ليس هناك قانون محدد ومكتوب يحكم قواعد المقابلات الصحفية التي يمكن ان يمنحها الرئيس لمراسل اجنبي. ولا اظن ان قانونا كهذا موجود في اي من بلدان العالم. مع ذلك فإن العرف جري – في مصر كما في غيرها من دول العالم – علي ان تتفحص السلطات المسئولة في الرئاسة التفصيلات التي يمكن ان تحصل عليها عن مراسل صحفي اجنبي يطلب ميزة اجراء حديث مع رئيس الجمهورية. وقضي العرف المتبع ان لا توافق الرئاسة علي اجراء مثل هذا الحديث مع مراسل صحفي اذا كان ملفه يدل علي انه يمكن ان يوقع الرئيس في مطب او اكثر لحساب دولة أجنبية او حتي لحساب مؤسسة اعلامية اجنبية لا يمكن الجزم بانها تتخذ موقفا موضوعيا علي الاقل تجاه هذا البلد. في الاسبوع الماضي اجري الرئيس مرسي حديثا مع وولف بليتزر كمراسل لفضائية “سي.ان.ان.” الامريكية ونشرت الصحف المصرية ما يمكن اعتباره مضمونا هذا الحديث وان لم تنشر نصه الكامل. ولكن المشكلة تتمثل في رأينا في شخص بليتزر وما تدل المعلومات علي انه لم يكن ينبغي ان يمنح هذا المراسل من وقت الرئيس ما يسمح له باجراء حديث كامل معه. إسرائيلي- أمريكي وولف بليتزر مراسل امريكي نعم. وهو يشغل موقعا متميزا في الفضائية الاخبارية الامريكية التي يمثلها نعم. لكن كل ما عدا ذلك كان لابد ان يحمل الرئاسة المصرية والمسئولين فيها للامتناع عن منحه هذه الفرصة لمقابلة مع الرئيس المصري. وبالتأكيد ليس لانه يهودي، فهذه صفة لا تحرمه من المقابلة، حتي لو ان الرئيس المصري ينتمي اخلاقيا وسياسيا وتنظيميا الي تنظيم الاخوان المسلمين. انما الحقيقة ان وولف بليتزر ليس امريكيا يهوديا فحسب انما هو ايضا مزدوج الجنسية يحمل الجنسية الاسرائيلية الي جانب كونه امريكيا. وقد عاش وعمل لسنوات طويلة في اسرائيل. قبل ان يعمل في الولاياتالمتحدة ويكتب في صحفها اليهودية مثل “واشنطن جويش ويك” (اسبوعية واشنطن اليهودية) وفي صحيفة “فوروارد” (الي الامام) اليهودية التي تصدر في نيويورك. وعلي الرغم من انه درس في جامعات امريكية كان آخرها جامعة جونز هوبكنز التي نال منها درجة الليسانس في الاداب (قسم التاريخ) الا انه درس ايضا لسنوات في الجامعة العبرية في القدس (المحتلة) وتعلم العبرية هناك. وقد بدأ بليتزر عمله الصحفي في تل ابيب حيث عمل في مكتب وكالة “رويترز” البريطانية. وانتقل بعد ذلك الي مكتب صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية ايضا ليصبح مراسلها في واشنطن (كان في الواقع مراسل الطبعة الانجليزية لهذه الصحيفة في العاصمة الامريكية). مع الإيباك ولم تقتصر علاقاته باسرائيل علي الصحافة. فإنه عمل ايضا في “لجنة الشئون العامة الاسرائيلية-الامريكية” (المعروفة باسم الايباك للاختصار) وهي احد اقوي ان لم نقل اقوي منظمات اللوبي الصهيوني في امريكا. وشغل منصب رئيس تحرير نشرتها الشهرية المسماة “نير ايست ريبورت” (تقرير الشرق الادني) وهي نشرة تركز علي شؤون الشرق الاوسط والعلاقات الخارجية الامريكية من وجهة نظر اسرائيلية. والحقيقة ان بليتزر معروف في الاوساط الصحفية في