ضمن مسلسل الصدامات والسجالات بين المعارضة التركية الممثلة في أكبر حزب علماني وليبرالي "حزب الشعب الجمهوري "الأتاتوركي" النزعة وحزب العدالة والتنمية الحاكم ذي النزعة الدينية بزعامة الطيب دوجان رئيس الحكومة ،والذي رفض اقتراحا بمشروع قانون لادراجه بجدول أعمال البرلمان التركي قدمه كليشيدار أوغلو رئيس حزب الشعب ، يتضمن تعديلات علي قانون التجنيد العسكري الالزامي مع تعديلات أخري جوهرية لتحجيم تدخل المؤسسة العسكرية التركية وتحديد لصلاحياتها وذلك بالغاء المادة (35) من القانون الحالي التي تنص علي أن مهمة الجيش حماية النظام الجمهوري العلماني ، بما يتيح لجنرالات الجيش هامشا واسعا للتدخل في الحياة السياسية التركية ،والذين طالما لجأوا لاستخدام هذه المادة لتبرير انقلاباتهم العسكرية والتدخل المتزايد علي قاعدة دستور عام 1982 الساري حتي الآن الذي برر كل الانقلابات طوال أكثر من عشرين عاما ،بل ربما تبرير انقلابات أخري قادمة في المستقبل . ويبدو بالنظرة السريعة الي أن الحزب الحاكم في رفضه مشروع قانون المعارضة يرغب في استمالة الجيش وعدم الدخول في صراعات معه في المرحلة الحالية وتركه للمهمة الصعبة في تصفية معاقل حزب العمال الكردستاني علي الحدود العراقية وبداخل الأراضي العراقية ،هذا بالاضافة الي عدم التصعيد مع المؤسسة العسكرية علي خلفية نظر القضاء التركي لقضية تورط عدد من القيادات العسكرية في عملية انقلاب علي الحزب الحاكم ،فيما عرف اعلاميا بتنظيم "ارجينيكون ". وتهدف المعارضة من طرح مشروع القانون المذكور الي احراج الحزب الحاكم الذي دعا الناخبين الي التصويت في الاستفتاء الشعبي المقرر 12 سبتمبر القادم علي التعديلات الدستورية والذي وافق عليها أغلبية الحزب البرلمانية لكنها لم تحظ بتأييد ثلثي النواب لتمريرها كما يقضي دستور البلاد ،ومن ثم لم يكن من مفر أمام الحزب الحاكم سوي طرحها في الاستفتاء الشعبي ،بعد الغاء المحكمة الدستورية لبنود كثيرة منها تتعلق بالسلطة القضائية واستقلاليتها ،ولم تشمل التعديلات قانون الخدمة العسكرية لأنه يشكل حجر الزاوية ،واذ يستند حزب الشعب المعارض علي أنه لو كان الهدف الحقيقي للحزب الحاكم مواجهة المؤسسة العسكرية كما يدعي رئيس الحزب رئيس الوزراء الطيب دوجان والذي يتمتع حزبه بأغلبية برلمانية ،لما كان يغفل تعديل قانون الجيش والذي لا يحتاج لتأييد ثلثي عدد نواب البرلمان بل بأغلبية بسيطة تمكنه من اجراء التعديل المطلوب ،بل ان الأمر لا يعدو عن كونه مغازلة بين الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية. تفاقمت الأزمة بين الجيش التركي وحكومة الحزب الحاكم علي أثر قرار الحكومة باستبعاد اقتراح الجنرال باشبوغ رئيس الأركان لترشيح الجنرال حسين اغضير قائد الجيش الأول ليتولي قيادة القوات البرية ،وذلك علي خلفية ثأر حكومي قديم تم إفشاؤه عام 2007 لأكثر من 15 موقعا الكترونيا بإمرة الحزب الحاكم ،كانت تعمل علي تشويه سمعة الجنرال اغضير ،الذي اتهم الحزب الحاكم بمعاداة العلمانية ومحاولته لتقسيم البلاد ،وهو ما تضمنته دواعي الطلب المقدم وقتها الي المحكمة الدستورية لحظر نشاط حزب العدالة والتنمية الحاكم .فبينما تجاوزت حكومة الطيب دوجان والمؤسسة العسكرية ترقية 11 جنرالا متهمين حاليا في القضية الانقلابية المعروفة اعلاميا باسم "المطرقة " قررت الحكومة عدم ترقيتهم في مخالفة للوائح العسكرية وعدم ظهور أدلة دامغة علي ضلوعهم في الانقلاب المزعوم ،وهو ما دعا لاجتماع 25 من كبار قيادات القوات المسلحة التركية واعلان رفضهم اتهامات الحزب الحاكم للمؤسسة العسكرية بدون أدلة مادية أمام القضاء ،مع انتقادهم لقرار الحزب الحاكم الغاء الترقيات العسكرية المقررة ،ومحذرين من محاولات تسييس الجيش لخدمة الأغراض الحكومية ،بل دعت قيادات عسكرية رئيس الأركان باشبوغ لتقديم استقالته في الوقت الذي حذرت فيه منظمات مدنية وحقوقية من مغبة تصعيد الموقف وعمليات التدخلات المستمرة من الحزب الحاكم في الشئون العسكرية ،مستندين علي ذلك بتجربة عام 1980 عندما أقدم رئيس الوزراء سليمان ديميريل علي تغييرات في ترقيات الرتب العسكرية العليا بهدف تصفية من اعتقد أنهم يشكلون خطرا علي حكومته الي أن وصل لرئاسة الأركان الجنرال كنعان افرين الذي قاد انقلابا دمويا أدي الي ارسال ديميريل الي السجن .