ورثة الجماعة «ليست قصة حياة الشيخ «حسن البنا» ملكا لورثته، ولا هي ملك لجماعة الإخوان المسلمين»، أقول هذا بمناسبة تجدد الحديث حول أحقية ورثة المشاهير في الموافقة أو عدم الموافقة علي تجسيد شخصية ذويهم دراميا، كلما لاح في الأفق عمل فني يتناول قصة حياتهم، حيث يثير ورثة المشاهير المشاكل التي تبدأ بالمطالبة بالاطلاع علي سيناريو العمل الفني قبل البدء في تنفيذه، ولا تنتهي بالاعتراض من الأصل علي كتابة هذا العمل، علي اعتبار أن هذا حق لهم وحدهم في كتابة تاريخ تلك الشخصية حتي لو لم يبادر أحد منهم بفعل ذلك، أو لم يكن بينهم من يجيد فعله أصلا. حدث ذلك مع مسلسل «أم كلثوم» الذي كتبه محفوظ عبدالرحمن وأخرجته إنعام محمد علي، حيث اعترض الورثة علي تصوير أحداث ووقائع تتعلق بحياتها، وظل هذا الاعتراض سيفا مسلطا علي رقبة المؤلف الذي رفض أن يقرأ الورثة النص قبل تنفيذه كما حدث مع مسلسل «أسمهان» الذي نقل ورثتها المعركة حوله من الصحافة إلي ساحة القضاء. وأثار أحد أبناء الفنانة ليلي مراد ضجيجا هائلا حول مسلسل «قلبي دليلي» الذي جسد قصة حياتها. وحدث الشيء نفسه مع مسلسل «إمام الدعاة» الذي يحكي قصة حياة الشيخ متولي الشعراوي. كما أوقفت تدخلات الورثة تنفيذ فيلم سينمائي يروي حياة المشير عبدالحكيم عامر بعنوان «الرئيس والمشير»، وما يحدث الآن مع مسلسل «الجماعة» الذي كتبه «وحيد حامد» وأخرجه «محمد يس» وتدور أحداثه حول حياة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، لا يختلف كثيرا عما سبقه، إذ أقام ابنه أحمد سيف الإسلام حسن البنا دعوي قضائية ضد المؤلف وضد شركة الباتريوس المنتجة للمسلسل، وضد اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي يبثه حصريا علي قنواته، للمطالبة بوقف عرضه، لأنه كما قال في دعواه لم يطلع علي السيناريو قبل بدء تنفيذه، لا هو ولا أي من أفراد أسرته، وأن حقه القانوني يبيح له التأكد من أن ما نسب إلي والده أو للجماعة من وقائع صحيح وغير مزيف. في الحالات السابقة التي أثارت فيها أسر المشاهير المشاكل، وأقامت الدعاوي القضائية لوقف الأعمال الدرامية التي تتعرض لحياتهم، يسهل القول إن معظمها كان الدافع وراءه هو أطماع مالية للورثة، لكن من الصعب قول ذلك علي التحرك القضائي ضد مسلسل «الجماعة» من قبل ورثته، أو من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي تعد واحدة من كبري القوي المالية والاستثمارية في مصر، إذ الأغلب الأعم أنه تحرك سياسي، يصادر علي الحق في تقديم رؤية نقدية لمسيرة حياة الشيخ «حسن البنا»، وللدور الذي تلعبه «الجماعة» في الحياة السياسية المعاصرة، فمن غير المتصور أن يكون مريحا للورثة أو للجماعة، هذا الخيط البارز في أحداث المسلسل الذي يربط بين نشأة الجماعة، والرعاية السعودية لها، أو بتصوير الشيخ «البنا» كشخصية كاريزمية، استبدادية وانفرادية لا تقبل سوي بالولاء والطاعة، أو تصوير تكنيك تغلغلها في الصحف والفضائيات وتجنيدها للأفراد أو بتصويره أن «الجماعة» اليوم هي شيء آخر غير تلك الجماعة التي أسسها الشيخ «البنا» كجماعة دعوية تحض علي الإيمان والفضيلة ومكارم الأخلاق وتحارب الرذيلة. الحق الوحيد لورثة المشاهير هو الاعتراض علي وقائع وأحداث وأفعال ملفقة تنسب إلي ذويهم، أما غير ذلك فهو تزيد لا يفرضه قانون، كما أنه عقبة أساسية أمام حريات الإبداع والفكر، ينبغي التصدي لها، فالدستور يكفل حرية الرأي والتعبير، كما أن محكمة القضاء الإداري ألغت قرار الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات، إرجاء منح الترخيص بتصوير فيلم «الرئيس والمشير»، وأكدت في متن قرارها أن الفن السينمائي لا يجوز الحكم عليه إلا بالمعايير التي يخضع لها هذا الفن، وهو نفسه ما ينطبق علي فنون الدراما التليفزيونية. قصة حياة الشيخ الإمام «حسن البنا» ليست ملكا لورثته أو لجماعة الإخوان المسلمين، إنه جزء من تاريخ مصر، يحق للكتاب والمبدعين والمؤرخين التنقيب فيه وإلقاء الضوء عليه، ومن ثم تفسيره.