رئيس جامعة الإسكندرية: دعم الطلاب المتعثرين في المصروفات    بالصور جامعة أسيوط الأهلية تستقبل العام الدراسي الجديد برفع العلم والنشيد الوطني    بالصور- رئيس جامعة بنها يتفقد سير العملية التعليمية ويشارك الطلاب تحية العلم    وزير التعليم العالي يطمئن على انتظام الدراسة بجامعة حلوان    تعليمات جديدة من الأزهر مع بداية العام الدراسي الجديد (صور)    السبت 28 سبتمبر 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت في المصانع المحلية اليوم    «حياة كريمة»: افتتاح منافذ جديدة لبيع اللحوم البلدي والمجمدة بأسعار مدعمة    التضامن والعمل الدولية تبحثان تعزيز أوجه التعاون في الملفات المتعلقة بالتشغيل والعمالة غير المنتظمة    الضرائب: إتاحة 62 إتفاقية تجنب ازدواج ضريبى على الموقع الإلكتروني باللغتين العربية والإنجليزية    صفارات الإنذار تدوى في مستوطنات شرق تل أبيب    مراسل «القاهرة الإخبارية»: الاحتلال الإسرائيلي يشن هجمات عنيفة على لبنان    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 41 ألفًا و586 فلسطينيًا    عواد يقترب من الانضمام لمعسكر المنتخب في أكتوبر    أسيوط: تحرير 67 محضرا خلال حملات تموينية بمركز ديروط    أسيوط: مواصلة شن حملات لإزالة التعديات على حرم الطرق وضبط الأسواق بمركز أبوتيج    «تعليم القاهرة» تطلق حملة «ابدأ بصحة» في المدارس غدًا    تامر حسني: فيلم "ريستارت" هينزل في عيد الفطر وليس رأس السنة    كانت بتراضيني.. إسماعيل فرغلي يتحدث عن زوجته الراحلة بكلمات مؤثرة    الاثنين.. القومي للسينما يعرض فيلم الطير المسافر في نقابة الصحفيين    بمشاركة مسار إجباري.. حكيم يُشعل المنيا الجديدة بحفل ضخم وكلمات مؤثرة    رانيا فريد شوقي وحورية فرغلي تهنئان الزمالك بحصد السوبر الإفريقي    عمرو سلامة يوجه الشكر ل هشام جمال لهذا السبب    الإفتاء في اليوم العالمي للمسنين: رعاية كبار السن واجب ديني واجتماعي    «الزراعة»: مصر لديها إمكانيات طبية وبشرية للقضاء على مرض السعار    «وداعا للمسكنات».. 6 أطعمة تخفف من آلام الدورة الشهرية    رئيس هيئة الدواء: أزمة النقص الدوائي تنتهي خلال أسابيع ونتبنى استراتيجية للتسعيرة العادلة    خطة المدن الجديدة لاستقبال فصل الشتاء.. غرف عمليات وإجراءات استباقية    إصابة 3 أشخاص في حادث على طريق العريش الدولي بالإسماعيلية    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد الإعلان عن مقتل نصر الله: هذا ليس آخر ما في جعبتنا    30 يومًا.. خريطة التحويلات المرورية والمسارات البديلة بعد غلق الطريق الدائري    وزير خارجية الصين يشيد بدور مصر المحوري على الصعيدين الإقليمي والدولي    الهند تحذر:استمرار باكستان في الإرهاب سيؤدي إلى عواقب وخيمة    تداول 47 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    تشكيل أرسنال المتوقع أمام ليستر سيتي.. تروسارد يقود الهجوم    جمهور الزمالك يهاجم إمام عاشور واللاعب يرد (صور)    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    حفيد عبد الناصر: الزعيم يعيش فى قلب كل مصرى    4 نوفمبر المقبل .. وزارة الإسكان تشرح للمواطنين مزايا التصالح على المباني المخالفة    سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 28-9-2024 في البنوك    الجيش الإسرائيلي يؤكد اغتيال حسن نصر الله    وزارة الصحة: إرسال قافلة طبية لدولة الصومال لتقديم الخدمات الطبية    مقتل شخص في مشاجرة بسبب خلافات سابقة بالغربية    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة تستهدف بعلبك والمناطق الجنوبية اللبنانية    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا 29 سبتمبر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» 28 سبتمبر 2024    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    عاجل.. أول تحرك من الخطيب بعد خسارة الأهلي السوبر الأفريقي    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    زيزو: قرار استمراري مع الزمالك الأفضل في حياتي    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أية عولمة هذه التى يزعم ترامب مناهضتها ؟
نشر في الأهالي يوم 13 - 10 - 2018

لم يعد قابلاً للإدهاش أي افتراق عن «الحكمة الأمريكية الشائعة» تنطوي عليه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما فى ذلك حال الانزياح عن ثوابت كبرى دخلت، أو تواصل الدخول والاستقرار التدريجي، فى صلب الفلسفة الرأسمالية المعاصرة؛ التي يُفترض أنّ الولايات المتحدة، ومن قلب البيت الأبيض أوّلاً، تتولى تنشئتها ورعايتها. الأمثلة تكاثرت منذ أن كان الرئيس الحالي مرشحاً لا يُرجّح انتخابه إلا بنسبة ضئيلة، وصار بعدئذ أحد أبرز المنافسين داخل الحزب الجمهوري، قبل أن يهزم هيلاري كلينتون فى الجولة الختامية. لكنّ الأحدث فى سلوك الافتراق والانزياح كان التصريح التالي الذي أطلقه ترامب، مؤخراً، من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة: «نحن نرفض إيديولوجيا العولمة ونعتنق عقيدة الوطنية»، لأنّ «أمريكا يحكمها الأمريكيون» وعلى «الأمم «المسئولة أن تدافع عن نفسها إزاء الهجمات التي تستهدف السيادة، ليس من حكم العولمة فقط، بل من أشكال الهيمنة والإكراه الأخرى الجديدة».
