.. أنه في الدول الديمقراطية التي يصل فيها الحكام لمواقعهم في انتخابات حرة ونزيهة.. تجري مكافحة البدايات الأولي لمثل هذه السلوكيات السلبية.. عن طريق المجتمع.. أي الأفراد.. أي المشاه الذين تابعوا المشهد.. واستقبلوه بالرفض. فالمواطن في الدول التي يختار فيها حكامه.. يشعر بأن البلد بلده.. ونظافة الشوارع مسئولية والظواهر السلبية تقلقه وتدفعه للتدخل مع أمثاله من المواطنين لمقاومتها. وبالتالي فليس من المتصور أن تستشري الظواهر السلبية.. إلا في بلد لا يشعر المواطن فيه بأن البلد بلده.. أو أن حكامه ينتمون إليه أو أنهم من لحمه ودمه. الظواهر السلبية تتراكم في ظل حكام لا ينتمون للشعوب وجاءوا بغير إرادته.. وتمددوا علي سرائر السلطة رغم أنفه ولسنوات طويلة.. وبلا نهاية. هنا تتراكم السلوكيات السلبية.. سنة بعد سنة.. وسنوات بعد سنوات إلي أن يفيق الحكام علي قنابل زمنية.. تنفجر الواحدة تلو الأخري.. وتجري معالجة آثارها بالمسكنات تارة.. وبالأكاذيب الإعلانية تارة أخري. ويضاعف من خطورة هذه الحالة.. أن كبار حكامنا.. الذين بيدهم مفاتيح الحل والربط.. يختارون القيادات التنفيذية من بين دوائر معارفهم.. من الزملاء القدامي.. والأصدقاء والمعارف.. الذين لم تختبر كفاءاتهم علي أرض الواقع.. وليس لهم أي تاريخ علمي أو ثقافي أو تجارب سابقة في العمل العام. الناس لا تعرف المعايير التي يتم علي أساسها اختيار الحكام.. ولا نعرف لماذا عينوا في مواقعهم.. ولا تعرف لماذا استبعدوا وأقيلوا.. وفق مذهب أغنية عبدالحليم حافظ: لا عرفوا أية وداك.. ولا عرفوا إيه جابك. وبالتالي تتولد مشاعر الرفض لهؤلاء الحكام الغرباء.. التي تؤدي بدورها إلي السلبية واللامبالاة.. واتساع الفجوة بين الطرفين. وفي غياب المشروع الوطني الذي تلتف حوله جماهير هذه الأمة العظيمة.. ازداد الإحساس بالغربة بين قطاعات عريضة من شبابنا.. ودفعها للهجرة غير الشرعية للبحث عن أمل خارج أوطانهم.. ومات المئات غرقا في أعماق البحر المتوسط. أريد أن أقول إن المشاكل المزمنة التي نواجهها لم تبدأ بين يوم وليلة.. بل إنها تراكمت عبر سنوات طويلة.. في ظل سلبية نشهدها في سباق الحنطورجية أمام مبني ماسبيرو. والطريف في الموضوع أن مسلسلات رمضان هذا العام تكلفت ما بين ثلاثة إلي أربعة مليارات من الجنيهات.. ذهبت من أجل توفير أقصي حدود الروقان.. وأنقي استهلاك للكهرباء.. في الوقت الذي كانت تجري فيه مسابقات عربات الحنطور.. دون أن يطل أي مسئول من نوافذ المبني صارخا «كرباج ورا.. يا اسطي». وفي ظل هذه الفوضي خرج علينا وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر بتصريحات تكشف الغيبوبة التي عاشها حكامنا طوال الثلاثين سنة الأخيرة.. والتي أدت لإفساد التعليم وفي مقدمتها مراكز الدروس الخصوصية التي أفسدت العملية التعليمية، واعتمدت علي الحفظ والتلقين.. وتدريب التلاميذ علي أداء الامتحانات بأقل قدر من إعمال العقل.. علاوة علي الكتب الخارجية التي قال الوزير إن في الأسواق الآن 75 ألف كتاب خارجي للصفين الأول والثاني الثانوي يجري طبعها وتوزيعها بدون الحصول علي موافقة من وزارته. بالإضافة إلي 700 ألف ملزمة كانت معدة للطبع والتجميع والتغليف.. لمواد تدرس باللغات الأجنبية.. ولكنها تصدر