الدستور وتعليم الدين وافق الدكتور «أحمد زكي بدر» وزير التربية والتعليم علي دراسة المقترح الذي قدمته الدكتورة «مشيرة خطاب» وزيرة شئون الأسرة والسكان بتأليف كتاب مشترك يحمل قيم الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية بهدف تعميق المواطنة.. هكذا يقول الخبر، ولكنه يعود ويضيف أن هذا لا يلغي استمرار تدريس كتب الدين في المدارس وعدم المساس بها، وهي إضافة غير منسوبة لأي من الوزيرين. وواضح تماما أن الجزء الثاني من الخبر ينفي الأول ويلغيه ذلك أن الهدف الرئيسي من تأليف كتاب يضم القيم المشتركة للديانات الثلاث هو بالإضافة إلي تأكيد مبدأ المواطنة والاندماج المجتمعي وتعميقهما في نفوس الطلاب، التأكيد أيضا علي أن الله واحد والإنسان واحد، وأن الديانات الثلاث انبثقت من الأصل الإبراهيمي الواحد أما المنتمون إليها فهم جميعا أمة أهل الكتاب ويعترف القرآن الكريم بكتب اليهود والمسيحيين ورسلهم، وكانت الديانات الإبراهيمية الثلاث قد نشأت تاريخيا في منطقة حضارية واحدة لها نفس الجذور والثقافات. ويحيلنا التناقض بين الفقرتين إلي تناقض أصلي في مواد الدستور المصري الذي ينص في مادته الثانية علي أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية والشريعة الإسلامية المبدأ الرئيسي للتشريع، وذلك بعد تغيير نص المادة من الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع لتصبح المصدر بينما ينص الدستور في مادته الخامسة في الفقرة الثالثة المضافة في التعديل الدستوري الأخير علي أن «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقا للقانون ولا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أي مرجعية دينية أو أساس ديني، أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل»، وكذلك تتناقض المادة الثانية مع المادة الأربعين التي تنص علي أن المواطنين لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وهي كلها تناقضات لابد من الوصول إلي حلول لها حتي لا تبقي مصدرا للتأويلات المتضاربة حول علاقة الدولة بالدين وعلاقة الدين بالسياسة وهو ما تلعب عليه القوي السياسية التي تتطلع لإنشاء دولة دينية. وهناك نموذج واقعي لمثل هذا التضارب يتمثل في تصريح الدكتور «عصام العريان» عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين حول شعار «الإسلام هو الحل» إن هذا الشعار الذي نعرف جيدا أنه كان ولايزال أساسا لممارسات تمييزية قامت بها جماعة الإخوان المسلمين ضد كل من النساء والمسيحيين المصريين والمثقفين الديمقراطيين ومبادئ وحرية الفكر والتعبير العالمية، يقول «عصام العريان» إن هذا الشعار يمثل هوية الإخوان ولا تراجع عنه لأنه يمثل كذلك هوية الأمة ويتوافق مع المادة الثانية من الدستور المصري، وهو ما عاد وأكده أيضا الدكتور محمد حبيب النائب السابق للمرشد العام للجماعة حين قال إن الشعار - وبالتالي ممارسته في الواقع - يستند إلي المادة الثانية من الدستور التي تتضمن أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وأضاف «حبيب» أن من يصطدم مع شعار «الإسلام هو الحل» أو يعارضه فهو يصطدم ويعارض النظام العام للدولة، أي أن مشروعية الدولة طبقا للإخوان المسلمين مستمدة من الدين. وعلي حد تعبير الباحث في الديانات «نبيل عبدالفتاح» مازال الدين يشكل أحد محاور حركة السلطة وقوي سياسية أخري، وتسعي هذه القوي إلي تأميمه لصالحها، وهو بالضبط ما يفعله كل من النظام في مصر وجماعة الإخوان المسلمين، ولكن يبدو أن دوائر في النظام أدركت متأخرا جدا - أن ما يترتب علي خلط الدين بالسياسة وبالدولة خطير جدا علي مستقبل المواطنة، وأن حصة الدين في المدارس التي تقسم الطلاب وتعزلهم عن بعضهم البعض تتنافي مع مبادئ المواطنة والاندماج الاجتماعي، ووضع كتاب يحمل قيم الأديان الثلاثة هو خطوة أولي صغيرة علي طريق طويل من الصراع والنضال بشرط أن يكون هذا الكتاب بديلا عن حصة الدين، وليتعلم كل تليمذ أصول دينه الخاص في بيته أو معبده لتبقي الساحة العامة في المدرسة أو السياسة حاضنة للمواطنة دون تمييز.