هل يحدث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه مصر في ظل إدارة الرئيس أوباما الثانية؟ هل تتخلي الولاياتالمتحدة عن دول الربيع الذي تحول إلي كابوس وشتاء عربي، في ظل احباط الشعوب العربية في مصر وليبيا وتونس واليمن من امكانية حدوث تقدم كبير دفعة واحدة في كل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إضافة إلي دخول سوريا في حرب أهلية مدمرة لا يعرف أحد كيف ستنتهي وبعد فقدان كل الأطراف المحلية والدولية السيطرة علي ما يحدث هناك؟السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط دخلت إلي مرحلة مراجعة في ظل تغيير عدد من الوزراء الذين سيعملون مع الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» في فترة رئاسته الثانية، وعلي وجه الخصوص وزيري الخارجية (جون كيري) والدفاع (تشاك هافل) إضافة إلي الشهادة التي أدلت بها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون» امام لجنة استماع في الكونجرس حول عملية اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا «كريس ستيفز» وكشف ذلك كله عن ملامح السياسة الأمريكية التي تتشكل من جديد تجاه الشرق الاوسط وبصفة خاصة كيفية التعامل مع مصر ومتي أصبحت في ظل حكم جماعة الإخوان والتيار الإسلامي. مصر ليست عدوا.. ولا صديقاً أخر التصريحات المهمة حول الموقف من مصر أطلقها أوباما اثناء حملته لإعادة انتخابه وقال وقتها ان مصر ليست عدوا كما أنها ليست صديقا» وذلك في اعقاب التظاهرات العنيفة التي شهدتها القاهرة وعدة مدن ضد السياسة الامريكية وانتزاع المتظاهرين للعلم الأمريكي وحرقه علاوة علي رشق موكب وزيرة الخارجية الامريكية كلينتون بالبيض في الإسكندرية. وبدت هذه التصريحات وكأنها محاولة للابتعاد عن نظام الإخوان الذي بات يحكم مصر بعد أن دخل في صدامات مع القوي السياسية المختلفة في الداخل وسمح بشن حملة عنيفة علي السياسة الامريكية وعلي الرغم من انه لولا الدعم الأمريكي السياسي للثورة ضد نظام مبارك ما أمكن توفير غطاء دولي لها. وقبيل تشكيل الفريق الوزاري الجديد لإدارة أوباما قام وفد أمريكي يضم ثمانية من نواب الكونجرس بزيارة القاهرة واثار مع الرئيس محمد مرسي عديداً من القضايا التي تهم الادارة الامريكية والمثير أن أهمها كان الشتائم التي وجهها مرسي لإسرائيل قبيل انتخابيه ووصف فيها الاسرائيلين بأنهم ابناء القردة والخنازير وتمت مطالبة مرسي بتوضيح تلك التصريحات والاعتذار عنها ولكنه اكتفي بالتأكيد علي احترامه لكل الاديان السماوية والاشارة إلي أن تلك التصريحات تم اقتطاعها من سياقها حيث تم اطلاقها ابان الغزو الاسرائيلي لقطاع غزة في بداية عام 2010 وهو ما اعتبره وفد الكونجرس غير كاف. شروط العلاقة مع مصر في جلسةالكونجرس لاقرار تعيين (تشاك هافل) وزيرا للدفاع تحولت إلي مناقشة عاصفة للسياسة المصرية والموقف الامريكي من حكم الإخوان والرئيس محمد مرسي، وقال عضو لجنة التسليح السيناتور (جيمس انهوف) انه لا يحب الرئيس مرسي بل يعتبره عدوا، بعكس الجيش المصري الذي يعتبر حليفا للولايات المتحدة وقدم (انهدف) اقتراحا بمشروع قانون لفرض شروط علي المعونات العسكرية الامريكية ؟؟ يجب أن تبتعد عن الاسلحة التقليدية إلي مجال الاسلحة الخاصة بمواجهة الارهاب وبالتالي لا داعي لارسال طائرات أف – 16 لمصر وكذلك الدبابات ابرامز حتي يتوفر للكونجرس الوقت الكافي لمراجعة الاتفاقيات العسكرية بين البلدين خصوصا بعد قرار دستور لا يحترم حقوق الاقليات الدينية والسياسية اضافة إلي تضييق مرسي الخناق علي معارضيه وانتهاج سياسة الاستبعاد والاقصاء المنهجي مما أدي إلي تفشي عدم الاستقرار في البلاد. وزير الدفاع الجديد (هافل) حاول أن يبدو في المنتصف بين انتقادات عددا من النواب مثل «نهوف» والحرص علي عدم ارسال اشارات سلبية ضد أو مع النظام الجديد فيها قبل أن يتولي منصبه رسميا فقال