باللغة العربية.. في ملازم يعتمد عليها الطلبة دون الحاجة إلي العودة للنصوص المعتمدة باللغات الأجنبية. وقال الوزير إن هبوط مستوي الطلبة في اللغات الأجنبية يعود إلي هذه «الملازم» التي تباع في الأسواق.. بأسعار مرتفعة.. يقول الوزير إنها تمتص دماء المواطنين. وقال الوزير بدر إن الكتب الخارجية لا تشكل أي إضافة.. لأنها تقوم علي تقديم الإجابات النموذجية التي يحفظها الطالب لمجرد أداء الامتحان. ولا يختلف أحد في صحة ما قاله الوزير.. سواء بالنسبة لمراكز الدروس الخصوصية أو الكتب الخارجية.. ولكن المثير في الموضوع أن تكتشف وزارة التربية والتعليم.. هذه المأساة.. بعد 30 سنة من الممارسات الخطيرة. فمراكز الدروس الخصوصية التي انتشرت في كل أرجاء البلاد.. ومعها الكتب الخارجية والملازم التي تباع فوق الأرصفة.. لم تكن خافية علي أحد.. ولم يكن سرا.. أنها كانت السبب الرئيسي في القضاء علي المدارس.. التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم.. وإلي تدهور الدور التربوي.. الذي كانت تضطلع به المدارس في ترسيخ القيم النبيلة منذ عرفت مصر.. التعليم العام. ولكن المشكلة.. أن حكامنا يفيقون علي المشاكل بعد أن تستفحل.. ويغمضون عيونهم عن البدايات السلبية.. إلي أن تصبح غير قابلة للحل.. علي غرار ما يجري الآن أمام تليفزيون الفقي في ماسبيرو. حكامنا لا يلتفتون إلي الأصوات التي تنادي «كرباج ورا.. يا اسطي». وإذا تأملنا المشاكل التي نواجهها هذه الأيام.. ابتداء من تدهور التعليم والصحة.. والمواصلات العامة.. وحتي ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والزيوت والدقيق.. نجد أنها لم تظهر فجأة.. أو بين يوم وليلة.. وإنما ظهرت علي مدي سنوات طويلة.. كانت الحكومات خلالها غائبة عن الوجدان.. رغم التحذيرات التي كانت تدق أجراس الخطر.. وتصرخ: كرباج ورا.. يا اسطي! ومن الطبيعي أن يتساءل البعض منا: ماذا حدث لنا؟ لماذا اختفت الصفات النبيلة من حياتنا؟ ما هذه التحولات التي طرأت علينا.. وقضت علي نوازع الوطنية.. والاجتهاد.. في معاملاتنا اليومية؟ وهي أسئلة مشروعة.. لسبب بسيط.. أن حكامنا الذين تسببوا في هذه «البلاوي المسيحة».. هم أنفسهم الذين يبحثون لها اليوم عن حلول. وهم يبحثون عن حلول بالعقلية نفسها.. التي أدت لتراكم هذه الجبال من المشاكل المزمنة. والناس لا تتعاون مع حكامنا.. لأنها ترفضهم.. ولا تثق في قدرتهم علي العبور بهذا الوطن العظيم إلي بر الأمان.. والأدلة علي هذا الرفض ليست خافية علي أحد.. وفي مقدمتها تدني المشاركة الشعبية في الانتخابات العامة. وإذا تأملت صور السيدات والسادة الذين يرشحون حكامنا للانتخابات البرلمانية القادمة نجد أنهم نفس السيدات والسادة.. الذين تتصدر صورهم المشهد السياسي طوال الثلاثين سنة الماضية. دخلوا الحياة العامة.. أيام «والله زمان يا سلاحي».. وبقوا في مواقعهم إلي أيام أغنية «فلليني يا امة.. فللي رأسي.. القمل يا امة جراح وقاسي». والطريف في الموضوع.. أن حكامنا يتحدثون كثيرا عن التغيير.. ولا أحد يعلم تغيير ماذا؟. اختصار الكلام.. أن ما يجري علي كورنيش النيل من سباق للحناطير يدعونا لمناشدة حكامنا للتدخل.. قبل أن تتفاقم المشاكل ويستعصي الحل.. ونقول لهم: كرباج ورا.. يا حكومة!