صوته ارتبط في أذهاننا بموعد مدفع رمضان .. إنه الشيخ محمد رفعت ،الذي استطاع بصوته العذب الخاشع أن يغزو القلوب والوجدان في قراءة عذبة خاشعة.. وكان شيخنا مبصرًا حتي سن سنتين، إلا أنه أصيب بمرض كُفّ فيه بصره . وألحقه والده بكتّاب مسجد فاضل باشا ب"درب الجماميز"، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، لم يكتفِ الشيخ محمد رفعت بموهبته الصوتية الفذَّة، ومشاعره المرهفة في قراءة القرآن، بل عمق هذا بدراسة علم القراءات وبعض التفاسير، واهتم بشراء الكتب، ودراسة الموسيقي الرقيقة والمقامات الموسيقية، فدرس موسيقي "بتهوفن"، و"موزارت"، و"فاجنر"، وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية في مكتبته. وامتاز محمد رفعت بأنه كان عفيف النفس زاهدًا في الحياة، وكأنه جاء من رحم الغيب لخدمة القرآن، فلم يكن طامعًا في المال لاهثًا خلفه، وإنما كان ذا مبدأ ونفس كريمة، فكانت مقولته: "إن سادن القرآن لا يمكن أبدًا أن يُهان أو يُدان" ويقول الباحث مصطفي عاشور كان منزله منتدي ثقافيًّا وأدبيًّا وفنًّيا، حيث ربطته صداقة قوية بمحمد عبد الوهاب، الذي كان يحرص علي قضاء أغلب سهراته في منزل الشيخ بالسيدة زينب، وكثيرًا ما كانت تضم هذه الجلسات أعلام الموسيقي والفن، وكان الشيخ يُغني لهم بصوته الرخيم الجميل قصائد كثيرة، منها: "أراك عصيّ الدمع". قال عنه الأديب "محمد المويلحي": "سيد قراء هذا الزمن، موسيقيّ بفطرته وطبيعته، إنه يزجي إلي نفوسنا أرفع أنواعها وأقدس وأزهي ألوانها، وإنه بصوته فقط يأسرنا ويسحرنا دون أن يحتاج إلي أوركسترا".وقال الموسيقار محمد عبد الوهاب : إن صوته ملائكي يأتي من السماء لأول مرة، وسئل الكاتب الكبير محمود السعدني عن سر تفرد الشيخ محمد رفعت فقال: كان ممتلئًا تصديقًا وإيمانًا بما يقرأ. توفي 9 مايو 1950، وهو التاريخ نفسه الذي وُلد فيه، عن ثمانية وستين عامًا قضاها في رحاب القرآن الكريم.