عز الدين نجيب: نحتاج لمشروع قومى متكامل لتوثيقها بشكل مؤسسى مسعد عمران: ضرورة تقدير الحرفى بشكل معنوي واجتماعي هشام الجزار: إستراتيجية موحدة للتعامل مع الصناعات اليدوية وتطويرها لضمان الاستمرار تحقيق: رضا النصيرى الحرف اليدوية التقليدية، أحد ثوابت تراثنا العريق وكنز الشعوب التي لا يمكن أن ترحل من الذاكرة مهما مرت السنون، وتوجد عشرات الحرف اليدوية التي توارثت عبر الأجيال، حاملة معها البصمة الوراثية للإبداع والجمال وللدقة والإتقان، وبوصفها أنها تصنع “تاريخ وحضارة”، فالاهتمام بها واجب إنساني ووطني خاصة أنها تتوارى، وأصبحت مهددة بالاندثار، بعد أن كانت تشكل القوة الإنتاجية الثانية بعد الزراعة، والمصدر الرئيسي لدخل العديد من الأسر الفقيرة، فهناك نحو مليون سيدة تعمل بهذا القطاع خاصة فى المحافظات، وفي مقدمتها محافظتا القاهرةوالقليوبية، وتتضمن تلك الصناعات السجاد والمفروشات والأخشاب والفخار وغيرها ويعتبرها البعض البداية الحقيقية لمنافسة البضاعة الصينية، حيث بلغ حجم السوق المحلى للصناعات اليدوية نحو 3 مليارات جنيه. ويرى بعض العاملين بقطاع “الحرف اليدوية”، أن عددهم في تراجع مستمر، لعدم تلقيهم الدعم الذي يشجعهم على استمرارهم في المهنة، فيما يرى آخرون أن إقامة المعارض وفتح أسواق محلية يساعد في تسويق منتجاتهم وتنمية القطاع بأكمله، مؤكدين أن هذه الحرف لها مكانة مهمة بين الصناعات الأخرى، لما لها من مردود ثقافى واقتصادى متوارث، ويمكن اعتبارها ثروة وعامل جذب للسياح، يعتمد فيها الصانع على مهاراته الفردية الذهنية واليدوية، باستخدام الخامات الأولية المتوفرة فى البيئة الطبيعية المحلية أو الخامات الأولية المستوردة، موضحين ان دور هذه الحرف تراجع دورها خلال الآونة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، مطالبين بالعمل على التطوير وتقديم الدعم الكامل لهذه المهن التراثية حفاظا عليها من الاندثار، وفتح قنوات جديدة من قبل التسويق لها. فى البداية، تقول عصمت فتحى، صاحبة مشروع للسجاد اليدوي بمحافظة القليوبية،لأكثر من 15 عاما بقرض من الصندوق الاجتماعي، مشيرة إلى أن المعارض هي السبيل الوحيد لعرض وتسويق وشهرة منتجاتنا التى نتميز بها خاصة سجاد الحرير، موضحة أن أبرز المشاكل التي تواجهها هي التمويل وخاصة فى ظل غلاء المواد الأولية، والخامات، ورفض المنتجين الدفع بالأجل، فالخامات، أسعارها ارتفعت بشكل كبير، ولا يوجد اى دعم من الجهات المسئولة لتوفير تلك الخامات بأسعار أقل حتى تحقق هامش ربح. بينما يؤكد على عبدالله، صاحب مشروع لصناعة الخشب، أن هذه الحرفة تحتاج إلى الخشب بدرجة حرارة مرتفعة ولا يزرع إلا في محافظة أسوان، مشيرا إلى أن الخشب بدأ ينقرض، خاصة أن “الشجرة اللى بتتخلع مش بتتزرع مكانها تاني”، مطالبا بتشجيع من الدول لتصدير المنتجات وتدريب الأيدي العاملة بمركز تدريب تابعة لها، حتى نتمكن من منافسة العديد من الدول، وإقامة معارض بالخارج لتسويق منتجاتنا، مشددا على أن هذا القطاع