صحيح أنّ البغض الذي يزعم ترامب أنه يكنه للعولمة ينسجم مع الخطاب الشعبوي السائد لدى غالبية ساحقة من أنصاره، خاصة فى ميدان التمييز (الزائف، بالطبع) بين العولمة والنزعة الوطنية؛ وكذلك، على قدم المساواة، فى ميدان آخر يستنهض الشعور الشعبوي، هو ممارسة السيادة عن طريق الحماية التجارية وفرض الرسوم الجمركية. ولكن من الصحيح، فى المقابل، أنّ مناهضة ترامب للعولمة ليست سوى ذلك الطراز من ديماجوجية تبسيطية، تزعم إعلان الحق ولكنها لا تستبطن سوى الباطل. فالعولمة، فى معانيها الأوضح، تعني اتساع الروابط العالمية على صعيد الدول والأفراد، وتنظيم حياة البشر الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، ثمّ السياسية استطراداً، على قواعد كونية، لم تعد محلية تماماً لأنها تعولمت وانخرطت فيما سيُسمى «مجتمع العالم». والعولمة تنطوي، فى آن معاً، على انضغاط العالم وعلى تكثيف الوعي بالعالم بوصفه مجموعاً كلّياً، وتسفر بالتالي عن توطيد أربعة مكوّنات رئيسية لشرط الوجود الإنساني: المجتمعات (أو الدول الأمم)، النظام العالمي، الأفراد (بوصفهم نفوساً)، ثمّ البشرية قاطبة. ولأنها سيرورة تربط الوعي وتحرّض على الوعي بالارتباط فى آن، تستهدف العولمة حلّ الاستقلال الذاتي لأطراف النظام العالمي وأعرافه.
تلك، مبدئياً ومن حيث المنطق، ليست العولمة التي يكترث ترامب بمناهضتها، وحاله فى هذا لصيق بحال مناصريه. فماذا عن «الإمبريالية الثقافية»، التي إذا كانت نتيجة مباشرة للطابع الغربي الأمريكي للعولمة كما وُصفت أعلاه، فإنها أيضاً نتيجة مباشرة لتراث الاستعمار القديم والاستعمار الجديد، بالإضافة إلى كونها ثمرة توازنات الضعف والقوّة فى النظام السياسي العالمي الراهن. وخير من يصحّ الاستشهاد بآرائه هنا هو دافيد روثكوف، من موقع المدير الإداري لمؤسسة «كيسنجر وشركاه»، أشهر معاقل الاستشارات الكونية الجيو سياسية التي تستخدم عشرات الخبراء، وكبار متقاعدي المناصب الرفيعة فى الإدارات الأمريكية، من مرتبة مستشار الأمن القومي إلى وزير الخارجية. هنا يقوم هؤلاء بتحليل شئون الكون فى الماضي والحاضر والمستقبل، فيقترحون على صانعي القرارات السياسية والاقتصادية هذه أو تلك من الحلول الكفيلة بعلاج اعتلال الكون، و.. بترسيخ أنظمته المعولَمة على وجه التحديد. وإلى جانب منصبه هذا، درّس روثكوف العلاقات الدولية فى جامعة كولومبيا، وسبق له أن شغل موقعاً بالغ الحساسية فى وزارة التجارة أثناء الولاية الأولى للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.
إنه، استطراد لا يفتقر إلى المؤهلات التي تعطيه الحق فى الخروج على أمريكا، ولكن على العالم بأسره أيضاً، بنظرية جديدة تلمّ شتات ما قاله فرنسيس فوكوياما حول نهاية التاريخ (بل سائر التواريخ غير الأمريكية)، ونهاية الاقتصاد (بل الاقتصادات غير الرأسمالية)؛ وتستجمع شذرات صمويل هنتنغتون حول صراع الحضارات، بدل صراع الأنظمة والمصالح والإيديولوجيات. روثكوف عرض نظريته فى الفصلية الأمريكية النافذة Foreign Policy، ضمن محور خاص بالعولمة، وسارت أفكاره الأساسية كما يلي، باختصار شديد: يقتضيه المقام:
تكنولوجيا المعلوماتية، أو بالأحرى انفجار تكنولوجيا المعلومات، هو أبرز مظاهر العولمة الراهنة التي يشهدها العالم بأسره.
