كما أشارت وسائل الإعلام العالمية، بدأت طالبان تهدد جاراتها فى وسط آسيا، التهديد بدأت به حركة طالبان المحظورة فى روسيا، ولجمهورية طاجيكستان التى لها حدود مشتركة مع أفغانستان تقدر بحوالى 910 كم، والسبب كما جاء على لسان مسئولين من طالبان أن طاجيكستان تدعم المقاتلين (معظمهم من الطاجيك) فى وادى بانجشير، وكانت تدعم من قبل أحمد شاه مسعود حتى قتل، والآن تدعم كما تدعى طالبان نجل الزعيم الأفغانى السابق أحمد مسعود. ازداد التصعيد عندما استعرض الرئيس الطاجيكى إمام على رحمون عرضا عسكريا بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وتم نشر قوات على الحدود مع أفغانستان لدرء أى تهديد قد تتعرض له بلاده، العالم فى حالة ترقب لما ستسفر عنه الأيام المقبلة، من المعروف أن طاجيكستان لها حدود مشتركة طويلة مع أفغانستان، من الصعب عليها سد ثغرة حدودية عريضة ولذلك فإن روسيا تمتلك قاعدة عسكرية هى الأكبر فى وسط آسيا تهدف لمكافحة الإرهاب وتسلل الإرهابيين وتهريب المخدرات. حركة طالبان من جانيها وعلى لسان نائب رئيس حكومة طالبان المؤقته عبدالسلام حنفى، الذى قال دون مواربة "نحن لا نريد أن يتدخل أحد فى الشئون الداخلية الأفغانية، نحن نريد أن يكون لنا علاقات طيبة مع الجميع، لكن تدخل أى دولة فى الشئون الداخلية لا يمكن أن يكون فى مصلحة أى طرف، لكل فعل رد فعل". كلمات نائب رئيس الحكومة الأفغانية جاءت رداً على كلمة رئيس طاجيكستان أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما قال "إنه دعى لإجراء انتخابات فى أفغانستان وتشكيل حكومة إئتلافية بمشاركة كافة المجموعات العرقية بما فى ذلك الأفغان الطاجيك، وأكد الرئيس رحمون أن أى حكومة بدون الأخذ فى الاعتبار مصالح كافة مواطنى أفغانستان من الممكن أن يؤدى إلى آثار كارثية". بالإضافة لهذا حذر الزعيم الطاجيكى من تهديدات الإرهاب الدولى التى قد تنطلق من الأراضى الأفغانية، وقال الرئيس رحمون إن مجموعات إرهابية بما فيها القاعدة وتنظيم الدولة تستغل الأوضاع فى أفغانستان لتقوية مواقعها النشطة. حقوق الإنسان أشار الرئيس الطاجيكى كذلك إلى أوضاع حقوق الإنسان فى وادى بانجشير ذى الأغلبية الطاجيكية، وأكد أن حركة طالبات حرمت الإقليم من أبسط حقوقه فى الحصول على المواد الغذائية، أو حتى المواد الضرورية والمساعدات الإنسانية، وتحدث عن عمليات القتل الجماعى التى تقوم بها طالبان فى الإقليم. من المعروف أن إقليم بانجشير ذى الأغلبية الطاجيكية يسعى منذ عام 1975 للحصول على حكم ذاتى واسع، ومنذ عام 1980 كان تحت سيطرة القائد الأفغانى من أصول طاجيكية أحمد شاه مسعود، وكان يؤمن الحدود الجنوبية لطاجيكستان، ويقاوم توسع حركة طالبان إلى شمال البلاد إلى أن تم اغتياله، ورغم سيطرة حركة طالبان على كافة الأراضى الأفغانية عام 1996، إلا أن وادى بانجشير ظل عصياً على حركة طالبان. حتى هذه المرة ظل إقليم بانجشير بؤرة مقاومة لحركة