يحتاج إلى إعادة نظر، وليس التمويل فقط، وعن المشاكل التي تواجه مستقبل الصناعات الحرفية بشكل عام، ويرى أن سياسة الاغراق لسوق المنتجات الحرفية، تعد المشكلة الأكبر التي ستدمر هذه الصناعة تماماً، مشيراً إلي أن قلة الخامات يقف وراء ارتفاع سعر المنتج المصري مقارنة بالمنتج الصيني الأعلي جودة، والأقل سعراً مع صعوبة التأمين علي العاملين، بالإضافة إلي قلة دخل هؤلاء العاملين. وأضاف أن هؤلاء العاملين ليس لهم الحق في الانضمام إلي نقابة الفنانين التشكيليين، وأوضح أن نظرة المجتمع المتدنية لهذه الصناعة باعتبارها صناعة بدائية غير مجدية في ظل التطور الهائل في مجال التكنولوجيا سيقلل من امكانية زيادة العاملين بالصناعة إلي جانب التمويل والإجراءات الروتينية التي يتعرض لها أصحاب تلك الصناعة في حالة الحصول علي قروض من البنوك، بالإضافة إلي الضرائب المفروضة علي القائمين عليها. فيما يرى كبير نقاد الفنون التشكيلية ” عز الدين نجيب”، أن تنمية الحرف التراثية فى مصر لا يمكن أن يتم بالأسلوب المتبع حاليا، حيث الشكل الأهلى، مشيرا إلى اتاحة الفرصة للشباب من خلال قروض لمشروعات صغيرة، مؤكدا أن تنمية هذا القطاع لابد أن يكون بشكل مؤسسى من خلال إقامة هيئة قومية كبرى تنظم هذا القطاع على مستوى الجمهورية، من خلال ميزانيات وخطط وبرامج تدريب، بالإضافة لإنشاء مشروعات ما بين الصغيرة والمتوسطة وتسويقها محليا ودوليا. مجلس أعلى وأشار” نجيب”، إلى أنه من خلال تجربته الطويلة فى هذا المجال، وضع تصورا لمشروع تحت مسمى ” المجلس الأعلى للحرف التقليدية”، يضم إليه كل الميزانيات التى توزع على مختلف الوزارات والجهات وبرامج الدعم، ويقوم عليه مجلس من الأمناء من كبار الخبراء ورجال الصنعة، على أن يكون له سلطة ذاتية دون الوقوع تحت قبضة الأجهزة الحكومية، مقترحا أن يتم ربط ذلك ببناء ما يعرف ب ” مدينة الحرف التقليدية”، فى أرض الفسطاط والتى تخصص لها مساحة أرض بجوار مركز الخزف، بحيث تكون هذه المدينة مصبا لكل القنوات المتصلة بالحرف بجميع قرى ومدن المحافظات، وبذلك تكون مركزا محليا ودوليا لتدريب وتسويق وتأهيل الخبرات المختلفة على المستوىين المهنى والثقافى، لأن أى حرفة هى وليدة الثقافة أيضا، وليست وليدة الصناعة فقط، بمعنى أن يكون هناك معاهد ومراكز ثقافية متصلة بالحرف لتوثيق كل حرفة حتى يتم البناء عليها للتأكيد على الهوية المصرية وليس البعد الاقتصادى فقط. موسوعة الحرف التقليدية وأضاف” نجيب”، أنه ليس كافيا أن يتم توثيق الحرف من خلال جهود جزئية متفرقة، ولكن لابد من مشروع قومى متكامل من خلال إصدار موسوعة الحرف التقليدية فى مصر يوثقها من كل الجوانب والتصنيفات المختلفة حتى يصبح لدينا أرضا صلبة يبنى عليها للمستقبل، الأمر الذى يتطلب وجود دعم للمؤسسات الأهلية التى تتولى كل هذه الأنشطة سواء كانت جمعيات أو نقابات، لأنه من المؤلم أن تترك هذه الحرف والمشتغلين بها بلا دعم حتى تندثر، والأهم هو الاستماع لهؤلاء، لأنه ليس هناك أكثر من أبناء