بدا التباين واضحاً بين السياستين السورية والإيرانية في العراق في ضوء الانتخابات النيابية العراقية، ورغم حرص كل من الطرفين علي ردم الهوة بين موقفيهما وتحقيق التنسيق، وإخفاء الخلافات، فإن التباين والخلاف والاختلاف لم تعد تخفي علي أي متابع أو محلل أو مهتم، وتؤكد التصريحات التي تنطلق من هنا وهناك، والحراك السياسي، والمقابلات واللقاءات وجود سياستين سورية وإيرانية تجاه العراق مختلفتين، لكل منهما أهدافها وأساليبها وأدواتها، ويحاول كل من الجانبين الإيراني والسوري التكتم علي الخلافات وتهميشها وعدم السماح لها لا بالظهور للعلن ولا تعكير صفو العلاقات (الاستراتيجية) بين البلدين، وعلي مسار التنسيق المكثف والنشط بينهما الذي قطع أشواطاً بعيدة تكاد تصل إلي درجة التماهي بين السياستين خاصة في القضايا الإقليمية. تهم ملفقة كانت السياسة السورية مرتاحة لنجاح قائمة إياد علاوي (القائمة العراقية) وهي القائمة التي تقول الأخبار الصحفية إنها مدعومة من الدول العربية المجاورة، وهذا يعني وجود تنسيق ما (سعودي سوري) في العراق وهو عنوان لعودة التعاون بين البلدين، وعودة سورية إلي سياستها العربية التي كان يمارسها الرئيس الراحل حافظ الأسد، بينما لم ترتح السياسة الإيرانية لنجاح علاوي وترفض أن يكلف بتشكيل الحكومة العراقية، ولذلك استقبلت طهران بعد الانتخابات وفوداً تمثل الكتل النيابية العراقية الكبري، باستثناء الكتلة التي يرأسها علاوي، الذي عبر عن غضبه من التصرف الإيراني، وهاجم بتصريحات علنية النفوذ الإيراني في العراق، والتدخل الإيراني في الشئون الداخلية لبلاده. لايقف تباين السياستين السورية والإيرانية عند هذا الأمر، فهناك خلافات جدية و(حادة) في مواقفهما في العراق، فالسياسة السورية ترفض كلياً (المحاصصة الطائفية) وإحياء العلاقات الطائفية عموماً في العراق، وهي معادية لإقامة (فيدرالية) قد تنتهي بفصل الجنوب العراقي أو حصوله علي ما يشبه الاستقلال، وتخشي من أي نفوذ كردي متضخم في العراق حاضراً ومستقبلاً، السياسة العراقية، فضلاً عن رغبتها بأن يكون العراق عمقاً استراتيجياً لها وللعرب أو بالتعبير الشائع أن يعود ليؤدي دوره العربي، إضافة إلي أن نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي وزعيم الكتلة الرئيسية الثانية في مجلس النواب العراقي والذي يطمح لتشكيل الحكومة بأي ثمن اتهم سوريا بأنها تحمي (الإرهابيين البعثيين) ولها دور في العمليات الإرهابية الدموية التي تجري في العراق، مما استفز السياسة السورية التي عملت أقصي ما في وسعها لحماية حدود العراق ومنع دخول المسلحين إليه خلال السنوات السبع الماضية والتي لا تري أي مبرر لاتهامات المالكي وعدائه لها. وأخيراً فإن إياد علاوي هو من السياسيين العراقيين الأكثر قرباً إلي سورية وسياساتها خاصة وتوجهاته السياسية متأثرة بتربيته الأولي في حزب البعث. وهذه السياسات جميعها لا تتوافق مع المصالح الإيرانية، سواء منها ما يتعلق بالمحاصصة الطائفية (والدولة العراقية الطائفية عموماً) أم بالفيدرالية وفصل الجنوب، أم (بالتواطؤ) مع الأكراد أم بمعاداة كتلة علاوي والتخوف من نفوذها، وهذا كله عمّق الخلافات بين السياستين الإيرانية والسورية وجعلهما علي طرفي نقيض في العراق، مما يحتاج إلي جهود استثنائية لئلا تؤثر هذه الخلافات علي التنسيق القائم بين البلدين في سياستهما الإقليمية المتماثلة وفي تعاونهما متعدد الجوانب. مطامع واضحة يعمل كل من الجانبين علي إخفاء هذه الخلافات ثم تسويتها، ولذلك لم يصدر عن أي منهما ما يشير إليها، لكن النشاط السياسي لمحاصرتها لم يتوقف، ومحاولات التنسيق تتكثف في هذا المجال، وقد نجحت السياسة السورية في إقناع النظام الإيراني باستقبال وفد من كتلة علاوي (الكتلة العراقية) وفي تخفيف الموقف الإيراني المتطرف في معاداته لهذه الكتلة، كما استطاعت أن تخفف غلواء التطرف الإيراني تجاه تشكيل الوزارة الجديدة وإقناع أهل السلطة في إيران بقبول تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية، والتخلي عن سياسة الإقصاء التي اتبعت قبل الانتخابات وحرمت خمسماية شخصية عراقية من خوض غمارها. لعله من الصعب اتفاق السياستين كليا ًفي العراق، وذلك لأن المطامع الإيرانية لاحدود لها، والرغبة في التدخل في شئونه الداخلية طاغية، ومازالت السياسة الإيرانية تعتبر أن العراق هو مفتاح الخليج ومنطلق سياستها الخليجية والإقليمية، وتري أن تراجع دورها فيه سيكون بداية لتراجع دورها الإقليمي وخسارة ما حققته في هذا المجال خلال ثلاثة عقود، ولكن، ورغم ذلك، فإنه من المستبعد أن تصل الخلافات السورية الإيرانية في العراق إلي العلن، وأن تعرقل التعاون بينهما في قضايا عديدة أخري، وهذا ما لايريده كل من البلدين، وعلي الأخص ما لاتريده سوريا التي تري مصلحتها في استمرار التنسيق والتعاون مع إيران وتعتقد أنها قادرة في نهاية المطاف علي إقناعها بممارسة سياسة معتدلة في العراق.