*د. نبيل رشوان النزاع العرقى بين أرمينياوأذربيجان قديم وله جذور تاريخية وثقافية، وقد اتخذ هذا النزاع نوعا من الحدة والتصعيد فى أعوام البيريسترويكا مع وصول ميخائيل جورباتشوف للسلطة فى الاتحاد السوفيتى بحلول ديسمبر عام 1988، حيث وجد الشعبان فى الدولتين ارمينياوأذربيجان أنفسهما غارقين فى هذا النزاع، بعدما كان مقتصراً على منطقة ناجورنوكاراباخ، وهى منطقة جبلية تقع فى قلب أذربيجان معظم سكانها من الأرمن، وتحول الأمر إلى نزاع عرقى على ناجورنوكاراباخ، التى تقع فى قلب أذربيجان ومن ناحية السكان فالأغلبية الساحقة من الأرمن، أو لنقل لم يعد هناك أذربيجانيون فى كاراباخ الآن. وهكذا تحولت ناجورنوكارباخ إلى نزاع نائم لم يجدوا له حلا حتى الآن، وهو مثل البركان الخامد يثور لبعض الوقت ثم يخمد من جديد لكن بدون حل نهائى. النزاع الحالى نشأ لأسباب تافهة كما يقول الخبراء، ففى منطقة تافوشسكى الأرمينية الحدودية بين البلدين ومنطقة توفوزسكى بأذربيجان حدث تبادل لإطلاق النار ليس له أهمية كبيرة وكان يمكن التغاضى عنه، لكن حالة الاحتقان بين البلدين والناجمة عن نزاع ناجورنوكاراباخ أدى إلى تصاعد النزاع لاستخدام الأسلحة الثقيلة. النزاع اتخذ حتى الآن وضع الاشتباكات والضحايا ليسوا كثيرين فهم بضع عشرات من هذا الجانب أو ذاك دون استيلاء على أراض من أى جانب، فلا أذربيجان حررت ناجورنوكاراباخ، ولا أرمينيا أضافت جديدا، بل اقتصرت الاشتباكات على القصف المدفعى وأحياناً استخدام بعض الطائرات المسيرة، لكن المشكلة تكمن فى حالة الاستقطاب التى قد تحدث فى المستقبل إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، فعلى سبيل المثل أعربت أوكرانيا ولو عن بعد عن تأييدها لاذربيجان، وهى اتخذت هذا الموقف ليس حباً فى باكو (أذربيجان)، بل لأنها تعرف أن عدوتها اللدودة روسيا تؤيد يريفان (أرمينيا)، رغم أن روسيا تحاول أن تلعب دور الوسيط بين الدولتين القوقازيتين، لأنها لا تريد أن تدخل فى صدام مع تركيا المتحالفة مع أذربيجان، وأعربت عن تأييدها لباكو منذ بداية النزاع، وكل ما أعلنت عنه روسيا على لسان الرئيس بوتين أثناء اجتماع لمجلس الأمن القومى أن بلاده على استعداد للقيام بدور الوسيط بين البلدين، ولا ننسى أن لروسيا قاعدة عسكرية فى أرمينيا وهى حريصة على استمرارها، كما أن روسيا هى المورد الرئيس للمحروقات لأرمينيا وخاصة الغاز. وفى إطار التصعيد بين البلدين أعلنت أذربيجان أنها تمتلك صواريخ يمكنها الوصول وتدمير محطة توليد الكهرباء النووية فى ميتسامورسكى، وهو الأمر الذى جعل المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية للتصريح بأن هذا ينم عن حالة اليأس والتخبط الذى تعيشه أذربيجان وهددت أرمينيا من جانبها بضرب أحد السدود فى أذربيجان وإغراق البلاد. ليس النزاع فى حد ذاته هو مكمن الخطورة فى منطقة القوقاز، رغم التهديد بضرب المحطة النووية الأرمينية، فالقدرات العسكرية للدولتين محدودة رغم تكديسهما للسلاح على مدى أعوام النزاع، لكن الخطورة تكمن فى حالة الاستقطاب على المستويين الدولى والإقليمى، حيث لجأت أذربيجان إلى دول وسط آسيا الإسلامية باعتبارها دولة مسلمة، وفى اعتقادى ستلجأ أرمينيا إلى دول مثل بيلاوروسيا أو بالطبع روسيا صاحبة القاعدة على الأراضى الأرمينية، وبالطبع تركيا نظراً للعداء التاريخى مع الأرمن منحازة لأذربيجان، وهنا ستصطدم بروسيا الشريك التجارى الأهم لتركيا، خاصة أن احتمالية الصدام فى ليبيا أو فى سوريا ما زال قائما وأزمة خط الغاز الفارغ فى تركيا والمسمى "السيل الأزرق" والذى تم إنشاؤه لتوريد الغاز لتركيا، إلا أنها لم تستخدمه واستوردت غازا مسالا رخيصا من دول مثل قطر ونيجيريا والجزائر، ومن المفترض أن تدفع تركيا سواء استخدمت الخط أو وستحدث قطعاً مشكلة بين البلدين. ماذا