الحرفة معرفة بمشاكلها وحرصا على تنميتها واستمرارها، وبناء عليه لابد من التخطيط لحماية أبناء الحرف على كل المستويات ” صحيا واقتصاديا”، وغيرهما. تكاتف الأطراف من جانبه، يرى “مسعد عمران” ، رئيس غرفة صناعة الحرف اليدوية، أن الضعف فى هذا القطاع سببه تفرق جهود الجهات المعنية بين كل الأطراف الممثلة للقطاع، مؤكدا ضرورة تقدير الحرفى بشكل معنوي واجتماعي، علاوة على مساعدته فى توفير الدخل المناسب له ولأسرته، مطالبا بضرورة تكاتف كل الأطراف بداية من الغرفة والمجلس التصديرى والجهات المعنية لتوفير حياة كريمة للحرفى وإعادة المتسربين من بعض الحرف التراثية لإعادة إحيائها، مضيفا أن القطاع لا يسير على الطريق الصحيح، فكل جهة تعمل في جزر منعزلة، ولا يوجد حصر شامل للحرف والعاملين بالمنظومة، كما أن التشريعات لا تخدم منظومة عمل القطاع، والمعارض الخارجية مكلفة جدا، مؤكدا أن هدف القطاع يتمثل في إحياء الصناعات الحرفية والتراثية وتوفير حياة كريمة للحرفيين الذى يعانون من انخفاض دخولهم واندثار صناعاتهم. وشاركه نفس الرؤية، ” هشام الجزار”، رئيس المجلس التصديرى للحرف اليدوية، حيث أشار إلى العلاقة بين أطراف المنظومة والتى وصفها ب” المعقدة”، مشددا على أهمية توحيد الجهود للنهوض بالقطاع، حيث “الحرفي والمصمم والجهة التسويقية”، وذلك للوصول إلى أفضل الحلول والآليات الأمثل لتطبيقها، موضحا أنه يمكن تحقيق مكاسب مادية للدولة من اهتمامها وتدعيمها للحرف اليدوية، حيث إن حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية والتقليدية يفوق 100 مليار دولار، وقد أدرك كثير من البلاد أهمية استثمار تراثها الحرفى، فعملت على إقامة آلاف الورش والمصانع، وبالتالى خلق الملايين من فرص العمل لشبابها. واوضح” الجزار”، أن من أسباب انحسار الحرف اليدوية بمصر حتي أوشك بعضها علي الإنقراض، عدم الاهتمام بجودة المنتج وتطويره، مشيرا إلى أن دراسة الأسواق الخارجية للتصدير،هي المفتاح الذى يساعد على تطوير الحرف اليدوية لضمان الاستمرار، منتقدا تعامل الحكومة والجهات المعنية مع القطاع سواء من الناحية التشريعية أو الإجرائية، حيث تتعامل معها بنفس الكيفية التي يتم التعامل بها مع الصناعات الكبيرة، في حين أن الصناعات اليدوية يغلب عليها طابع المشروعات متناهية الصغر، مطالبا باستراتيجية موحدة للتعامل مع الصناعات اليدوية، مشيرا الى اهمية تطبيق مبادئ التجارة العاملة بين كل أطراف الصناعة وهم (الحرفى، والمصمم، والمسوق) حيث تضم حقوق جميع الأطراف بالمنظومة وتحقق التواصل الجيد بينهم وتطوير أدائهم. وأشار إلى أهمية التجارة الإليكترونية في عملية التسويق لمنتجات الحرف اليدوية، خاصة أن أغلبها ينتج من المنزل وهناك الكثير من التجارب التي يمكن الاستفادة بها في هذا المجال مثل الهند ونيبال وتونس والمغرب، مؤكدا أن عدم اتخاذ أي خطوات تجاه الصناعات الصغيرة غير التمويل ليس كافيا، فالتمويل والتسويق ودراسة متطلبات السوق مربع متكامل للنهوض بهذا القطاع.