واشنطنونيويورك ومعروف ايضا بين المراسلين الصحفيين العرب في المدينتين الامريكيتين. ومن بين ما يعرف عنه مواقفه العدائية تجاه العرب وقضاياهم وولائه الشديد لاسرائيل وتأييده لسياساتها علي طول الخط، الامر الذي يتضح من خلال المقابلات الصحفية التي يجريها. ويجدر بالذكر هنا ان بليتزر وجه سؤالا الي الرئيس المصري انور السادات في مؤتمر صحفي في عام 1977 في البيت الابيض عن السبب في ان الحكومة المصرية لا تسمح للصحفيين والاكاديميين والرياضيين المصريين بزيارة اسرائيل. وقد احرج السؤال الرئيس السادات آنذاك ورد عليه بأن هذه الزيارات ستكون ممكنة بعد ان تنتهي حالة الحرب القائمة بين مصر واسرائيل. وكانت هذه اول اشارة من السادات الي ان السلام يمكن ان يقوم بين البلدين لان المناسبة كانت قبل زيارته لاسرائيل في نوفمبر من ذلك العام والتي فتحت هذا الطريق علي مصراعيه. والمعتقد ان هذا السؤال المحرج من بليتزر للرئيس السادات فتح الباب امام الصحفي الامريكي – الاسرائيلي للكتابة في الصحف الاسرائيلية العبرية مثل “عالهاميشمار” و “يديعوت احرونوت”. بين واشنطنوالقدس ونشر بليتزر كتابا في الولاياتالمتحدة في عام 1985 تحت عنوان “بين واشنطنوالقدس: دفتر ملاحظات مراسل صحفي”. لكن حظ بوليتزر من الشهرة كصحفي مزدوج الجنسية صعد الي اقصي نقطة عندما عهد اليه بتغطية محاكمة الجاسوس الاسرائيلي- الامريكي جوناثان بولارد في عام 1986. ويعتقد كثيرون من ابناء المهنة الامريكيين ان بوليتزر كان علي معرفة شخصية وطيدة بالجاسوس بولارد الذي كان باحثا في البحرية الامريكية عندما ضبط يسرق مئات الاف من الوثائق العسكرية وينقلها الي اسرائيل. وقد تمكن بوليتزر من اجراء اول حديث صحفي مع بولارد. كما انه الف كتابه الثاني – بعنوان “أرض الاكاذيب” عن حكاية الجاسوس الامريكي الذي لايزال يقضي عقوبة السجن المؤبد علي الرغم من جهود مضنية تبذلها السلطات الاسرائيلية واليهودية-الامريكية للافراج عنه. وقد وجهت انتقادات قاسية من كثير من الاوساط القانونية والصحفية في الولاياتالمتحدة اهمها بأن محتويات كتاب بوليتزر تمثل خرقا للشروط القانونية التي علي اساسها سمح للجاسوس بولارد بالتحدث الي الصحافة. ويجدر بالذكر ان كتاب بوليتزر عن بولارد تضمن انتقادات للحكومة الاسرائيلية لكنه لم ينتقد الجاسوس نفسه ابدا. فإذا القينا نظرة علي الحديث الذي اجراه المراسل الصهيوني مع الرئيس مرسي نجده مليئا بالالغام الاسرائيلية الصنع. فمن المؤكد ان يلفت النظر إلي انه ركز علي كل ما من شأنه ان يسبب حرجا للرئيس مرسي، ابتداء من مسالة الاقباط المصريين الي الازمة السورية والمصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس. لكن يبدو ان الرئيس مرسي لم يجد سببا للحرج في الحديث مع وولف بوليتزر سوي حرجه- حسب قول صحيفة “المصري اليوم”- من الحديث بلغة انجليزية ركيكة وهو الذي درس في الولاياتالمتحدة. لهذا آثر ان يجري الحديث مع بوليتزر بلغة عربية فصيحة في وجود مترجم فوري. وليت الرئيس تنبه اصلا الي الصحفي الصهيوني الجالس معه.