طالبان حتى السادس من سبتمبر الماضى عندما سقط الإقليم فى قبضة قوات طالبان، وفرار أحمد مسعود نجل القائد التاريخى للإقليم أحمد شاه مسعود، وكان تأخر الدعم الأوروبى والعالمى لأحمد مسعود سبباً فى سقوطه السريع، لكنه لم يستسلم بعد وأعلن أنه سيواصل المقاومة. أحد أسباب التوتر والحشود العسكرية على الحدود بين البلدين بل على حدود ثلاث دول وسط آسيوية هى بالإضافة لطاجيكستان حدود كل من أوزبيكستان وتركمنستان، الذى أشارت إليه وزارة الخارجية الروسية وأعربت عن قلقها، كأن طاجيكستان هى الدولة الوحيدة فى منطقة وسط آسيا التى لم تعترف بالسلطات الجديدة فى كابل، وأعلن الرئيس الطاجيكى فى تعليقه على تشكيل الحكومة الأفغانية المؤقتة، أن طالبان وعدت بتشكيل حكومة إئتلافية، إلا أنها فى واقع الأمر تبنى إمارة إسلامية، وحذر من تقاعس المجتمع الدولى حيال ذلك، معتبراً أن هذا من الممكن أن يؤدى إلى حرب أهلية طويلة الأمد، وتخشى طاجيكستان تدفق اللاجئين نتيجة لذلك إلى اراضيها، وهى التى استقبلت عدة آلاف من اللاجئين الأفغان بداية الصيف الماضى، كما أن دوشنبيه غاية فى القلق من تدفق المخدرات عبر الحدود، حيث صادرت قوات حرس الحدود 3,5 كجم هيرويين مع بعض اللاجئين. لكن الخطر الأكبر الذى تخشاه طاجيكستان هو التطرف الإسلامى، ورغم وعد طالبان بعدم تهديد جيرانها، إلا أنها كلفت جماعة مسلحة متطرفة لديها تسمى "أنصار الله"، وهى محظورة فى طاجيكستان بحراسة الحدود بين البلدين، حيث كثير من مقاتليها مطلوبين دولياً على قوائم الإرهاب، ويرأٍس هذه الجماعة الطاجيكى مهدى ارسالون، والذى أعلن أكثر مرة أنه يرغب فى إقامة دولة خلافة فى طاجيكستان على النموذج لأفغانى. قلق روسى ويبدو أن القلق الروسى المتزايد فى مكانه الصحيح، وهناك عملية عسكرة لمنطقة وسط آسيا ومن الممكن أن يؤدى إلى دخول عناصر جديدة للمنطقة قد تزاحم روسيا فى النفوذ. بمناسبة الذكرى 30 للاستقلال أقامت تركمنستان (دولة متاخمة لأفغانستان ولها حدود مشتركة معها) عرضاً عسكريا، ظهرت فيه الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار" التى لم يعلن عن وجود صفقات بها مع الأتراك من قبل وتشير المصادر التى شاهدت العرض إلى وجود أسلحة غربية بالإضافة إلى السلاح الروسى، الذى ربما حصلت عليه عشق أباد منذ أيام الاتحاد السوفيتى، هذا بالطبع إضافة إلى طلب الولاياتالمتحدة من روسيا استخدام قواعدها العسكرية سواء فى طاجيكستان أو أوزبيكستان او قيرجيزستان لصد أى تهديدات إرهابية قد تأتى من أفغانستان، وكل الدلائل تشير إلى موافقة روسيا على ذلك، فالكل يعرف أن مصير تحالف وسط آسيا الروسى الآن على المحك، وسقوط أى دولة فى براثن التطرف الدينى سيسقط بقية الدول وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لروسيا نفسها. تعبئة عامة فى أنباء تواترت مؤخراً من طاجيكستان أنها أعلنت التعبئة العامة وقام الرئيس رحمون بزيارة للمناطق الحدودية