لقطات مشروع موازنة 2021/2022 (1) ضد العدالة الاجتماعية ومخالف للدستور *بقلم جودة عبدالخالق وثيقة الموازنة العامة لأي دولة تعتبر من أهم الوثائق على الاطلاق. وهى وثيقة سياسية بامتياز، كونها تحدد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع محل النظر. كما أنها تكشف عن توزيع المغارم والمغانم بين الفئات الاجتماعية المختلفة. فهى تحدد من يدفع ضرائب ومن يحصل على دعم أو اعانات. وهى تحدد كم ينفق على التعليم وكم ينفق على الصحة وكم يخصص للأمن والدفاع، … إلخ. كما أنها تبين كم يعود على العاملين وكم يؤول إلى حملة صكوك الدين. باختصار، إن الموازنة العامة هي الآلية الرئيسية لإعادة توزيع الدخل بين المواطنين كونها تأخذ من بعض الفئات الاجتماعية (في صورة ضرائب ورسوم) وتعطى بعض الفئات الأخرى (في صورة مزايا ودعم وإعانات). وبالتالى، يمكن لكل مواطن أن يرى نفسه اقتصاديا واجتماعيا في مرآة الموازنة العامة للدولة. قدم وزير المالية الى البرلمان مشروع موازنة 2021/2022 يوم الأحد 25 أبريل. وهذا مخالف للمادة 124 من الدستور، التي توجب تقديمه للبرلمان قبل ثلاثة أشهر على الأقل من بدء السنة المالية، أي فى الأول من أبريل على الأكثر. وتفاءلت خيرا باستدعاء الوزير للآية القرآنية الكريمة "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت …" (هود، 88). ولكن ما أن بدأت بمراجعة التفاصيل، حتى انتابنى جزع شديد من توظيف النص القرآنى لأغراض سياسية، وللإيعاز للناس بقبول ما يناقض مصلحتهم حقا. فرأيى أن مشروع الموازنة مضاد للإصلاح الذى يوحى به النص القرآنى، والذى استهل به الوزير بيانه. ولكى نوضح ذلك، نستعرض أولا الخطوط العريضة لمشروع الموازنة. فحجم الموازنة حوالى 2,461 تريليون جنيه (وهو حجم كل من جانبيها: الموارد والاستخدامات). وتتوزع الاستخدامات كالتالى (بالتريليون جنيه): 1,838 مصروفات عامة + 0,030 صافى حيازة أصول مالية + 0,593 سداد أقساط قروض. وبنود الموارد كالآتى: 1,365 إيرادات عامة + 0,027 متحصلات مبيعات أصول مالية + 1,069 اقتراض وإصدار أوراق مالية. والمضمون الاجتماعى للموازنة يتضح من بندين رئيسيين هما المصروفات العامة في جانب الاستخدامات، والايرادات العامة في جانب الموارد. والفرق بينهما هو العجز النقدى الذى يبلغ حوالى 473 مليارات جنيه، بنسبة 6,7% من الناتج المحلى الاجمالى (والبالغ 7,060 تريليون جنيه). وبإضافة صافى حيازة الاصول المالية وقدره 2,944 مليارات جنيه نحصل على العجز الكلى بقيمة 475,5 مليار جنيه. والعجز الأولى هو العجز الكلى مطروحا منه مدفوعات الفوائد. والملاحظ أن أهم بنود المصروفات العامة في مشروع الموازنة المطروح ليس الأجور ولا الدعم ولا الاستثمار. بل هو مدفوعات الفوائد على الدين، بمبلغ 580 مليار جنيه! أي أن حوالى ثلث المصروفات العامة عبارة عن مدفوعات فوائد الدين، بالمقارنة بحوالي الخمس للأجور وحوالى 17% للدعم. واذا اضفنا الى فوائد الدين مدفوعات الأقساط وقدرها 593 مليارات جنيه، نجد أن خدمة الدين تلتهم 86% من الايرادات العامة. إن الحكومة تقترض لسداد الدين، وهذا وضع شديد الخطورة. فقد أصبحت خدمة الدين مثل الثقب الأسود؛ تكاد تبتلع كل الموارد. فأين التنمية؟ بل وأين الإصلاح؟ أين العدالة الاجتماعية في الموازنة الجديدة؟ كم يوجه للفقراء ومتوسطى الحال (الأجور والدعم)؟ وكم يخصص للأغنياء (الفوائد على الدين)؟ الإجابة صادمة: ثلث المصروفات يوجه لدفع الفوائد، وما يخصص للأجور لا يزيد على الخمس. ناهيك عن أن نسبة الزيادة في الأجور فى الموازنة الجديدة أقل من معدل التضخم. ومخصصات الدعم اقل منها في الموازنة السابقة، رغم ارتفاع السعر العالمى للقمح. وفي جانب الإيرادات، نلاحظ أن الضرائب عندنا أغلبها رجعية وليست تصاعدية، بمعنى أن عبئها يقع بدرجة أكبر على الفئات الأقل دخلا. وهذا يتعارض مع الدستور؛ حيث تقرر المادة 38 أن النظام الضريبى يستهدف تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، وأن تكون الضرائب على الدخل تصاعدية. كما أنه لا توجد أى ضريبة على الأرباح الرأسمالية فى البورصة بعد تجميد العمل بها منذ عام 2017، مما يشجع المضاربة. والمحصلة النهائية لكل ذلك هي التدنى الشديد فى حصيلة الضرائب بأنواعها كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى. فهى عندنا في حدود 14% بالمقارنة ب 20%-25% في الدول النظيرة لمصر من حيث الدخل. وكأن الحكومة تعاقب العارقين وتكافئ المضاربين، وتسمى هذا إصلاحا! فأين الكفاءة؟ وأين العدالة؟ حكمة اليوم: "ويل للمطففين* الذين إذا اكتالوا على الناس يَستَوْفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخْسِرُون" (الآيات 1-3 من سورة المطففين)