ملفات كثيرة طرحناها علي د. فوزي منصور المفكر والباحث العربي الكبير الذي عمل لفترة طويلة في جامعة الأممالمتحدة ومنتدي العالم الثالث، والذي أعد مجموعة من الدراسات والأبحاث والمؤلفات حول الأمة والدولة والديمقراطية في العالم الثالث وقدم للمكتبة العربية عددا من الكتب والدراسات من أهمها خروج العرب من التاريخ بالفرنسية وهو أيضا أستاذ غير متفرغ في الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، وشغل في المرحلة الناصرية موقع مدير المعهد العالي للدراسات الاشتراكية، وكان لنا معه هذا الحوار. * كيف تري تمديد حالة الطوارئ في مصر لمدة عامين قادمين، تلك الحالة التي تعيشها مصر منذ 6 أكتوبر 1981؟ ** هذا يؤكد ما نقوله دائما عن أن النظام الحالي عاجز عن الحكم بالطرق الديمقراطية السليمة، ولا يستطيع أن يضمن بقاءه إلا إذا استخدم طرقا استثنائية علي رأسها قانون الطوارئ حتي ولو في شكله المعدل، مع العلم بأن القوانين العادية بها القدر الكافي من الأحكام التي تتوسع في إعطاء السلطات التنفيذية قدرات خاصة غير متاحة في البلدان التي تسير علي المنهج السليم، مثل قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، وهو ما يعني أن «الطوارئ» جاءت خصيصا لقمع المعارضة. * المعارضة تطالب بإلغاء هذا القانون منذ سنوات ولا استجابة، هل المشكلة في أساليب المطالبة؟ ** أفهم سؤالك جيدا، ولكن دعني أقول لك أولا إن المشكلة الأساسية في ضعف المعارضة تكمن في القهر المنظم الذي يمارسه النظام علي كل من يعارض بشكل يمكن أن يؤثر علي بقاء النظام بوضعه الحالي، ويبدأ ذلك بالقهر المادي والضرب والإيذاء والاعتقال والحبس بتهم يحكم القضاء في 95% منها بالبراءة، هذا بخلاف التضييق علي مصادر المعلومات علي قوي المعارضة، وإبعادها عن الشعب بكل الطرق!. * هل هذا يتطلب أن يكون رد فعل المعارضة صداميا؟ ** هذا غير مفيد حاليا، والسبب في ذلك أن قوة النظام، أكبر آلاف المرات مما يمكن أن توفره أساليب المعارضة علي الأقل في الوقت الراهن مما سيؤدي إلي نتائج سلبية، بالإضافة إلي أنه سوف يعطي المبرر المباشر للنظام لكي يستخدم المزيد من وسائل القهر. ميزانيات سرية! * وماذا عن الميزانيات السرية لدعم الترسانة الأمنية؟ ** سواء قصدت أو لم تقصد فقد تطرقت إلي مسألة في غاية الأهمية، وأنا شاهد عليها بصورة كبيرة، فالأصل في ميزانية الدولة كما درسناها يعني إعطاء صورة دقيقة تماما إلي آخر مليم عن إيرادات الحكومة ومصروفاتها، وكان هذا يحدث في الماضي، أما الآن ففاجأ بأن كل وزارة في حكومة النظام الحالي أصبح بها ما يعرف بالصناديق الخاصة، ولا قوة قانونية لأحد أن يعرف ما يحدث في هذه الصناديق لا من حيث المصروفات ولا الإيرادات، علما بأنني لا أشكك في الذمة الشخصية لبعض كبار المسئولين الذين يعطي لهم حق التصرف في هذه الصناديق، ولكني أؤكد تماما أن هذه البدعة الجديدة تعني الإهدار الكامل لرقابة الشعب عن طريق نوابه علي إيرادات الدولة ومصروفاتها، بحيث نستطيع أن تقول إن هناك ميزانيات عادية يقرها البرلمان بالرغم من أنه حتي هذا الإقرار به عيوب مثل التأخير في العرض والاعتماد، وتحظي بعض البنود، لكنه لا يمثل نقطة في بحر مقارنة بجريمة الصناديق الخاصة والسرية والتي تدخل في باب الفساد. إن السرية في الإنفاق علي الأمن الداخلي والخارجي والذي يفوق الإنفاق علي الصحة والتعليم ودعم الديمقراطية الحقيقية، وهو ما يخدم عملية التزوير والتلاعب في صناديق الانتخابات عن طريق الترسانة الأمنية بكل أنواعها. تعديلات * هل نحن في حاجة إلي تعديلات جذرية في الدستور والقانون للحد من التزوير في الانتخابات؟ ** لا أنصح المعارضة أن تركز علي ذلك، فالمطلوب الآن وبشكل عاجل تغيير المواد المعيبة في الدستور خاصة أرقام 76 و77 و88، والمقصود بها قصر الترشيح لرئاسة الجمهورية علي أشخاص بعينهم معروفين بالاسم في دوائر الحزب الوطني، وهي المواد التي تمثل عوارا دستوريا لا مثيل له حتي في بلاد واق الواق. توريث * هل هذا معناه أن المناخ مناسب للتوريث خاصة في هذا الوقت؟ ** نعم.. الهدف الوحيد من هذه التعديلات التي أجريت علي الدستور مؤخرا كان هدفها تمرير عملية التوريث لجمال مبارك، وهو ما تصر عليه بعض القوي النافذة داخل هذا النظام رغم علمها الكامل ليس فقط بعدم رضا الشعب المصري عن ذلك ولكن بمخالفة هذا الاتجاه لأسس النظام الجمهوري. الفساد * قالت منظمة الشفافية الدولية إن مصر من أكثر الدول فسادا وأقلها ديمقراطية، كيف ينعكس هذا الفساد علي الخدمات؟ ** هذا سؤال جيد، فلك أن تعلم أن نظام التعليم في الأربعينيات كان أفضل من «التعليم» الآن وبشكل كبير، فقد تعلمت أنا وإخوتي في المدارس المصرية دون أدني شعور بالنقص أو ضعف الخدمات خاصة المناهج، أما الآن فالمدارس الحكومية والتي من المفترض فيها أن يكون التعليم مجانيا أصبحت مجرد أسواق وصفقات ومناهج عقيمة، وخدمات ضعيفة جدا. ويضيف د. فوزي منصور: هذا بالنسبة للتعليم، أما بالنسبة للصحة فحدث ولا حرج ففي الماضي كانت مستشفيات حكومية كثيرة مثل قصر العيني كانت تقدم خدمات وطنية علي أعلي مستوي ودون مقابل أما الآن فأصبحت الصحة عبارة عن سلعة لا يقدر عليها إلا الأغنياء فقط، والكارثة أننا نسمع كل يوم اعترافات الحكومة بتخصيص مليارات الجنيهات للعلاج علي نفقة الدولة وهذا يعني اختفاء مستشفيات الفقراء والعلاج المجاني، وإلا فلماذا تصدر قرارات علاج علي نفقة الدولة بهذه المبالغ الكبيرة؟!. * هل قضايا التعليم والصحة فقط هي التي تأثرت بالفساد الحالي؟ ** لا طبعا هناك أزمات كثيرة مثل السكن ورغيف العيش والأسعار الخاصة بالسلع الأساسية وأصبح المواطن لا يشعر بالأمان فهو الذي يعاني في عمله من ضعف الأجور وعدم الاستقرار في العمل وفي بيته بعجزه عن توفير متطلبات أسرته، وكانت النتيجة حركة الاحتجاجات العمالية الحالية غير المسبوقة أمام البرلمان ومجلس الوزراء والتي تطالب بأجور عادلة وإعادة النظر في سياسات الخصخصة، وهو ما تطالب به المعارضة منذ سنوات. هجوم * لكن الرئيس مبارك شن هجوما كبيرا علي المعارضة في خطابه الأخير بعيد العمال وقال إنها لا تمتلك برامج حقيقية ومطالب موضوعية.. ماذا تقول له؟ ** أقول إن هذا معناه أن الرئيس لم يقرأ برامج أحزاب المعارضة المختلفة، وإذا كان قد قرأها فقد نسيها!!. الاقتصاد * ماذا عن الاقتصاد خاصة بعد القرار الذي أعلن عنه محمود محيي الدين وزير الاستثمار منذ أيام بوقف بيع الشركات الرابحة والخاسرة؟ ** الاقتصاد في حالة تدهور شامل وهناك عشرات الشركات الكبيرة انهارت أو جري بيعها للأجانب، وهناك صناعات استراتيجية تدهورت أحوالها مثل قطاع الغزل والنسيج. * إذن هل قرار وزير الاستثمار وقف نظام الخصخصة يتطلب فتح هذا الملف ومعاقبة المستفيدين منه علي حساب المال العام؟ ** هذا يتطلب تغيير النظام بأكمله!. التدخل الخارجي * هل هناك أياد خارجية دعمت هذا الاتجاه الكبير نحو البيع غير المدروس؟ ** نعم.. لابد أن يعرف القارئ العزيز أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية هي منظمات ثلاث أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لتمارس سلطاتها في الأساس علي بلدان العالم الثالث لضمان توجيه اقتصاداتها لخدمة مصالح الدول المتقدمة، ومن هنا كانت كل محاولة للتقدم والتحرر من التخلف الاقتصادي والتبعية تتعطل عند الاستجابة لنصائح هذه المؤسسات، ومن هنا نستطيع أن نستنتج وبشكل عام، أن عودة أصوات هذه المؤسسات الدولية إلي الارتفاع في بلادنا وطرح توصياتها عن طريق بعض من تربوا في أحضانها علي إدارة شئوننا المالية والاقتصادية يعني بالضرورة العودة إلي سياسات التبعية وما أسميه «التطور الاقتصادي المتخلف» الذي تفرضه هذه المؤسسات، ولم يكن من الناحية العلمية أن يحدث ذلك إلا إذا توافرت قوي نافذة داخل الحكم الحالي ترتبط مصالحها وتتوافق مع رؤي ومصالح تلك المؤسسات الغربية.