ان منح أو منع السلاح عن أي دولة هو قرار سياسي يتخذه الرئيس ولكنه استطرد قائلا ان العلاقات مع مصر يجب أن تكون مشروطة وهو لم يشر إلي الشروط التي يجب وضعها لادارة العلاقات مع مصر وارسال الاسلحة لها ولكن مصادر صحفية أمريكية اشارت إلي التزام «هافل» بالشروط التي وضعها اوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وهي ضمان امن اسرائيل عبر الالتزام بالتطبيق الكامل لاتفاقيات كامب ديفيد مما يعني ضمنيا عدم الدفع بقوات مصرية ثقيلة إلي سيناء كما حدث في أعقاب عملية الهجوم علي وحدة الجنود المصريين في سيناء وقتل 14 منهم في رمضان الماضي وكذلك الابقاء علي حرية الملاحة في قناة السويس دون أي عوائق مما يعني مرور السفن والمدمرات الحربية الامريكية والاسرائيلية والتابعة لحلف الناتو مما يحول دون عودة مصر لإغلاق القناة أو مضيق (تيران) امام أي سفن عسكرية أو تجارية كماحدث قبيل حرب 1967. ومن بين الشروط الأمريكية التي قبلتها جماعة الإخوان قبل ترشح خيرت الشاطر ثم مرسي للرئاسة إضافة إلي ما سبق، الحفاظ علي حقوق الاقباط علي كل الاصعدة وتشجيع حصول المرأة علي حقوقها وفتح المجالات كاملة امام عمل منظمات المجتمع المدني بلا عوائق وتصفية القضية المنظورة أمام القضاء والمتهم فيها عدد من النشطاء الامريكيين. الصندوق أولا وفي المجال الاقتصادي حددت الإدارة الامريكية في عدة مناسبات وبشكل واضح لا يقبل اللبس، ان مفتاح استمرار المساعدات الاقتصادية الامريكية لمصر يكمن في انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإنه بدون هذا الاتفاق فإن عملية التجميد الحالية للمساعدات الامريكية منها حوالي 190 مليون دولار ستظل مستمرة إلي ان يتم مراجعة هذا الرقم ابرام الاتفاق مع الصندوق، الذي سيحدد استمرار السياسة الاقتصادية المصرية في اتباع نفس النمط الرأسمالي الذي يلعب فيه القطاع الخاص الدور الاساسي في التنمية وخطر العودة إلي سياسة التأميم أو المصادرة أو وضع عراقيل امام الاستثمار الخاص، اضافة إلي رفع الحماية النقدية التي يقوم بها البنك المركزي لدعم الجنيه المصري. مراقبة سياسة مصر وفي ظل تلبية مرسي ونظامه لتلك الشروط فإنه سيستطيع التمتع بغطاء سياسي ودولي توفر له الولاياتالمتحدة التي لا تمانع من استمرار حكم الإخوان مع اضفاء بعض الاصلاحات والحوار مع المعارضة السياسية والاهم الاستمرار في لجم حركة حماس والسيطرة علي سلوكها العدواني وربما يكون لمرسي دور مهم في تقرير مستقبل سوريا في ظل تواجد قوي اسلامية اقرب إلي الإخوان في قلب القوي المعارضة التي تحارب في سوريا والتي تساهم في التشكيلات والتحالفات السورية المعارضة اضافة إلي الرغبة في تهدئة الاحوال في مصر مع استمرار الأزمة مع ايران ومراهنة وزير الدفاع «هافل» والخارجية كيري علي امكانية الحوار مع إيران لإنهاء الأزمة النووية وامكانية ان يلعب مرسي دورا في هذا الاطار في ظل رغبة ايران في إقامة علاقات قوية مع مصر تتيح لها لعب دور اقليمي اكثر تأثيرا في المنطقة ولن تمانع ايران في ان تعطي لمصر في ظل حكم الإخوان دورا كبيرا في رعاية مفاوضات غير علنية لحل الازمة النووية مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية. الخلاصة ان هناك ادوارا اقليمية مهمة يمكن للنظام المصري ان يلعبها وطالما استمر في الالتزام بثوابت الاستراتيجية الامريكية في المنطقة فإن هذا النظام يمكن ايضا ان يحظي بمزيد من الدعم الامريكي ومظلة الحماية والتأييد خاصة إذا ما تم حل المشاكل والصراعات السياسية في الداخل والاستجابة للنصائح الامريكية بهذا الصدد وبالتالي سيصبح نظام الإخوان صديقا وحليفا للولايات المتحدة ويخدم نفسه ويخدم المصالح الامريكية بأكثر مما فعل نظام مبارك فاستقرار نظام مرسي يعتمد كثيرا علي الغطاء الامريكي وتجاهل اسرائيل لكثير من التصريحات الساخنة التي لا ترتبط بأي فعل عدائي ضدها.