موهبة العادى وبطولته أمينة النقاش رحل «سمير صبرى» وفى حلقه غُصة. مثل 132 فيلما، وأنتج منها 32 فيلما وحين كرمه مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قبل أربعة أعوام، لم يذكر له واحدا منها، بل تباهى مكرموه بكونه أول من قدم الدورة الأولى من المهرجان، دون الإشارة لسجله السينمائى. معنى ذلك أن أحدا لم يتوقف كثيرا وربما أبدا أو قليلا عند دور الممثل الذى عشقه وهام به منذ بداياته الأولى، وتمنى أن يكونه منذ الطفولة، لكى يصبح مثل أنور وجدى يرقص ويغنى، وينقذ محبوبته من شرور الغير، ويقبل ليلى مراد، كما حكى ببساطته الآسرة فى مذكراته «حكايات العمر كله» التى تعد واحدة من أجمل السير، لما انطوت عليه من صدق واحتفاء بالفن وبالصداقة والحب، وبالصفاء الإنسانى ومباهج الحياة. ترك مثل هذا التجاهل ألما فى روحه، لكنه مع ذلك الجرح، واصل حضوره فى المجال الفنى والإعلامى والعام، بطرق متنوعة ميزته، وشكلت مسيرته الفنية والإعلامية. لم يكن سمير صبرى ممثلا فذا، لكنه مع ذلك احتجز لنفسه مكانة خاصة فى الأداء السينمائى، تمثلت فى الحضور اللطيف الظريف الحبوب والأداء التمثيلى المهضوم كما يقول الأحبة اللبنانيون، الذى يخلو من التكلف ويحفل بالبساطة والسهولة. لم يهزمه هذا التجاهل، بل حثه على مواصلة الكفاح البطولى الدؤوب، من أجل أن تهب تجربته الفنية والإعلامية المتقنة، الحياة شيئا ذى معنى. وعكف على نفسه بالشدة والاجتهاد لتجويد مهنته، وليس لمجرد أن تجلب له شهرة أو منفعة، بل لأنه عاشق متيم بها. وإذا كان لنقاد السينما أن يختلفوا على القيمة الفنية لكثير من الأفلام التى شارك بها «سمير صبرى»، أو قام ببطولتها، فالمؤكد أنهم، لا يستطيعون أن يتجاهلوا أنه كان فاكهة الأفلام الكوميدية الحافلة بالمقالب والمفارقات التى تجلب الضحك من فرط مرحها وبساطتها وربما سذاجة حبكتها الدرامية. عزز تلك المكانة أنه شاب وسيم خفيف الظل، يجيد الرقص والغناء، ولحن له جهابذة الملحنين، من محمد عبد الوهاب إلى محمد الموجى وبليغ حمدى. فضلا عن اتقانه عدة لغات أجنبية وإجادته التحدث بها إجادة تامة، وثقافته الفنية والعامة. لعب المكان دورا محوريا فى تشكيل شخصية سمير صيرى. فهو ابن الأسكندرية ولد ونشأ بها، ودرس فى جامعتها الأدب الإنجليزى، بعد تخرجه من كلية فكتوريا كولودج بالقاهرة. الأسكندرية موطن الحضارة والتاريخ وتعدد الثقافات والأجناس قبل أن ينتشربها الهاموش والظلام. الأسكندرية التى احتضنت الآخر وأقامته فى أعماق القلوب، واكبت نشأة سمير صبرى، ووهبته اتساعا فى الأفق والرؤية المنصفة فى النظر للحياة وللبشر والتواضع مع الصغار قبل الكبار. رحل «سمير صبرى» وفى فمه ماء «وهل ينطق من فى فمه ماء؟» فقد ساهم برنامجه الشهير النادى الدولى الذى يعد أول برنامج «توك شو» فى العالم العربى، وكان قد انتقل به من الإذاعة إلى التليفزيون، فى تقديم عدد من المطربين الجدد وعندما صاروا نجوما فيما بعد، لم يهتموا بأن ينسبوا الفضل لأهله، ومنعه كبرياؤه من التباهى بذلك، إلا من مجرد جملة عابرة فى مذكراته، تعبر عن اندهاشه لا غضبه لأن الفن كما يقول يحتاج لصفاء النفس والنوايا الصادقة والمنافسة البناءة. أرسى «سمير صبرى» مدرسة فى الحوار التليفزيونى تتسم بالجدية والرغبة فى الامتاع ونشر المعرفة، وتجمع بين العمق والبساطة، وتهتم بالإصغاء للآخرين، أكثر من استعراض المهارات أمامهم، وبالقاء أسئلة كاشفة فى الموضوع لا تجرح ولا تسيل دما، ولا تسعى لفضحية، بل فقط تضئ شخصية محدثه وتمنح سامعيه دروسا فى اللباقة والذكاء وربما الحياة . سأل يوما محمد عبد الوهاب: من استفاد من غناء ألحانك أكثر، أم كلثوم ام عبد الحليم أم نجاة أم فايزة أحمد؟ فرد عليه عبد الوهاب رد العباقرة الكبار: أنا استفدت أكثر، لأننى وجدت تلك الأصوات العظيمة التى أوصلت ألحانى وفنى إلى الناس. ما كل هذا الجمال، الذى بات يغيب الآن عن إعلام يشبه بعضه بعضا، يتصدره كسالى ممن غدا معظمهم يعتلى منابر تليفزيونية وإذاعية لم تكن لهم ،لافتقادهم للخبرة والكفاءة والشغف بمهنة لا يدركون مدى خطورتها ومسئولياتها. حين حرم سمير صبرى من تقديم برامجه التليفزيونية الناجحة والواسعة الانتشار، لم يستسلم للإحباط والاكتئاب، بل شكل فرقة استعراضيىة غنائية ناجحة جاب بها العالم العربى وأحيا بها الأفراح. أدرك سمير أن الفن هو فى حياته قرين للجمال، ووصفة سحرية لمقاومة القبح والشر والغباء. ولكل هذا ولغيره، حق عليه وصف «يوسف أدريس» له بأنه: ملك الأفراح.. برنس الشاشة الصغيرة.. سفير البهجة والسرور والإيجابية فى الحياة.