بقلم : حمدى رزق نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، رقم (3912 لسنة 2023)، والخاص بإعفاء واردات بعض السلع الخاضعة ل البنود الجمركية، لمدة ستة أشهر قادمة. مبادرة خفض الأسعار التى تعمل عليها الحكومة و ( حسب القرار المنشور ) تشق طريقها بصعوبة بالغة إلي الأسواق المتوترة، وتشمل قائمة مقدرة من السلع الأساسية، البيض والدواجن والألبان والمكرونة وسلع أخرى .. هل هذا كاف؟ يكفي ( مؤقتا) إذا أحسن تطبيق القرار حرفيا، ومراقبة الأسواق بآليات حازمة، وإلزام التجار بالبيع بالأسعار المعلنة على السلع بالقانون . مهم ترجمة القرار بلغة الأسواق، وترجمة الإعفاءات الجمركية خفضا على الأسعار فى الأسواق.. الترجمة الواقعية المعتمدة شعبيا ضرورة للتنفيذ الأمين لمبادرة معتبرة . أخشى يلتهم الإعفاءات بارونات الاحتكار كالعادة، وتصب في جيوب التجار، وكأنها مكافأة إضافية على ممارساتهم الاحتكارية ..وهذه مخاوف مشروعة، الاحتكاريون بالسوابق يعرفون ، والدكتور علي مصيلحي وزير التموين يعرف أكثر عن الممارسات الاحتكارية في الأسواق المحلية . حتما و لابد من تحديد أسعار السلع التى شملها القرار بدقة، بالكلفة وهامش الربح ، وإعلانها ونشرها على الناس علانية، وتدوينها على علب وأكياس السلع ويلتزم بها التجار، ويشترى بهذه الأسعار المعلنة المستهلكين .. والمقاطعة حلا ناجعا، ووصفة مجربة فى مقاطعة السلع المستوردة دعما لاخوتنا في غزة . أخشى من ألاعيب التجار، عادة ما يتجنبون بيع السلع المسعرة علانية، يفضلون اللعب فى السلع خارج التسعير للتربح من فروق الأسعار، حتى أنهم يعمدون إلي عدم عرض السلع المسعرة على الأرفف تحت نظر المستهلكين، ويزعمون نفاذها، ويجد المستهلك نفسه مضطرا للشراء مجددا بأغلي الأسعار. قرار الحكومة، وفق مبادرتها المعلنة وباتفاق مع الغرف التجارية، وكبريات الشركات المنتجة لابد أن ينتج أثرا في الأسواق، مفروض تنخفض الأسعار ما بين ( 15 إلى 25 فى المائة ) عما كانت عليه، والسؤال: هل سنرى خفضا فعليا في الأسعار؟ هل سيلتزم التجار؟ هل تصل المبادرة إلي البقالين فى الشوارع و الحارات والعزب والكفور والقرى..؟ هذا كله يتوقف على التزام الشركات المنتجة (من المصدر) بخفض الأسعار، وكتابة سعر المنتج فى الفاتورة، وعلى كيس المكرونة وعلبة اللبن، وكيس السكر، وفى مكان ظاهر للعيان لا تخطئه عين . أيضا تمسك المستهلك بالسعر المعلن ولا يقبل بغيره ولو بزيادة جنيه واحد، وفى ظهره رقابة فاعلة على الأسواق من قبل الجهات الأمنية وجمعيات حماية المستهلك عبر الخطوط الساخنة لمواجهة جشع التجار، وتطبيق صارم بعقوبات قانون الاحتكار والتلاعب في الأسعار والمصادرة والإغلاق . مطلوب إظهار العين الحمراء مرة، المبادرة الحكومية إذا تركت هكذا دون احترازات من تلاعب التجار، ستصير نهبا موزعا فى الأسواق، لا يكفي السعر المعلن من قبل الشركات المنتجة دون التطبيق الأمين والفعلي فى الأسواق . أخشى، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، سيعمد الاحتكار وأذرعه الطويلة فى الأسواق إلى تفريغ المبادرة من محتواها، وتفشيلها تحت حجة مكررة ( العرض والطلب )، وإخفاء السلع كما يفعلون مع السجائر والمعسل، مسعرة وأسعارها معلنة وتباع فى الأكشاك بضعف الثمن علانية . أخشى نشوء سوق موازية بأسعار أخرى، سوق سوداء عبر إخفاء السلع المسعرة، وتعطيش الأسواق لجبل المستهلكين وإرغامهم على الشراء بالأسعار السائدة قبل التسعير وبأغلي منها عقابا للحكومة على تدخلها لإطفاء نيران الأسعار المشتعلة فى جيوب المستهلكين . السوق مخطوفة من قبل الكارتيلات الاحتكارية، ولابد من استردادها، والاحتكار لا يسلم بسهولة، ونظرية العرض والطلب تصح فى أسواق طبيعية فى ظروف عادية، ازاء سوق سوداء، فى ظروف قاسية، مستوجب لجم الأسعار بالقانون اضطرارا قبل ان تنفجر الأسواق فى وجوهنا . لافت استغلال بعض التجار "تجار الأرنص" للأزمة العالمية لاشعال حريق الأسعار فى الأسواق المحلية، ورغم أن الأرصدة الاحتياطية كافية إلا ان الكارتيلات الاستيرادية وأذرعها الخفية فى الأسواق تنشر الشائعات تترجم مبيعات بأغلى الأسعار لتحقيق مكاسب من لحم الحى. مستوجب تدخلا حكوميًا عاجلا، لإطفاء حريق الأسعار، وبالسوابق الحكومة قادرة على لجم الأسواق، ولم تتخل عن المواطن فى أزمات سبقت، جد لا مزايدة على الحكومة فى هذا الظرف الطاريء، ولكن من أرضية وطنية خالصة، مستوجب حلولا واقعية عملية لإطفاء حريق الأسعار، وتملك الحكومة أدوات الضغط والضبط والربط . نظرية العرض والطلب وحرية التداول فى الأسواق تصح فى سياقات طبيعية، ولكن فى الأزمات العالمية التى تعكس بالسالب على الأسواق المحلية، لا يجوز ترك المستهلك نهبا لأطماع التجار، عادة تجار الأرنص ينشطون فى الأزمات لمص دماء المستهلكين دون استشعار لخطورة المسلك الانتهازي سياسيا .. المبادرات الحكومية الطيبة والحوارات البينية مع الغرف التجارية تصح فى سياقات طبيعية، ولكن فى الأزمات المخططة التى تعكس بالسالب على المزاج العام، لا يجوز ترك المستهلك نهبا لشهوات التجار.