الولايات المتحدة هي سيّدة هذه «الثورة»، وهي فى طليعة الأمم الدول (بل القوى الكونية الجبارة) التي تتولى تطوير الثورة تلك، وتصديرها. إنها تسيطر تماماً على «أوتوستراد المعلومات»، وأكثر من أي بلد آخر على الإطلاق. فالعالم يتعامل بالعملة الأمريكية، ويرتبط راضياً أم صاغراً بالنظام المصرفى الأمريكي، ويخضع فى كثير أو قليل لاشتراطات الإمبريالية الأمريكية؛ فضلاً عن أنه يصغي إلى الموسيقى الأمريكية، ويشاهد التلفزات الأمريكية، ويستخدم البرامج الكومبيوترية الأمريكية، ويأكل الأطعمة الأمريكية، ويلبس الثياب الأمريكية… الأمريكيون يتحكمون فى سمع وبصر وذوق ومعدة وعقل العالم، وبذلك فإنّ العالم يتعولم أمريكياً، ويتأمرك؛ بقوّة واضطراد.
ثقافات العالم الأخرى لا تستطيع مقاومة هذا الغزو الأمريكي الشامل المتكامل، و«المشرعَن» بقوانين التجارة والرأسمال والعلاقات الدولية المعاصرة. ولهذا يدعو روثكوف مختلف إدارات البيت الأبيض لاستغلال هذا الوضع الاستثنائي، وترجمة شعار «الولايات المتحدة بلد لا غنى عنه» إلى واقع فعلي يتسيد العصور الراهنة، بما يُطيل عمر «القرن الأمريكي» حتى شعار آخر طويل، ومديد.
لا ديمقراطية، ولا أوهام ليبرالية أيضاً، حول ضرورة إفساح المجال أمام مراكز الكون الأخرى، لكي تترعرع وتحتفظ بهوياتها الوطنية؛ ولا مجال أيضاً أمام فكرة «التعددية»، الرومانتيكية فى الجوهر، المنتمية إلى عصور القوميات فى الجوهر والشكل، المعرقلة للمزيد من نشر وانتشار العولمة الشاملة.
البديل الوحيد المتاح، بل المطلوب بإلحاح شديد، هو تعميم الهيمنة الأمريكية، وحدها وحصرياً، وعلى صعيد هذا المفهوم الاختزالي للثقافة. ويكتب روثكوف: «قد يجادل الكثير من المراقبين بأنه من غير المستحبّ انتهاز الفرص التي تخلقها الثورة المعلوماتية العالمية من أجل فرض الثقافة الأمريكية على الآخرين. ولكنني أجادل بأن هذا النوع من النسبوية خطير بقدر ما هو خاطئ. ذلك لأن الثقافة الأمريكية مختلفة جوهرياً عن جميع الثقافات الأصيلة فى العالم، وهي جماع متجانس من المؤثرات والمقاربات الكونية، وهي منصهرة فى خلاصة خاصة تتيح تطوّر الحريات الفردية والثقافات الفردية على حدّ سواء».
تأسيساً على هذه المحاجّة، يتابع روثكوف: «ينبغي ألا يعفّ الأمريكيون عن القيام بما هو فى صلب مصالحهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، التي ليست فى نهاية الأمر سوى مصالح العالم على اختلاف جغرافياته وثقافاته. وينبغي على الولايات المتحدة ألا تتردد برهة واحدة فى تعميم قيمها وأخلاقياتها. وينبغي على الأمريكيين ألا ينسوا لحظة واحدة أن ثقافتهم، وحدها ودون ثقافات جميع الأمم على امتداد تاريخ العالم، هي الأكثر عدلاً، والأكثر تسامحاً، والأكثر استعداداً لإعادة تقييم وإعادة تطوير عناصرها، والنموذج الأفضل من أجل مستقبل الإنسانية».
فهل هذه هي العولمة التي يزعم ترامب أنه يمقتها؟ كلا، هنا أيضاً، إلا إذا افترض المرء أنّ شخص رجل الأعمال المتخفى فى إهاب رئيس الولايات المتحدة يمكن أن يرفض المزايا الكبرى التي تؤمنها، له ولأشغاله واستثماراته، هذه الصيغة من العولمة. حقيقة الأمر، فى المقابل، أنّ سنوات ما بعد العاصفة الهوجاء التي اجتاحت مصارف أمريكا خاصة، وبورصات العالم عامة، قبل نحو عقد (وليس قبل عقود!) أطاحت بقسط غير قليل من جوانب العولمة التي يشير إليها روثكوف، ولها هللت مراكز الرأسمال الكونية. كان ترامب وأمثاله يتدلهون فى حبّ العولمة حين خدمت مصالحهم، ثم توجّب أن يعلنوا مناهضتها حين انقلبت بعض شروطها ضدّ مصالحهم؛ وقد لا يطول الزمن قبل أن يرتدوا إليها، حين ترتدّ إليهم!
صبحى حديدى
مفكر سورى يقيم فى باريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.