عرضت موسكو على الأكراد السوريين مشروعًا للحكم الذاتي فى الدولة السورية، ذلك أنه لاخلاف على حقوقهم القومية، غير أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية لابد أن يشكل قضية بالغة الأهمية بالنسبة للأكراد أنفسهم، وبالتالي فإن الحكم الذاتي هو ما يمكن أن يحصلوا عليه فى هذا الإطار. وكانت روسيا مستعدة للدفاع عن حق الأكراد فى الحكم الذاتي فى أية لقاءات أو مفاوضات مع دمشق أو أنقرة، ولكن الأكراد السوريين رفضوا فكرة الحكم الذاتي، وبدلا من التجاوب مع روسيا.. «فضلوا طائرًا أمريكيًا فى السماء بدلًا من عصفور روسي فى اليد «حسب تعبير المعلق الروسي» بيوتر أكوبوف». وعندما بدأت تركيا الزحف العسكري والتوغل فى الأراضي السورية فى 20 يناير الماضي، ظهر بوضوح أن الولاياتالمتحدة قررت التخلي عن حلفائها الأكراد وتركهم فريسة للغزو التركي بعد أن كانت التشكيلات الكردية هي نقطة الارتكاز الوحيدة للتدخل الأمريكي غير الشرعي فى سوريا. تمامًا كما حدث لأكراد العراق الذين حرضتهم أمريكا على إجراء استفتاء حول الاستقلال ثم تخلت عنهم فى منتصف الطريق. والواضح أن الجانب الروسي اعتبر أن العملية العسكرية التركية فى سوريا من شأنها إسقاط الأوهام الكردية حول إقامة دولة كردستان السورية، كذلك فإن الولاياتالمتحدة إزاء هذه التطورات ستضطر للتخلي عن خططها بإنشاء جيش كردي كبير يكون حليفاً لها، ويضم 30 ألف مقاتل. وكانت واشنطن قد تركت ل «داعش» جيباً فى الشمال السوري وعلى الحدود مع العراق بحيث يمكنها تحريك عناصرها إلى سوريا أو العراق بحسب مقتضيات الفوضى المطلوبة وإعادة خلط الأوراق !. وقد صحت توقعات الروس بأن التدخل العسكري التركي سوف يدفع الأكراد السوريين للتفاوض مع دمشق، حيث إن التهديد التركي المستمر سوف يجبر الأكراد على البحث عن مكانهم فى سوريا، وخاصة أن دمشقوموسكو يمكنهما تقديم ضمانات أمنية من الأتراك تحول دون تدخلهم ضد الأكراد، بينما الوجود الكردي المستقل لن يحمي الأكراد من العمليات التركية المضادة المستمرة. وبالتالي، فإن التدخل التركي يمكن أن ينقلب إلى نقيض الدوافع التي جعلت أنقرة تقدم على هذا التدخل، وهو بناء سوريا الموحدة. وبالفعل طالب الأكراد فى منطقة عفرين السورية حكومة دمشق بالعمل على مواجهة الهجوم التركي. وجاء فى بيان الإدارة الذاتية الكردية فى عفرين أن هدف العدوان التركي هو اقتطاع المزيد من الأراضي السورية من خلال احتلال منطقة عفرين، الأمر الذي يهدد وحدة أراضي سوريا، وإزاء توقع دخول قوات شعبية سورية إلى عفرين.. أعلن متحدث تركي أن هذا يعني وقوع كارثة فى المنطقة !!. ولوحظ أن هدف تركيا الآن هو احتلال وحدات أمريكية تركية مشتركة لمدينة « منبج» التي اعتبرها الأتراك هدفهم الثاني بعد عفرين. غير أن الأمور لا تسير لصالح تركيا أو أمريكا فالمفترض أن تكون قوات سورية قد دخلت اليوم مدينة عفرين للدفاع عنها فى مواجهة الغزاة الأتراك، مما يعني أن السوريين الأكراد حسموا أمرهم بالعودة إلى الوطن السوري وينذر بفشل المفاوضات الأمريكية التركية التي تسعى لتحقيق أهداف على حساب وحدة الأراضي السورية وعلى حساب الأكراد. ونجاح الجيش السوري والأكراد فى إحباط الغزو التركي لعفرين يعني أن هؤلاء الغزاة لن يستطيعوا وضع أقدامهم على مساحة أخرى من الأراضي السورية، وانهيار الأطماع التركية. والمعلوم أن الأكراد لعبوا دورًا رئيسيًا فى الحاق الهزيمة بتنظيم داعش سواء فى سوريا أو العراق ولهذا يريد الرئيس التركي أردوغان معاقبتهم بعد أن راهن على تدمير سوريا على أيدي الإرهابيين. ومعلوم أيضا أن الأكراد لم يشكلوا أي تهديد فى أي وقت للأمن القومي التركي . وأخيرًا.. فإنه ليس سرًا أن القوات التركية الزاحفة على عفرين تتعثر فى طريقها وغير قادرة، حتى الآن، على احتلال عفرين، وإن المقاومة الكردية تعرقل هذا الزحف. والواضح أن تركيا ستعجز عن فرض سيطرتها على شمال سوريا، وأن هناك تطورًا كبيرًا الوضع السياسي الداخلي فى سوريا بعد هذا الموقف الكردي الجديد الذي يعزز، بقوة، وحدة الأراضي السورية.