قال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات: "إنها وقائع حزينة جدا.. لا يجب أن تتكرر لأطفالنا ولا للجيل القادم". بينما قال الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا: في سجن جزيرة روبن، قرأ بعضنا يوميات «آن فرانك» واستمد منها الكثير من التشجيع". في حين قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي: "من بين جميع من عبروا علي امتداد التاريخ عن الكرامة الإنسانية في أوقات المحن والخسائر العظيمة، يبقي صوت أن فرانك هو الأقوي". هكذا تحدثوا عن مذكرات آن فرانك التي صدرت مؤخرا طبعتها العربية الأولي عن دار مرايا للنشر والتوزيع. من هي آن آن فرانك طفلة من ضحايا الهولوكوست، ولدت في مدينة فرانكفورت بألمانيا عام 1929، لأبوين يهوديين، هاجرت مع أسرتها إلي هولندا بعدما وصل النازيون إلي السلطة في ألمانيا عام1933. وعاشت حياة مستقرة حتي اندلعت الحرب العالمية الثانية، وغزا الجيش الألماني هولندا. وأخذ النازيون يفرضون سلسلة من الإجراءات المشددة ضد اليهود، حتي استشعر والدها «أتو فرانك» أن هناك خطرا داهما سيلاحق اليهود، لذا قرر أن يتخفي هو وأسرته من بطش النازيين. فأعد الجزء الخلفي من مبني شركته، وزوده بوسائل المعيشة كي يكون صالحا للإقامة له ولأسرة شريكه "فن دان" لمدة ليست معلومة آنذاك، والتي وصلت إلي عامين. في هذا المخبأ الموحش بدأت آن فرانك تكتب مذكراتها وهي في الثالثة عشر حتي الخامسة عشر من عمرها إلي أن قبض عليها ورحلت إلي معسكر السخرة، لعدة أشهر حتي لقيت حتفها في عام1945. اكتسبت شهرة دولية عقب نشر مذكراتها التي توثق تجربتها في المخبأ إبان الاحتلال الألماني لهولندا. كيتي شرعت آن في كتابة يومياتها في 20 يونيه عام1942، حتي 1اغسطس 1944، وقد اختارت شكل الرسائل في الكتابة، ووجهت صرخاتها وهمومها وعذاباتها، وكل الأشياء المدفونة في قلبها إلي صديقتها المتخيلة التي تبوح لها بكل شيء وهي دفتر يومياتها، تقول آن " لكي أدعم في خيالي، صورة الصديق الذي انتظرته طويلا، لن أكتفي بتسجيل يومياتي كما يفعل معظم الناس، ولكن أريد من هذه المفكرة ذاتها أن تكون صديقتي، وقد اخترت لها اسم " كيتي ". روت آن فرانك في كتاباتها عن أسرتها وعلاقتها الجيدة بأبيها والسيئة للغاية مع والدتها، كما درست آن علاقتها مع أفراد المخبأ من الأهل والأصدقاء، وخلصت إلي أن الاختلافات القوية في شخصياتهم، والحياة المملة التي عاشوها حولتهم جميعا إلي أشخاص سيئ الطباع. وكتبت عن التغييرات التي حدثت في هولندا، وناقشت العديد من القيود التي كانت مفروضة علي اليهود وقتذاك ومنها علي سبيل المثال لا الحصر: يمنع اليهود من ركوب الترام، ومن ركوب السيارات، كما يمنع اليهود من دخول المسارح ودور السينما، ومراكز الترفيه الأخري. كما يحظر علي اليهود ممارسة رياضة التجديف. ويمنع اليهود من الجلوس في حدائق منازلهم بعد الساعة الخامسة مساء، وغيرها من القيود. كما حكت آن عن علاقتها الغرامية التي نشأت في المخبأ مع بيتر، وكيف كان لها تأثير السحر، وكيف ملأت أيامها وأحلامها، وجعلتها في حالة تصالح نفسي مع الواقع القاسي الذي فرض عليها. الحرية والخلاص بعد حياة استمرت نحو عامين في المخبأ بكل المخاوف والذعر، كان جميع أفراد أسرة آن يرون الخلاص علي يد انجلترا وإنها المنوط بها إنقاذ هولندا، بينما كتبت آن تقول: لا أحد يري أبعد من أرنبة أنفه. لا أحد يلتفت إلي حقيقة أن الانجليز يحاربون من أجل بلدهم هم وشعبهم هم.. لا يوجد بلد يمكن أن يضحي برجالة دون سبب، وبالتأكيد لن يضحي بهم دفاعا عن مصلحة بلد آخر، وبريطانيا ليست استثناءَ من هذا. الغزو والتحرير والحرية ستأتي يوما ما، لكن انجلترا، وليست البلدان المحتلة هي التي ستختار اللحظة المناسبة. شكوك مشروعة نشرت يوميات آن فرانك في هولندا عام1947، تحت عنوان "البيت الخفي" وبعد سنوات قليلة ترجمت اليوميات إلي العديد من لغات العالم، وباتت اليوميات من أشهر كتب القرن العشرين، ووزع منه ملايين النسخ، واقتبس في أعمال سينمائية وتليفزيونية ومسرحية. وتحول المخبأ الذي كتبت فيه اليوميات إلي متحف، ثم أسس الأب أوتو فرانك "مؤسسة آن فرانك" التي تهتم برسالة السلام ودعم قيم التسامح وقبول الآخر. وقد شكك العديد من الكتاب والنقاد والسياسيين العرب في نسب اليوميات إلي الطفلة آن، وقال البعض أن الكيان الصهيوني هو الذي أضفي الكثير من الأكاذيب علي اليوميات، كما أنها مزيفة وكتبها الأب من اجل التربح المادي، في حين رأي البعض الآخر أنه ليس من المعقول أن تكتب طفلة في الثالثة عشر مثل هذه المذكرات المتماسكة البناء والنضج معا. وقد استبعد البعض التهمة المتعلقة بأن اليوميات أنضج من مقدرة فتاة بعمر آن. ورأوا أنها تغيرت خلال الخمسة والعشرين شهرا التي قضتها في المخبأ؛ وأن اليوميات تسجل هذا التغير التدريجي.. في الوقت ذاته كان الأب قد استبعد أجزاء من اليوميات وجدها ليست ملائمة للنشر، خاصة تلك الفقرات التي تحدثت فيها آن عن مشاعرها وأفكارها الجنسية، كذلك الفقرات التي تناولت فيها آن بالنقد القاسي زميلاتها وسكان المخبأ. إلا أن اليوميات -حسب المترجم- قد انتقلت إلي ملكية "المعهد الهولندي لتوثيق الحرب" عام1984، الذي أصدر بدوره "الطبعة النقدية" ليوميات " آن" وخلص المعهد بعد الفحص والتدقيق اللذين أجراهما علي نصوص اليوميات، إلي إثبات صحة نسبها إلي آن فرانك بشكل قاطع لا يترك مجالا للشك. وفي عام 1995 تم نشر اليوميات كاملة، وأسندت مهمة تحرير الطبعة الجديدة إلي الكاتبة الألمانية "مريام برسلر". وتقديم هذه القراءة في كتاب آن لا تعني إظهار وإعلان التعاطف مع اليهود، فهناك في الجانب الأخر تفعل الآلة العسكرية الإسرائيلية فعلها في شعب أعزل محاصر في قبو يشبه إلي حد كبير قبو آن. فما جري لآن لا نملك سوي إدانته من الأعماق، وما يجري الآن في فلسطين مدان أيضا ومن الأعماق.