تتوالي هذه الأيام عمليات القبض والاحتجاز والتوقيف بمطار القاهرة والإحالة للمحاكمة لشخصيات محسوبة علي المعارضة وشباب الثورة. ففي مطلع هذا الشهر أحال المحامي العام الأول لنيابات الاستئناف بالإسكندرية الناشط السياسي «حسن مصطفي» إلي محكمة جنايات الإسكندرية بعد اتهامه بالتحريض علي قطع وتعطيل وسائل المواصلات العامة والاعتداء علي موظف عمومي «ضابط شرطة» لتظاهره وآخرين بمنطقة «محطة مصر» بالإسكندرية احتجاجا وتنديدا بحادث قطار البدرشين الذي ذهب ضحيته 19 شهيدا و117 مصابا، وكان قد حكم علي حسن مصطفي بالحبس لمدة سنتين بعد اتهامه بالاعتداء علي وكيل النائب العام أثناء عرض المتهمين في أحداث محكمة وأمن الإسكندرية، وتجري حاليا إعادة المحاكمة أمام محكمة جنح مستأنف المنشية بالإسكندرية. وأمس الأول «الاثنين» استأنفت محكمة جنح أول طنطا محاكمة الناشط السياسي «أحمد دومة» بتهمة إهانة د. محمد مرسي رئيس الجمهورية وإذاعته عمدا أخبارا وإشاعات كاذبة وارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد، 10 مكرر و179 من قانون العقوبات، وكان النائب العام «غير الشرعي» المستشار طلعت عبدالله إبراهيم قد أصدر أمر ضبط وإحضار له وتم إيداعه السجن وحبسه احتياطيا منذ مطلع هذا الشهر، ودومة كان المتحدث باسم «ائتلاف شباب الثورة» خلال ثورة 25 يناير، وتم سجنه أكثر من 18 مرة في عهد مبارك والمجلس الأعلي للقوات المسلحة، وفي عهد د. محمد مرسي، وألقي القبض عليه علي خلفية اتهامه بالتحريض علي أحداث مجلس الوزراء وأفرج عنه يوم 10 أبريل 2012 ليعاد اعتقاله مجددا، وهو عضو في اللجنة التنسيقية لحركة كفاية. وألقي القبض يوم الجمعة الماضي علي «أحمد ماهر» منسق وأحد مؤسسي حركة 6 أبريل في مطار القاهرة بعد عودته عبر فيينا من الولاياتالمتحدة حيث شارك في ندوة بحثية وقبض عليه بناء علي أمر ضبط وإحضار من النائب العام بتهمة «التحريض علي التظاهر» بدعوته للمواطنين للتظاهر – عبر موقع التواصل الاجتماعي – أمام منزل وزير الداخلية يوم 29 مارس الماضي، وأمرت النيابة بحبسه 4 أيام علي ذمة التحقيق ثم أفرج عنه في اليوم التالي أمام ضغط القوي السياسية والأحزاب، ومما يذكر أن حركة 6 أبريل بقيادة أحمد ماهر دعمت انتخاب د. محمد مرسي للرئاسة. وفي نفس اليوم جري في مطار القاهرة توقيف «عماد جاد» نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والصحفي والخبير الاستراتيجي لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أثناء عودته من لبنان واحتجازه لمدة 30 دقيقة بحجة تشابه في الأسماء مع أحد الأشخاص المدرجين علي قوائم ترقب الوصول والممنوعين من السفر، وعلق عماد جاد علي هذه الحجة السخيفة قائلا: «إنها المرة الأولي منذ 25 عاما سفر رايح جاي تحدث فيها هذه الواقعة». وتؤكد هذه الممارسات وغيرها كثير أن دولة الإخوان أو دولة المرشد التي يجري هدم الدولة المصرية من أجل تأسيسها، هي «دولة بوليسية» بمعني الكلمة، يحكمها منطق الأمن وحده، وبمفهوم محدد للأمن وهو أمن الحاكم وليس أمن الوطن والمواطنين. وفي هذا السبيل يتم استدعاء أسوأ القوانين والمواد القانونية التي صدرت في عهود الديكتاتورية، مثل المادة 102 مكرر التي أضيفت لقانون العقوبات عام 1957 وهي مادة مستمدة من أحكام الأمر العسكري رقم 46 لسنة 1952 الصادر في 20 سبتمبر 1952، والمادة 179 والتي تجيز الحبس الاحتياطي في تهمة إهانة رئيس الجمهورية، فرغم إلغاء الحبس الاحتياطي في الجرائم المرتكبة عن طريق النشر في الصحف وغيرها من وسائل النشر فقد استثني المشرع جريمة إهانة رئيس الجمهورية من هذا الإلغاء، مما حول الحبس الاحتياطي من إجراء وقائي يقصد به الحيلولة بين المتهم وبين ومحاولة التأثير في التحقيق أو إخفاء الأدلة أو التأثير في الشهود أو هرب المتهم إذ لم يكن له مقر إقامة وعمل دائم، إلي عقوبة مسبقة بمجرد توجيه النيابة الاتهام، إضافة إلي أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 179 هي من جرائم «الإهانة» وهي جرائم ينفرد بها القانون المصري، فعبارة «الإهانة» – كما قال القضاء وفقهاء القانون – من الغموض «بحيث يمكن أن تستغرق غيرها ويلتبس بها سواها، فرب نقد قارص وإظهار عيوب قرار أو تصريح أو موقف يفهم منه معني الإهانة. ولابد أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة غير مجهلة، وكلمة الإهانة من الصعب تحديدها أو تعيينها تعيينا دقيقا، ولابد معها من البحث في القصد والنية وتأثيم الفكر، علي عكس السب والقذف مثلا فهي أوصاف محددة بدقة..». واتهام مواطن بالتحريض علي التظاهر شذوذ من النيابة العامة واعتداء علي الدستور والقانون، فحق التظاهر إضافة إلي أنه حق من حقوق الإنسان مضمون بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والبروتوكولات الدولية التي وقّعت وصدقت عليها السلطات المصرية، فقد أكدته المادة (50) من الدستور القائم، كما أن القانون يمنع الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، ودعوة «أحمد ماهر» للتظاهر نشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي. في ضوء هذه الحقائق من الضروري أن تنسق وتحشد الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والحركات السياسية والاجتماعية وائتلافات الشباب جهدها للإفراج عن كل النشطاء السياسيين المقبوض عليهم أو المقدمين للمحاكمة طبقا لمواد شاذة في القوانين المصرية، ولإسقاط الدولة البوليسية وكل ممارستها.