للوقوف على مدى قدرة قوات بلاده على صد أى هجوم لحركة طالبان، توجهت دوشنبيه إلى منظمة الأمن الجماعى العضو فيها مع كل من كازاخستان وأرمينيا وقيرجيزستان وروسيا بالطبع لاتخاذ موقف تجاه استفزاز طالبان، بينما بدأت تركمنستان محادثات مع طالبان فى محاولة لنزع فتيل الأزمة وتخفيف التوتر، وذلك بعد سيطرة حركة طالبان على مدينة "تورجوندى" المتاخمة للحدود مع تركمنستان وأعلنت وزارة الخارجية التركمنستانية أن حدود أفغانستان تركمنستان هى حدود صداقة وتعاون، وبدأت فى عمل جلسات تربية وطنية للمدن المتاخمة للحدود مع أفغانستان إضافة طبعاً للاستعراض العسكرى، من المعروف أن تركمنستان من أكثر دول إنغلاقاً فى وسط آسيا وهى لا ترغب فى استدعاء أى قوات أجنبية إلى أراضيها حتى ولو كانت روسية، وأتصور أنها ستعقد صفقة مع طالبان لتنأى بنفسها عن الصراع الحالى، على أى شيء سينتهى هذا التصعيد ومدى تأثيره على روسيا؟ الأمن الجماعى فى الواقع روسيا أخذت زمام المبادرة من الأمريكيين فى أوزبيكستان التى خرجت من اتفاقية الأمن الجماعى عندما وقعت مع أوزبيكستان، اتفاقية شراكة استراتيجية حتى عام 2025، وكانت واشنطن تنظر إلى طشقند كمطار وقاعدة احتياطية للعمل فى أفغانستان من خارجها، وبينما تقوم تركمنستان بالتفاوض مع طالبان ومحاولة مد جسور الثقة معها، رصدت موسكو ميزانية خاصة لبناء منطقة حدودية مع أفغانستان فى طاجيكستان، وتقوم روسيا كل عام بإجراء مناورات مع قوات طاجيكستان، وفق اتفاقية الأمن الجماعى. هذا بالطبع بالإضافة للقاعدة الروسية 201 الموجودة والمتمركزة فى دوشنبيه وبوختار. وأعلن وزير الخارجية الروسى أن بلاده على استعداد للوقوف فى وجه أى خروقات قد تقوم بها حركة طالبان للحدود مع دول وسط آسيا. روسيا كذلك ورغم أن هذا الموضوع لم يأخذ حقه من البحث، سمحت للولايات المتحدة باستخدام قواعدها فى وسط آسيا فى حالة وجود خطر إرهابى، تجدر الإشارة إلى أن روسيا سمحت للولايات المتحدة بعبور أجوائها وتقديم الدعم اللوجستى لقوات الناتو فى أفغانستان مع بداية العملية العسكرية ضد طالبان فى عام 2001. على أى حال أزمة طالبان مع وسط آسيا تنحصر فى وجود جيب المقاومة فى بانجشير، ذى الأغلبية الطاجيكية، وما تخشاة طالبان هو دعم دوشنبيه لهذا الجيب كما كانت تفعل مع أحمد شاه مسعود، أما طاجيكستان فهى تخشى من وجود خلايا نائمة لديها من الطاجيك التابعين لطالبان، وحتى الآن لم يحدث أى شيء يعكر الأجواء على الحدود بين وسط آسيا وأفغانستان. لكن الاستعدادات الروسية مستمرة على قدم وساق للدفاع عن حلفائها وفى نفس الوقت عن حدودها الجنوبية. فى تصور الخبراء ربما الدولة الوحيدة التى ستتعامل مع طالبان بدون مساعدة خارجية حتى الآن على الأقل هى تركمنستان، التى تطمع فى مد خط أنابيب غاز عبر أفغانستان إلى باكستان، لكن المشروع تعطل بفعل فاعل فى السابق، فهل يكون الاقتصاد مغريا لطالبان لبناء علاقات جديدة مع تركمنستان؟.