يقول الخبراء فى شأن النزاع الأرمينى الأذربيجانى الحالى واحتمالية التدخل التركى إلى جانب أذربيجان وتدخل روسيا إلى جانب أرمينيا حليفتها القديمة ثقافياً وعسكرياً واقتصادياً أيضاً وعضو اتفاقية الأمن الجماعى بين دول الاتحاد السوفيتى السابق. واحتمالية صدام المصالح التركية مع نظيرتها الروسية فى منطقة ما وراء القوقاز، وهما اللتان تحاولان بكافة السبل مواءمة علاقتهما فى الشرق الأوسط سواء فى سوريا أو ليبيا. يقول الخبراء إنه من غير المستبعد تصعيد النزاع لمستوى أكثر حدة ومن هنا ستزداد حالة الاستقطاب، خاصة أن الدولتين قد كدستا كميات ضخمة من السلاح أى لديهما القدرة على الاستمرار فى نزاع محدود لفترة طويلة. وفى الوقت الذى تدعو فيه روسيا للوساطة بين البلدين والتهدئة، قام الرئيس التركى حليف أذربيجان بالاتصال بنظيره الأذربيجانى إلهام علييف، وبعد ذلك وأثناء لقاء جمع وزير الدفاع التركى بوفد من أذربيجان قال الوزير التركى "إن بلاده تدين بحسم الهجوم الجبان على منطقة توفو زسكى فى أذربيجان"، وأضاف "إن قتل العسكريين الأذربيجانيين لن يمر دون رد" وكما هو واضح من كلام وزير الدفاع التركى أن بلاده تريد اشعال الموقف وهذا يتعارض تماماً مع الموقف الروسى. ويفسر بعض الخبراء سبب محاولة روسيا عدم اتخاذ موقف أكثر حدة، بأنه بسبب عزلة أرمينيا جغرافياً عن روسيا، وإذا أغلقت أذربيجان المجال الجوى أمامها، لن تستطيع روسيا التواصل لوجستيا مع قاعدتها العسكرية فى جيومرى بأرمينيا، فهل تستخدم المجال الجوى التركى؟ ويعتبر بعض المراقبين أن تدخل تركيا غير المسئول فى النزاع من شأنه أن يزيده اشتعالاً، وهو ما يعتبره خبراء ليس من الشراكة فى شيء فيما يتعلق بروسيا، فالأتراك يدركون تماماً أن روسيا حليف رسمى لأرمينيا، ويتساءل أحدهم ماذا تريد تركيا؟ تدخل معنا فى نزاع وتخرب العلاقات بيننا نهائياً؟ وعدد الخبير بالشأن التركى أنظروا لدينا مع أنقرة مشاكل فى سوريا وفى ليبيا ماذا يريدون هل يريدون مشاكل معنا فى ناجورنوكاراباخ؟!. ويقول أحد الخبراء فى الشأن التركى أيضاً إنه لا يستبعد أن يكون الرئيس التركى قد تم توريطه من مجموعات تابعة لأرمينيا فى تركيا، واستفزازه لاتخاذ خطوات لقطع أو تخريب العلاقات مع روسيا، لكن وفق الخبير الروسى بالشأن التركى، فى هذه الحالة، سيكون إردوغان فى حالة عزلة وسيكون من السهل الإطاحة به، فلا يوجد أصدقاء كثيرون لدى تركيا فى الوقت الراهن، فالغرب يريد طاعة تركيا وتنفيذها مطالبه، أما تركيا الحالية التى تسبب له المشاكل فالغرب لا يريدها ويعتبرها عبئا عليه، وإذا عزل إردوغان نفسه بالابتعاد عن روسيا فستكون أيامه فى الحكم معدودة، وينصح الخبير بالشأن التركى الرئيس التركى بالابتعاد عن الصقور فى حكومته والعمل على التهدئة فى النزاع الأرمينى الأذربيجانى، ويجب أن يتحلى بالمسئولية. فى نفس الوقت تحاول روسيا بقدر المستطاع تهدئة الأوضاع للتوصل من جديد إلى هدنة بين البلدين، لكن على تركيا ألا تصعد الموقف وإلا كما قلنا إذا خربت أنقرة علاقاتها بموسكو، سيكون من السهل على الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الانفراد بها وسيخضعونها لإرادتهم، نفس الوقت ستكون أيام السلطان إردوغان معدودة فى الحكم، وهو الذى يعانى من أزمة اقتصادية طاحنة بديون تفوق 400 مليار دولار ومعدل تضخم يفوق 20%، ناهيك عن بطالة تخطت 13%، هذا بخلاف هروب بعض رءوس الأموال مثل شركتى دايهاتسو وشيفرولية، وإذا أضفنا أزمة كورونا نجد أن الحالة فى تركيا لا تحتمل التورط فى نزاع جديد. فهل يتعظ التركى ولا يحاول اختبار صبر الدب الروسى، الذى بدأ يتململ من تصرفات الرئيس التركى فى ليبيا وسوريا مؤخراً فى النزاع بين أرمينياوأذربيجان، وإذا كانت ليبيا وسوريا بعيدتين نسبياً فإن أرمينياوأذربيجان فى عقر دار الدب الروسى.